الأحد، 7 أكتوبر 2018

(وهم يستبشرون) سورة المائدة: ضبط القوة الشهوانية والغضبية.

بســــم الله الرحمـن الرحــــيم

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
     فلما كانت سورة المائدة سورة ضبط القوتين القوة الغضبية والشهوانية، افتتحت بالتأكيد على الوفاء بالعقود، وعطف عليه حل بهمية الأنعام، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ).
     وهما مثالان لضبط تلك القوتين، فإنما يحمل الشخص على نقض عقده طمع باعثه الشهوة، أو بغي باعثه الغضبة.
     ثم عطفت الآيات على ذلك بذكر محرمات تضبط عليه قوتيه بتحريم مؤقت، في أزمنة وأمكنة فاضلة، فجاء تحريم إحلال الشهر الحرام والبلد الحرام، فقال ﷻ: "(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا).
     ثم عطف بعد ذلك بذكر المحرمات من المطعومات، لكن مما حرم تحريما دائما، وهو ضبط دائم للقوة الشهوانية، فقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ).
     ثم تأمل سياق الحديث عن الجوارح في الصيد، حين قال ﷻ: (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)، يظهر لك من ذلك بيان ارتباطه بمقصد السورة، فإن الجارحة لو تجاوزت في قوتها الغضبية فأكلت حرم ذلك الصيد، فكان ضبط القوة الشهوانية مؤثرا في المكلف بفعل نفسه ومؤثرا فيما يعلمه من الجوارح.
     ثم ذكر فيها آية الوضوء، فقال:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلى آخر الآية.
     والوضوء ضبط للقوتين للقوة الغضبية والشهوانية، أما ضبطها للقوة الغضبية فلما جاء في سنن أبي داود من حديث السعدي أن النبي ﷺ أمر الذي  غضب أن يتوضأ.
     وأما من جهة القوة الشهوانية فلأن الوضوء يشرع بعد نواقض متعلقة بالشهوة وهذا مبني على مسألة فقهية شهيرة، في نواقض الوضوء هل هي معللة أم تعبدية؟
     فمن جعلها معقولة المعنى صح معه هذا السياق، عن تأثير القوة الشهوانية على الإنسان فأوجب ذلك الوضوء، ولهذا يجب من خروج النجاسة من السبيلين، وهو من آثار الشهوة، فإذا زاد الأمر فأمذى الانسان أو نحوه، وجب عليه الوضوء أيضا.
     ومنه أكل لحم الجزور، فلما كان لحم الجزور لحماً فيه زيادة في القوة الغضبية، لأنها خلقت من شياطين ، كما في سنن أبي داود، فإذ بلغ تأثيرها إلى هذا الحد أوجب ذلك الوضوء، على قول كثير من السلف وهو مذهب جمع كبير من الصحابة و مذهب فقهاء المحدثين كأحمد وغيره.
     ومما له علق بذلك، ما ذكره بعض أهل العلم: أنه لو أبيح أكل الجوارح للاضطرار كمن لم يجد إلا كلبا أو ثعلبا أو أسدا وأكله فهل يجب فيه الوضوء؟ باعتبار أن فيه من الروح الغضبية ماهو أولى من الجزور.
     فيه خلاف بين الفقهاء على روايتين عند الحنابلة، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية القول الثاني أنه يجب أن يتوضأ، قال: لأنه إذا كان ذلك واجب في الحيوان المباح من أصله، فلأن يوجب ذلك في الحيوان الذي يجوز للعارض للاضطرار من باب أولى.
     وفي سورة المائدة جاء ذكر الأمة الغضبية وهم اليهود والأمة الشهوانية وهم النصارى بسياق طويل على خلاف المعتاد في الحديث القرآني، فإن المعتاد عند ذكر هاتين الأمتين أن يختص طول السياق بإحداهنّ، ولكن أن يأتي ذكرهما معًا في سياق طويل فليس هو العادة القرآنية، فقد اختصت سورة البقرة بذكر الأمة الغضبية وهم اليهود، وفي سورة آل عمران طال سياق الأمة الشهوانية وهم النصارى، وأما سورة النساء فجاء فيها ذكر الأمة الغضبية، والأنعام لم يأت فيها ذكر شيء من ذلك، وفي الأعراف جاء  ذكر الأمة الغضبية اليهود وهكذا، ولكن ذكر الأمتين بسياق مطول مما يقل في القرآن كما في سورة المائدة، بل إنها السورة التي جاء فيها المقارنة بين الأمّتين، فقال: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ)، فإن البأس بتسلط الغضب أشد منه بالشهوة، فغلبة الشهوة تكون لضعف في الإنسانيّة، وهي ذنب آدم الأول، بخلاف غلبة الغضب فهي غلبة إبليسية، ومنها كان ذنب إبليس الأوّل.
     ثم انظر كيف جاء في سورة المائدة، تقرير التوحيد من جنس موضوعها و مقصدها .
