الجمعة، 25 أكتوبر 2019

من هدايات المصلحين في سورة المائدة.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن الآيات التي يهتز لها القلب قوله ﷻ في قصة موسى عليه السلام مع قومه: (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِینَ یَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمَا ٱدۡخُلُوا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ).
فلقد جاء فيه ضروب من المواعظ للمصلحين، والتنابيه لطريق الإصلاح، والهداية له من عدة وجوه:
١- أن المؤمن مبادر بالنصح، متوثّب للإصلاح، لا ينوّمه وجود غيره من المصلحين، بل ينتصب للحق ولو انتصب له من هو خير منه، ويقوم فيه ولو قام غيره، فانظر إلى هذين الصالحين، وقد قاما في نصح بني إسرائيل، وبيان طريق النصر، مع وجود موسى وهارون عليهما السلام!.

٢- ومن هدايات المصلحين في الآية:
أنهما دلّا على طريقين من طرق النصر:
دلّا على الطريق الديني الشرعي، ودلّا على الطريق التجريبي الواقعي.
فأمرا قومهما بأمرين:
١/ (ٱدۡخُلُوا۟ عَلَیۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَۚ)، وهذا أمر مجرّب في أحوال الناس، فإن كثيرا من المصاعب تذلل إذا اقتحمها الإنسان، حتى كأنه ليس بينه وبين جوازها إلا أن يبدأ فإذا هو قد خلص.
٢/ وقالا: (وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤا۟ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ)، فالتوكل عليه والتعلّق به واللجأة إليه، واستشعار مدده باب الانتصار الأكبر، ولهذا جاء ذكر التوكل عليه ﷻ في المواقف الكبار، كما في سورة آل عمران عند ذكر غزوة أحد، وفي الأنفال في خبر غزوة بدر، وفي التوبة في نبأ غزوة تبوك.

٣- ومن هدايات المصلحين في الآية:
ما جاء في قولهم: (فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَۚ)، فإنه جاء بأسلوب تأكيد لا ظن فيه،  (فإنَّكُمۡ غَـٰلِبُونَۚ).
فاليقين بموعود ﷲ زاد المصلحين في سواد الكروب، وكآبة الهزائم.

٤- ومن هدايات المصلحين في هذه الآية:
أن ﷲ وصفهما بأنهما (مِنَ ٱلَّذِینَ یَخَافُونَ)، فالخوف من ﷲ رصيد إيماني يصغّر الخوف من غير ﷲ، فكلما عظم خوف ﷲ في نفس المصلح هان في قلبه خوف الباطل وأهله.

٥- ومن هدايات المصلحين في الآية:
ما ذكره ﷲ عنهما بقوله ﷻ: (أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمَا)، فمعيار الإنعام حقا أن تكون جاثما في الصف!
أن تكون مع المصلحين!
أن تكون ممن يدفع الباطل!
ولقد حدثنا ﷲ عن معيار النعمة عند المنافقين فقال: (فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِیدࣰا)!
هكذا يرون السلامة هي النعمة!.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.