     فلما ذكر الله تعالى عيسى ابن مريم وأمه قال: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَام)، فانظر كيف نفت عنهم الربوبية والألوهية، قال عز وجل: (كانا يأكلان الطعام)، فجاء ذكر تقرير نفي ألوهيتهما من جهة وجود الشهوة فيهما أو القوة الشهوانية فيهما.
     ثم انظر مناسبة قصة قوم موسى حين أبوا الدخول على قرية الجبارين، مع قصة ابني آدم، فإن قصة قوم موسى مثال على الاستخذاء والخور والجبن، وذاك تخاذل في القوة الغضبية عن المأمور به، وأما قصة ابني آدم فهي مثال للبغي والاعتداء وذاك تجاوز في القوة الغضبية بقتل النفس المعصومة، ثم إن الباعث على التخاذل ذاك والاعتداء هذا هو الطمع وشهوة الدنيا.
     ثم عقبت قصة موسى مع قومه وقصة ابني آدم بخواتيم تداوي البغي في القوة الغضبية:
     - فقال ﷻ: (إِنَّمَا جَزَ ٰ⁠ۤؤُا۟ ٱلَّذِینَ یُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَسۡعَوۡنَ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ)، فهذا حجاز اجتياز القوة الغضبية بالردع العقابي، وذاك مما يفعل فعله في كثير من الناس.
     - ثم قال ﷻ: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوۤا۟ إِلَیۡهِ ٱلۡوَسِیلَةَ وَجَـٰهِدُوا۟ فِی سَبِیلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ)، وهذه طريق ثانية في شفاء الأمّة من البغي والعدوان، فإن هذه القوى لا تزال تجيش بها الصدور، وتطلب لها منفذًا، فإن لم تُستفرغ في الحق استفرغت في الباطل، وإن لم تشف القلوب نفثاتها في عدو ﷲ وعدوها؛ عادت نارها لتأكل بعضها.
     ثم إن هذه السورة العظيمة تبين معنى عظيما، وهو أنه لا بد للإنسان من ضبط يضبط به قواه الشهوانية والغضبية، فالإنسان فيه جوعة إلى الضبط والمنع، ولا يزال متطلبا إلى ضبط قوته الغضبية والشهوانية بحق أو بباطل وزيف، ولهذا جاء في هذه السورة لوم الجاهليين لما اتخذوا ضبطا غير شرعي، ألم يقل الله تعالى: ((مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)) فاتخذو لهم ضوابط ضالة، ومحرمات زائفة، ليضبطوا قوتهم الشهوانية بتحريم السائبة والوصيلة والحامي، وغير ذلك من أنواع ما يحرمونه، من دون مسوغ ولا حجة ولا أثارة من علم، فدل ذلك على أنه مما فطرت عليه النفوس، وأن فيها جوعة إلى الضبط، فمن لن يضبطها بالحق والنور دعته نفسه لضبطها بالزور.
     وأيضا فقد تكرر في هذه السورة الضبط على أنحاء، حتى جاء ذكر الضبط المؤقت، وهو ضبط المُحْرمين، فضبطت القوة الشهوانية للمحرمين، ولهذا ذكر الله في هذه السورة أحكام ما يجتنبه المحرم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)، فالإنسان بحاجة إلى أن يضبط، ثم إنه يترقى في ذلك، فيمر عليه أحوال وأزمان وربما أماكن كما في الحرم يحتاج فيها أن يمتنع من محرمات يترقى بذلك من ثقلة الأرض وترابيتها إلى السماء.
     وفي ختام هذه السورة العظيمة جاء ذكر قصة جليلة نعى الله فيها ولام وعتب على النصارى، الذين سألوا نبيهم مسألة، لم تكن كمسألة اليهود، حين سألوا كتابا لينظروا، لكن لأنهم أمة شهوانية، قالوا: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)!، وتكاد تنطق لي الآيات بعظيم من المعاني من هذه القصة وعلاقتها بالقوة الشهوانية ثم لا تستمسك معي بجلاء، ولكن المقصود أنه قد جاءت فتنتهم من هذا النحو، وهم إلى يومنا هذا تغلب عليهم القوى الشهوية، فإن غالب الفساد الذي مادته الشهوات إنما يخرج اليوم من أمة النصارى، وقد قال ابن تيمية رحمه الله في هذا: "ﻭﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻭﻡ اﻟﻘﻮﺓ اﻟﺸﻬﻮﻳﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭاﻟﻨﻜﺎﺡ ﻭﻧﺤﻮﻫﻤﺎ ﻭاﺷﺘﻖ اﺳﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﻢ اﻟﺮﻭﻡ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﻘﺎﻝ: ﺭﻣﺖ ﻫﺬا ﺃﺭﻭﻣﻪ ﺇﺫا ﻃﻠﺒﺘﻪ ﻭاﺷﺘﻬﻴﺘﻪ. ﻭﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮﺱ اﻟﻘﻮﺓ الغضبية ﻣﻦ اﻟﺪﻓﻊ ﻭاﻟﻤﻨﻊ ﻭاﻻﺳﺘﻌﻼء ﻭاﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻭاﺷﺘﻖ اﺳﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﻴﻞ ﻓﺮﺱ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﻓﺮﺳﻪ ﻳﻔﺮﺳﻪ ﺇﺫا ﻗﻬﺮﻩ ﻭﻏﻠﺒﻪ".
والحمد لله.

الأحد، 12 أغسطس 2018

أوراق فقهية (١٥): (حكم التصويت على القضايا الشرعية في وسائل التواصل)



     بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:
أما بعد:
• فإنه لمّا استقر المنع من التصويت في مجالس الأمة والبرلمانات، وتحت القباب النيابية المشرعة بغير ما أنزل الله؛ توهم بعض أهل الفضل والعلم انسحاب الحكم إلى كل تصويت على أمر محرم ولو اقترن بلواحق وأوصاف ليست من جنس التشريع والحكم بغير ما أنزل الله.

• وهذا التوهم يلحق كثيرا من المسائل التي تدل الأدلة فيها على حكم من الأحكام في حال غالب؛ ثم قد تأتي من الحادثات ما تماثل تلك المسائل في الصورة وتختلف في العلة والوصف، فلربما أُلحقها بعضهم بتلك المسألة فأعطاها حكمها توهما وظنا:
- لسلطان الحال الغالب على النفوس.
- أو لاتباع ظواهر الألفاظ دون التفات للعلل الفارقة.
- أو لتوهم وجود العلة فيها مع الغفلة عن الفرق بين النظائر، وعدم التحقق من مناطات الأحكام الذي علقت عليه المسألة.

• وهذا الشأن له أمثلة كثيرة، لا تخطئ أن تراها في كتب الفقهاء :
- فمن تلك المسائل؛ ما نصّ عليه جمع من الفقهاء من مشروعية القصر في عرفة ومنى لأهل مكة في كل زمان، فإنهم لما رأوا أن النبي ﷺ في حجته قصر وقصر الناس معه دون تفريق بين مكي وغيره، ظن أن أهل مكة في كل عصر يلحقون بحكم أهل مكة في العهد النبوي دون تنبه لمناط القصر آنذاك، هذا مع أن بعض من يقول ذلك هو ممن يقول بأن القصر للسفر لا للنسك، ثم حين أراد تحقيق الحكم في الحادثة أثّر عليه سلطان ما ظنه من صراحة النص دون تنبه للفرق بين المناطين.

- ومن أمثلة ذلك ما يُتوهم من قول النبي ﷺ: "لا تبع ما ليس عندك "، فظن بعضهم أن المنع معلق بكل وجه يترتب عليه بيع ما ليس موجودا حال المفاوضة من الأعيان، دون أن يفرق بين العقود على الأعيان الموصوفة في الذمة وعقود السلم والآمر بالشراء، وما يدخل تحت الضمان وما يخرج عن ذلك، والفرق بين العقد والوعد بالعقد وهكذا، وهذا مثال للانطلاق في تنزيل النص مع الغفلة عن مناطه.

- وقل مثلك ذلك في مسألة التصوير، فإنه قد غلب اعتبار اللفظ على اعتبار المعنى المقصود من النص، فذهب بعض الفقهاء في أواخر القرن الماضي إلى حرمة الفوتوغرافيات لتوهم مماثلة بين النوعين، وتتابع عليه جمع من العلماء دون تنبه للفرق بين الحالين، حتى إنه حينما نصب الفرق بين الحالين، وذكر المجوزون ما يختلف فيه الأمران -وأن التصوير المذكور في النص هو ما كان عن عمل وتخليق وهو ما ليس في هذه المسألة- ردّ المانعون بأن التصوير الفوتوغرافي فيه عمل أيضا وحركة لليد فيه بضغط زر التصوير!
وهذه غفلة أخرى عن حقيقة الإيراد.

• والمقصود أنه قد يغلب على النفس معنى معين مرتبط بمسألة في حال؛ فإذا ما جاءت مسألة تماثلها في الصورة بدر إلى العقل إلحاق هذه بتلك دون تحقيق للفرق.

• وهذا مما تراه بيّنا في مسألتنا هنا، فإن إلحاق التصويت على أي حال بالتصويت التشريعي البرلماني جنَف ظاهر، فإن التصويت هناك له مقتضى في التشريع والتبديل لا يلزم وجوده في كل حال على هذا النحو.

• فالتصويت -مثلا- في وسائل التواصل الاجتماعي على أمر معين، يغلب عليه المصاولة الإعلامية لإظهار ما تعتقده جماعة معينة أو بلد معين.
ولما كان من مقاصد الشرع إظهار شعار الإسلام وصولة التدين كانت المشاركة في مثل هذه التصويتات لا تعدو الأثر الإعلامي، وليست من الرضا بالمعصية في شيء، ولا هي من عرض الشرع على آراء الناس، وإلا فهل يقول قائل : إنك لو سألت قوما في موضع محصور عن دينهم ومعتقداتهم، ثم أخذت إحصائيات بذلك فهل يمكن أن يقول قائل إن هذا من (إخضاع شرع الله للآراء)!

• وأما التفريق بين إنشاء التصويت والمشاركة فيه فهو تفريق صحيح، مبني على علة الحكم الذي بني عليه أصل الكلام، فإنما منع من إنشاء التصويت لأن من أنشأه جعل آراء الخلق في مقابل شرع الله، وهذا ليس موجودا في من شارك بإظهار صولة أهل الحق، فإنه لم يجعل لآراء الناس سبيلا على الشرع بل باينها وضادها.

وأيضا فإنه يمنع من إنشاء التصويت لما يفتح به لأهل النفاق والفجور من إظهار رأيهم، وهذا ليس موجودا في المشاركة.

ولأنه لا يؤمن أن يظهر لهم غلبة تفتن الناس، وهذا عكس ما في المشاركة.

• ولا يلزم من القول بجوازه= القول بجواز المشاركة في البرلمانيات المشرعة بغير ما أنزل الله، فإن ذلك يترتب عليه من التشريعات والعمل ما لا يوجد هنا.

• وأما الإنكار على من جوّز المشاركة في هذه التصويتات مع منعه من ابتدائها، ومماثلة قوله بمن يقول: سأشرب الخمر مع اعتقاد حرمته ، فإنكار في غير مورده، وتشبيه في غير محله .
فإن المسألة الواحدة قد يختلف متعلقها من الحل والحرمة باختلاف طرفيها، ولهذا نظائر في الشرع:
- فإن بيع الكلب حرام بدلالة النص، ومع هذا جوز جمع من أهل العلم شراء كلب الصيد لمن لم يجده إلا بالثمن، وهو قول قوي، فهو حرام على الآخذ مباح للباذل.

- بل ربما كان واجبا على الباذل كمثل فداء الأسرى، فإنه يجب على المسلمين بذل ذلك مع حرمة ذلك على آخذه من الكفار وتأثيمه، فاختلف الحكم هنا لاختلاف متعلقه .

- ومثل ذلك كسب الحجام، فإنه خبيث بالنص النبوي، وسواء قلنا إن الخبيث دال على التحريم أو على ما دونه، فإن النبي ﷺ قد بذل للحجام أجرته، ولا يجوز أن يظن أن الخبث متعلق بالإعطاء، فاختلف الحكم لاختلاف المتعلق، فإنه ﷺ لم يقل (إعطاؤه خبيث).

• ولهذا فلا يمنع أن يقال: بحرمة ابتداء التصويت ويقرر ذلك وينصر ثم إذا أراد مفسد أن يوهن من ديانة المجتمع ويضعف إرادته شددنا عليه بالنكير على التصويت وصوتنا ضده ليظهر مبلسا من الحق ومن الأعوان.

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

الأحد، 1 يوليو 2018

دفع اختلاط مجوّز الاختلاط.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷲ.
 أما بعد:
فكم أود لو أن بعض من يأبى ويصر على الحدَث في الدين والاختراع فيه؛ أن يترك الإملال! ويريحنا من السآم! بذكر شبهٍ قد لاكها قبله ألف لسان!، وسأم أهل العلم والدعوة من ردها وكرروا بيان خطئها!. فلو أن هؤلاء الطرآء إذ أبوا إلا ركوب الزيف؛ أتوا بشيء جديد يجد الإنسان في رده لذة العلم وكسر جديد الباطل!
لكنهم يصرون على مضغ مقالات قيلت، ويتسقطون لشبهٍ سلفت وماتت.

ولذا فانظر إلى بعضهم حين يرأى حديث ابن عمر: "ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻳﺘﻮﺿﺌﻮﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﷺ ﺟﻤﻴﻌﺎ" الذي رواه البخاري.
تطير به عصافير رأسه، ويظن أنه قد أتى بالقمر في الجؤنة!
ويفرح يأمل أن يكون فيه دليل على إباحة اجتماع الأجنبيات مع غير محارمهن.
وهذا فهمُ من لم يعرف كامل هذه المسألة!
وهذا حديث لا إشكال فيه عند فقهاء الأمة من الصحابة فمن بعدهم، فإنه حديث يُذكر في شطر مسألة معروفة عند أهل العلم موسومة (بحكم وضوء الرجل بماء توضأت به المرأة، وهي مسألة على قسمين: حكم مشاركتها، وحكم الوضوء بفضل وضوئها)
فكان ابن عمر في هذا الحديث يبين أنه لا جناح على من فعل ذلك، وأن الرجال كانوا يشاركون (النساء) في الوضوء، فهو حديث سيق لبيان حال الصحابة في عدم امتناعهم عن الوضوء مع النساء وبعدهن، ولم يسق لمسألة اختلاطهم، ولا مدخل لما انتفخ به نحْر أهل التغريب وسَحَره، فابن عمر يريد أن يبين أن الرجل من الصحابة كان يتوضأ مع زوجته وأمه وبنته ليس يتحاشى ذلك.
ولهذا بوّب البخاري في صحيحه على هذا الحديث بقوله: "باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل-أي بقية- وضوء المرأة" فهذا سبب ورود الحديث، وهذا فهم السلف للحديث.
ومن يعرف كامل المسألة يعرف سبب سياق مثل هذا الاستدلال، ولهذا لما ذكر عبد الرزاق حديث ابن عمر سبقه برواية ابن جريج ﻗﺎﻝ: "ﻻ ﺑﺄﺱ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺿﺄ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻣﻌﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻦ ﺷﻘﺎﺋﻘﻜﻢ ﻭﺃﺧﻮاﺗﻜﻢ ﻭﺑﻨﺎﺗﻜﻢ ﻭﺃﻣﻬﺎﺗﻜﻢ" مصنف عبد الرزاق.

وسيتبين لك بما سأذكر من الأدلة كيف أن الأدلة التي جاء فيها الرخصة للنساء بالخروج جاءت حياطتها بالتستر وعدم الاختلاط.

•• قال ﷻ: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
فقد جعل ﷲ الحجاب سببا لطهر قلب المرأة والرجل، وإذا كان ذلك في زوجات النبي ﷺ مثابة طهرة فكيف بغيرهن.

•• ثبت في البخاري ﺃﻥ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻟﺖ: «ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺇﺫا ﺳﻠﻢ ﻗﺎﻡ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﻴﻦ ﻳﻘﻀﻲ ﺗﺴﻠﻴﻤﻪ، ﻭﻣﻜﺚ ﻳﺴﻴﺮا ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ» ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺷﻬﺎﺏ الزهري راويه: "ﻓﺄﺭﻯ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻜﺜﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﻔﺬ اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻬﻦ ﻣﻦ اﻧﺼﺮﻑ ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻡ".

• وتأمل مسألة لطيفة هنا: فإنه مع إذن النبي ﷺ للنساء في حضور الجماعات والذهاب للمساجد، إلا أن خروجهن قد حيْط بحياطات تمنع الخلطة والفتنة، ومن ذلك:
• فمنه منع النساء من الجهر بالتسبيح للإمام، ولكن يصفقن، كما في الصحيحين: "فليسبّح الرجال، وليصفق النساء".
وأنت تعرف أن التصفيق ليس من شأن العبادة، بل هو إلى اللهو أقرب، لكنه مع ذلك كان بدلا لجهر المرأة بصوتها، مما يجزم فيه النلظر بعظيم تشوّف الشريعة المطهرة لصيانة المرأة عن الخلطة.

• ومن ذلك أنه جعل فضلا علقه على استئخار صفوف النساء عن الرجال، فعن ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: "ﺧﻴﺮ ﺻﻔﻮﻑ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﺃﻭﻟﻬﺎ، ﻭﺷﺮﻫﺎ ﺁﺧﺮﻫﺎ، ﻭﺧﻴﺮ ﺻﻔﻮﻑ اﻟﻨﺴﺎء ﺁﺧﺮﻫﺎ، ﻭﺷﺮﻫﺎ ﺃﻭﻟﻬﺎ". رواه مسلم.

• ومن ذلك أنه ﷺ نبّه النساء أن يراعين عدم الاختلاط بالرجال عند الخروج للمسجد، فعن ﺃﺑﻲ ﺃﺳﻴﺪ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ -ﻓﺎﺧﺘﻠﻂ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ- ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻟﻠﻨﺴﺎء: «اﺳﺘﺄﺧﺮﻥ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻜﻦّ ﺃﻥ ﺗﺤﻘُﻘْﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻴﻜﻦ ﺑﺤﺎﻓﺎﺕ اﻟﻄﺮﻳﻖ»
 رواه أبو داود

• ومنها أن الشريعة جاءت بتفضيل صلاتهن في البيوت مع إذنها لهن بالخروج، فإذا استحضرت أن القاعدة الأغلبية: أن العمل الواحد إذا زادت أبعاضه كان أفضل مما هو أنقص منه، ثم رأيت هنا أن صلاة المرأة في المسجد زادت أجزاء صلاتها وأبعاضها؛ ومع ذلك نقص أجرها، بان لك وجه من تشوف الشريعة لعدم اضطراب المرأة بالخروج لأدنى داعية.
فقد روى أحمد في مسنده بسند حسن: "عن أم حميد رضي الله عنها:
أنها قالت : يا رسول الله، أني أحب الصلاة معك!
فقال ﷺ: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي,وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاة في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي).

• ومن ذلك أن نساء الصحابة كنّ يراعين ذلك في الطواف ودخول المسجد الحرام:
فقد روى البخاري عن عطاء أنه ذكر طواف النساء ثم نبّه على نفي الاختلاط فقال: "لم يكن يخالطن!، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة (أي معتزلة) من الرجال لاتخالطهم، فقالت لها امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين! قالت: انطلقي عنك، وأبت".

• ومن ذلك أنهن كن يراعين عدم الاختلاط عند دخول الكعبة، كما ذكر البخاري في الحديث الماضي، فقالت عائشة: "يخرجن متنكرات بالليل! فيطفن مع الرجال، ولكنهن كنّ إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال".
فذكرت أنهن يقفن حتى يخرج الرجال ثم يدخلن.

• ومن ذلك أن الشريعة حثتهن للخروج لصلاة العيد، ولكن حاطتهن بما يجنبهن الخلطة بالرجال، كما في البخاري عن ابن عباس قيل له: أشهدت العيد مع النبي ﷺ؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، صلى النبي ﷺ ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال، فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة).
ففيه أن النساء كن مجانبات لرجال غير مختلطات بهم، ولذا احتجن أن يأتيهن ﷺ.
• وهذا الأمر كان أمرا معروفا عند الصحابيات، ولهذا ثبت في البخاري أنهن قلن للنبي ﷺ: "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن".
فدل على تمايزهن وعدم خلطتهن.

• ولما وقع في عهد عمر -رضي الله عنه- شيء من اختلاط الرجال بالنساء في الطواف نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة". كما رواه الفاكهي في أخبار مكة.

• وهذا الشأن مستقر في تصاريف الأدلة تجده يد كل لامس للأدلة ناظر فيها غير متبع لهواه، فاسمع لعائشة كما في البخاري حين استأذنت عائشة رسول الله ﷺ في الجهاد، فقال: "جهادكن الحج".
فقد تاقت نفسها للعمل الصالح في الجهاد، فأراد النبي ﷺ أن يبين أنه ليس من شأن النساء، ولهذا فإنما كن يخرجن أحيانا مع النبي ﷺ للحاجة للسقي والمداواة، عند قلة عدد الرجال المقاتلين.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ.


الجمعة، 16 مارس 2018

مسألة: (الترحم على المشركين)

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷲ وعلى آله وصحبه:
أما بعد:
فمن الناس من هو مولع بكل غريبة، يلذّ له مخالفة المؤمنين، ويطرب لسلوكه غير سبيلهم، ويتمايل لبخبخة العلمانيين والليبراليين.
ففي حينٍ ترى المسلمين من أتباع الوحي على شأن مجتمع في مسألة قد استقروا عليها في دينهم، تراه يتقافز يتشعب بهم فيها بتمويه ودلَسات كما سأذكر هنا بإذن ﷲ.
وقد جاء اليوم من يجوّز الترحم على الكافر بعد موته! ولكنه رأى أن أدلة المنع من الاستغفار لا يقدر على ردّها لقطعيتها أخذ يفرّق بين الاستغفار والترحم بغير حجة، وجاء يستدل على ذلك بما لا تقوم به حجة، ثم زاد فزعم عدم ثبوت دليل في منع الترحم على الكفار وهكذا في هوَر الاحتجاجات ووهائها.

•• فأما المنع من الترحم على الكفار فقد دل على ذلك حجج من وجوه:
• الوجه الأول: أنه قد صح امتناع النبي ﷺ عن ذلك للكفار الأحياء فضلا عن الأموات، كما ثبت في المسند والترمذي عن حكيم بن ديلم عن أبي بردة عن أبي موسى قال: "ﻛﺎﻧﺖ اليهود ﻳﺘﻌﺎﻃﺴﻮﻥ ﻋﻨﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺭﺟﺎء ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ: ﻳﺮﺣﻤﻜﻢ اﻟﻠﻪ! ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻬﻢ: "ﻳﻬﺪﻳﻜﻢ اﻟﻠﻪ ﻭﻳﺼﻠﺢ ﺑﺎﻟﻜﻢ"، وقال الترمذي: (حسن صحيح) ورجاله أئمة كبار غير حكيم بن ديلم وهو ثقة مأمون كما قال الثوري وغيره.
والترك هنا ليس تركا مجردا، بل ترك على خلاف أصل التشميت، فينحل إلى النهي، وبابه التحريم لا مطلق المنع.

• الوجه الثاني: أن ﷲ قد أخبر بحجب رحمته عن الكفار في الآخرة وآيسهم من رحمته، كما قال تعالى: "والذين كفروا بآيات ﷲ ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي".

الوجه الثالث: أن ﷲ قد حرّمها عليهم، فقال: "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون".
وقد تقرر أن من الاعتداء في الدعاء؛ الدعاء بالممنوع شرعا وكونا.

• الوجه الرابع: أن الرحمة أعظم من المغفرة، فإذا جاء القطع بمنع الدعاء بالمغفرة فالمنع من الدعاء بالرحمة أولى، ولو جاز ما قاله: من أن الدعاء بالرحمة لتخفيف بعض العذاب، لصح أن يقال: ويجوز أن يدعى بمغفرة الذنب دون الشرك ليخفف عنه العذاب، كما قد قاله بعضهم.

الوجه الخامس: أن المخالف حين يريد نفي الإجماع في المسألة ينتقل إلى مسألة أخرى، وهي مسألة: اختلاف السلف في تخفيف العذاب على الكافر في النار، وتلك دلسة من الدلسات، فالحديث عن الدعاء للكافر بالرحمة، وليس في وقوع الخلاف في حقيقة التخفيف على بعضهم في النار، فهي خلافية بلا إشكال، وأما الأولى فالخلاف فيها من الشذوذ لمخالفته النص والإجماع المتقدم.

الوجه السادس: أن المخالف يرد في مسألة خارجة عن نزاع المسلمين المتبعين للسنة مع المترحمين على الكفرة، فإن المترحم على الكافر يجوّز دخول الكافر الجنة وقد ظهر ذلك في ردوده وتعليقاته، فتطوّع المخالفون للاستدلال في مسألة لم يقصدها الطرفان، وذاك فضول استدعاه حب المخالفة والتشغيب.

• الوجه السابع: يردد المخالفون في مثل هذه المسائل الحديث عن الخلاف كلما نوقشوا وأبلسوا من الأدلة ويتكئ عليه كأنه حجة مستقلة في المسائل، وهنا إجماع لا يوجد خلاف معتبر، وإنما جاء الخلاف في تكفير من استغفر للمشركين، والرحمة أعظم فهي أولى بالتكفير، فهل سيراعون الخلاف هنا؟

• الوجه الثامن: أن الأصل المنع من الدعاء لأموات الكفار لقوله تعالى: "ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره".
والقيام على القبر كما قال ابن الجوزي: "قال المفسرون: ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺇﺫا ﺩﻓﻦ اﻟﻤﻴﺖ ﻭﻗﻒ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﺮﻩ ﻭﺩﻋﺎ ﻟﻪ ﻓﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺣﻖ اﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ".
والدعاء عبادة، والأصل فيها التوقيف فالمطالب بالدليل هو المخترع المبتدع لهذا التفريق، الذي كان يميل بعنقه كلما ناقشه أحد يقول برزانة سوداء: هاتوا الدليل على التحريم! مع أنه هو المطالب بالدليل والحجة الخاصة على جواز ذلك. 

وبقي هناك وجوه من وجوه الاستدلال والرد تركتها اكتفاء بما مضى، فإن صاحب الاتباع يكفيه حرف واحد من الكتاب والسنة ليسلم، وصاحب الباطل لو أتيته بكل آية لوّاها عن وجهها وقعد يفتل الأغلوطات على الأدلة والله المستعان.

السبت، 10 مارس 2018

طبائع الفتن



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
• فمن حكمة الله تعالى ابتلاء المؤمنين بتعاقب الفتن وتتابعها، وقد جاءت أدلة تبين وجوها من ذلك:
فانظر قول ﷲ ﷻ عن كلام هاروت وماروت: "إنما نحن فتنة"، فإنه دال على أن من قضاء ﷲ الكوني ترتيب الفتن في الأرض، اختبارا لإيمان العباد وتمييزا للصف وامتحانا لهم، ولذلك نظائر دلت عليها الأدلة.

وإن من استحكام الغفلة على القلب؛ الأمن من مواقعة الفتنة وعدم محاذرة آثارها، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر كان يسأل الصحابة:
‏"أيكم يحفظ حديث النبي ﷺ في الفتنة؟
‏فأجابه حذيفة:
‏أنا
-ثم قال بعدُ- : "إن بينك وبينها باباً مغلقاً".
فهذا عمر يخشى الفتنة ويحذرها ويتطلب علمها ويستعلم صفاتها، وهو عمر ومن يأمن الفتنة بعد عمر؟!
وقد دل الدليل على أن قبول الفتنة يظلم القلب كما ثبت في مسلم أن النبي ﷺ قال عن أثر الفتن وعاقبة قبول القلب لها: "وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء".

وقد دلت الأدلة على تنوع الفتن وكثرتها، وأن منها أنواعا لا يسلم منه أحد، كما ثبت في الصحيحين لما سأل عمر الصحابة عن الفتن، فقال حذيفة: "فتنة اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﺟﺎﺭﻩ ﺗﻜﻔﺮﻫﺎ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭاﻟﺼﺪﻗﺔ ﻭاﻟﻤﻌﺮﻭﻑ" (البخاري ١٤٣٥، ومسلم ١٤٤).
فهي فتن منوعة ذات تلاوين واختلاف، ‏كفتنة الولد وفتنة الدنيا وفتنة العلم، وفتنة الاضطهاد وفتن سلطان الجمهور وفتن زلة العالم، وهلم هلم من أنواعها.

وقد جاء ذكر تفاوتها كما في مسلم، قال ﷺ في وصف الفتن: "ﻭﻣﻨﻬﻦ ﻓﺘﻦ ﻛﺮﻳﺎﺡ اﻟﺼﻴﻒ ﻣﻨﻬﺎ ﺻﻐﺎﺭ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻛﺒﺎﺭ" (٢٨٩١).

والفتن في ذاتهما نوعان:
فتن شهوات وفتن شبهات، وقد جمعهما الله في قوله تعالى: (كالذي من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا ).
وفتن الشهوات تدفع بالصبر، وفتن الشبهات تدفع باليقين، ولذلك جمع الله بين الصبر واليقين في قوله تعالى (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون).
- ومن أنواع الفتن: الفتن العلمية!
- وقد كان لمتقدمي هذه الأمة من الفحص عن دقيق علم الفتن! ما يتعجب منه أمثالنا.
ومن ذلك ما جاء عن سحنون وكانت تأتيه المسائل المشهورة فيأبى الجواب فيها، فسئل عن ذلك فقال:
‏سرعة الجواب بالصواب أشد فتنة من فتنة المال".
‏ترتيب المدارك ١/ ٣٥٧
وقد دلت الأدلة أيضا أن العلماء الصالحين مغاليق للفتن في كل زمان، فقد روى البزار في مسنده أن أبا ذر كان يقول لعمر رضي الله عنهما: "يامغلاق الفتنة"، وإنما ذلك -والعلم عند الله- لما يعلمون من الكمالات التي وهبها ﷲ عمر، في العلم والعمل، وهو إذن لكل من نال نصيبا من العلم والعمل.

ومن الفتن العلمية: الفتنة بكلمة الضلالة، يقوم ناشرا للعلم يبثه ويتقفره ثم يميل بكلمة ضلالة يتبعه عليها خلائق، وقد ‏روى الدارمي عن ﺯﻳﺎﺩ ﺑﻦ ﺣﺪﻳﺮ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻋﻤﺮ: "ﻫﻞ ﺗﻌﺮﻑ ﻣﺎ ﻳﻬﺪﻡ اﻹﺳﻼﻡ؟
‏ﻗﻠﺖ: ﻻ!
‏ﻗﺎﻝ: ﻳﻬﺪﻣﻪ ﺯﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺟﺪاﻝ اﻟﻤﻨﺎﻓﻖ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺣﻜﻢ اﻷﺋﻤﺔ اﻟﻤﻀﻠﻴﻦ".
الدارمي (٢٢٠).
وسواء عليها أكانت زلة فرَطَت منه وندرت بغير قصد، أو كانت أحموقة ركبها بإصرار وعلم، فهي فتنة للخلق.
وزلة العالم فتنة لطائفتين:
‏- طائفة تقلده دينها فتشرب زلَلَه.
‏- وطائفة تجعل من زلَلِه مثابة تشنيع على أهل العلم، وترك بياض الحق لديه لسواد الزلة.
ولهذا كان العلماء يعلمون المبوأ الذي نزلوه، فيتحصنون غاية التحصّن أن يغدو أحدهم بابا لضلالة، ولما امتحن أحمد قال:
‏"رأيت العلماء ممن كان معي يميلون!
‏قلت:
‏من أنا؟
‏وما أقول لربي غداً إذا وقفت بين يديه فقال:
‏بعت دينك كما باعه غيرك!".
‏المقصد الأرشد ١/٣٢٨
ومن الفتن العلمية العظيمة: فتنة طلب الممادح، وحب الشرف، ولقد كان يشتهر في مدح العلماء الصادقين أنهم قد استوى مادحهم وذامهم في ذات الله، كما جاء في ترجمة ابن تيمية : "وكان مادحه وذامه في الحق عنده سواء".
الرد الوافر ٦٦، الشهادة الزكية ٣٣.
وهذه تراجمهم وتواريخهم ملئت بأخبار تجردهم من حب المدح وخلوصهم من تأثير المدح والجرح على أقوالهم.

• ومن أعظم ما ينبغي أن يتنبه له السائر إلى الله في أنواع الفتن؛ أن يتنبه إلى أن الفتن والابتلاء على نوعين:
الابتلاء الشرعي، والابتلاء الكوني القدري.
فمن الابتلاء الشرعي ما يكون من حكمة تشريع بعض العبادات والشرائع، ألم ترَ إلى قوله تعالى عن تحويل القبلة: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"!
فمن أعظم مقاصد تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ليعلم الله من يتوجه إلى الكعبة ممن ينكص على عقبيه ويشك في دينه ويقول أي دينٍ هذا الذي تحولنا فيه من قبلةٍ إلى قبلة!

وأبلغ من ذلك أن الله جعل في القرآن من الآيات فتنة لمن قلبه زيغ،  كما قال تعالى: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"!

وأما الابتلاء الكوني فكما جاء في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيءٍ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب )!
فانظر كيف تعرض الفتنة على العبد وهو في حال التنسك والحج، وليس في حال إدبار وإعراض!
لكن صاحب الزيغ ومن في قلبه مرض تسرع إليه الفتنة لما في قلبه من قابلية للزيغ، وتشرّب لهذه الفتنة، فمن كان في قلبه زيغٌ ومرض أسرعت إليه الفتنة أكثر من غيره كما  قال تعالى (يانساء النبيّ لستنّ كأحدٍ من النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)، فمن كان كذلك كان عنده الاستعداد لأن تخمشه الفتنة بخمشاتها!
هذا في الشهوات.
وأيضاً يقال ذلك في الشبهات:
قال تعالى: (ليجعل مايلقي الشيطانُ فتنةً للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم).

وهنا مأخذ عظيم:
فقد يقول قائل: كيف يكون في القرآن العظيم والنور المبين سبب واصل للضلالة؟!
قال تعالى: "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا.."، ثم قال: "وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم"
وقال: " ولا يزيد الظالمين إلا خسارا".

وللفتن طبائع، ولها صفات وصبغة، لا يسلم للعبد تعبد حتى ينال حظا من علم ذلك.
فمن طبائع الفتن: أن أسرع من تنصبّ إليه الفتن من ابتلي بقسوة القلب، يقول ﷲ: "ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ".

ومن طبائع الفتن: إنها تؤثر في القلوب حتى لو زالت ودفعت، لا تعود كل القلوب كما كانت عليه!
 بل إن هناك من القلوب مايبقى فيها أثرٌ من الفتنة!، وقد دل على ذلك ماثبت في مسند الإمام أحمد من حديث حذيفة وهو يسأل النبي ﷺ  وهل بعد هذا الخير من شرّ؟
قال: "نعم، صلح على دخن وجماعةٌ على أقذاء"، قلت يارسول الله ومادخنه؟ قال: "لا ترجع كثيرٌ من القلوب إلى ماكانت عليه".
فتضعف القلوب عن العبادة وتضعف عن التسليم، وتتربى شكوك، وتغذو معارضات القطعيات.
حتى لو أنه قام قائم العلم والدعوة والجهاد فقمع البدعة ودمغها فزالت ستبقى هناك من القلوب يفوح فيها دخَنٌ من تلك الفتنة!

ومن طبائعها: أنها ربما أزاغت القلب في أعظم أمرٍ وفي أقصر مدة!
كما في مسلم: "يمسي مؤمناً ويصبح كافرا، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً".

ومن طبائع الفتن أنها إذا حضرت عزبت النصوص عن كثير من الناس، حتى لربما عزبت عن فضلاء من فضلاء القوم كما ثبت في البخاري من حديث عائشة في وفاة النبي ﷺ، حين أنكر ذلك من أنكره من الصحابة.

ومن طبائع الفتن عظم إحاطتها بالقلب، وقد جاءت الأدلة أيضا بذكر إحاطتها للقلب، كما في سياق مسلم ‏قال ﷺ: "تُعْرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا " (١٤٧).
وفيه أنها تعرض على القلوب كنسج الحصير، فإن الناسج ينسجها بالعود بعد العود يتابع فيه نسجا بعد نسج.

وفي قول النبي ﷺ: "فأيما قلبٍ أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء" دلالة على أن قلب المؤمن إذا قوي على دفع الفتنة الأولى، قوي قلبه على رد مابعدها، ثم لا يزال يرد الفتن حتى يقوى قلبه على رد كل الفتن.

وفي قوله ﷺ: "حتى تكون القلوب على قلبين: أبيض كالصفا لاتضره فتنة مادامت السماوات والأرض"، وصف لقلب المؤمن الذي جمع بين الطهارة و الصلابة في الحق، جزاء رده للفتن، فينجو من كل مدلهمة، ويسلم من كل فتنة، سواء كانت من فتن الدنيا أو فتن القبر أو فتن الآخرة.
بخلاف القلب الثاني فهو: "أسود مربادًّا كالكوز مجخياًّ لا يعرفُ معروفاً ولا يُنكر منكراً"
أسود: ظلماتٌ بعضها فوق بعض.
مرباد: كما قال القاسم بن سلام: بين السواد والغُبرة.
مُجخياً: أي مقلوباً لا ينفذ فيه الماء ولا يدخله.
كذلك ذلك القلب حين قَبِل الفتنة بعد الفتنة بعد الفتنة، أصبح قلبه لا يقبل الحق! ولا يعرف معروفاً، ولا يرى نوره، وكذلك لا ينكر منكراً، ولا يرى ظلام المنكر!.

ألم ترهم؟! في هذه الأيام -وقبل ذلك وبعد ذلك- يردون القطعيات من الشريعة!
تتعجب كيف تنكر قلوبهم واضحات المعاني في كتاب الله وسنّة رسوله ﷺ، لكنهم أذنوا للفتنة أن تلج قلوبهم! ثم لا تزال قلوبهم تضعف وتسوَدّ حتى غدت بذلك النحو.

• ولكن من رحمة ﷲ تقدير العواصم التي تعصم المكلف من آثار الفتن وتحفظه من شينها، ومن تلك العواصم:
- الفقه في الدين:
‏ولذا أخبر النبي ﷺ أن الجهالة قد تكون سببا للتشديد القدري والشرعي، وفي سنن أبي داود عن أنس عن النبي ﷺ قال: "لا تشددوا على أنفسكم فيشدد ﷲ عليكم".
 فالعلم بالكتاب والسنة، فإن العلم حصن حصينٌ من الفتن، وقد جاء عن حذيفة في حديث عند أبي شيبة قال: "لا تضرك  الفتنة ماعلمت دينك، إنما إذا التبس عليك الحق والباطل".
وإنما نعني به العلم النافع، الذي يعود على القلب بالتقوى، وأما العلوم التي لا نفع فيها في دنيا وآخرة، فقال فيها الشاطبي: "ﻋﺎﻣﺔ المشتغلين ﺑﺎﻟﻌﻠﻮﻡ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺘﻌﻠﻖ ﺑﻬﺎ ﺛﻤﺮﺓ ﺗﻜﻠﻴﻔﻴﺔ؛ ﺗﺪﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻭاﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻦ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻭﻳﺜﻮﺭ ﺑﻴﻨﻬﻢ اﻟﺨﻼﻑ " الموافقات ١ / ٥٣

- ومن العواصم: العمل الصالح، ولهذا قرن النبي ﷺ بينهما اقتران السبب بالمسبب، فجاء في مسلم من حديث أبي هريرة: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل".
فالمبادرة إلى الطاعة وليس الطاعة المجردة!
فلا يدري المؤمن في تأجيله ما يعرض له من إضعاف للقلب، إذا راث عنه المدد الرباني.

- ومن عواصم الفتن: الصبر: فقد ثبت في السنن أن النبي ﷺ  قال: (إن السعيد لمن جُنّب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواهاً) فمن عُرّض للفتن فصبر فواهاً لعلو منزلته وعلو رتبته وشريف مقامه.

- ومن العواصم التي بيّن ﷺ عصمتها للأمة عن الفتن: الجهاد، وقد بوّب أبو داود في سننه: "باب ارتفاع الفتنة عند الملاحم"، وأسند فيه حديث عوف بن مالك قال النبي ﷺ: "لايجمع الله على أمتي سيفين، سيفا منها وسيفا من عدوها".

- ومن العواصم من الفتن كثرة الإنابة إلى ﷲ بالتوبة، فقد ‏ذكر الله في سورة ص قصص ابتلاء أنبيائه، ثم ذكر سبب الخلوص من الفتنة، فوصف كل واحد بوصف الإنابة والتوبة، فقال: "نعم العبد إنه أواب".

أسأله ﷻ أن يعصمنا من الفتن، وأن يرحم حالنا وضعفنا وقلة حيلتنا، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.