السبت، 30 ديسمبر 2017

أوراق فقهية (١٤): (حكم مصافحة الأجنبية)

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اللّه أما بعد:
فإن عامة الصحابة فمن بعدهم، على القول بتحريم مصافحة الأجنية الشابة لا يعرف مخالف من الأمة في هذه المسألة إلا في قول شاذ في هذا العصر
⁦⁩للنبهاني ومن تبعه من أتباع حزب التحرير مما لا يبلع على آرائهم الريق، وكفى ضلالة بقول لم يعرفه الصحابة فمن بعدهم حتى قال به هؤلاء.
وفي حديث عائشة قالت: "لا والله ما مست يد رسول ﷲ يد امرأة قط" البخاري ومسلم
وهذا الحديث دليل على تحريم مصافحة الأجنبية، فإن الأصل سنية جنس المصافحة، فلما جاء الترك النبوي لبعض أنواعه دل ذلك على تحريم هذا النوع المتروك، فإن السنة لا تترك لمعارضة المشروعية المطلقة.
ووجه آخر: أنه ثبت في مسلم عن جرير قال: "سألت النبي ﷺ عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري".
⁦فهل تأتي الشريعة بالنهي عن النظر للأجنبية ثم تبيح المس؟ وبهذا استدل غير واحد من أهل العلم على منع المصافحة.
ثم على هذا الشأن مضى أهل الإسلام وفقاؤه:
- فمن الحنفية (الهداية ٨/ ٤٦٠)
- ومن المالكية (ابن العربي في عارضة الأحوذي ٧/ ٩٥).
⁦⁩- ومن الشافعية: (النووي في الأذكار ٢٢٨
وابن حجر فتح الباري ١٦/ ٣٣٠)
- ومن الحنابلة: (ابن مفلح الحنبلي الآداب الشرعية ٢/ ٢٥٧).
• على أن بعض المشوشين ربما أتى باستدلالات لا يُفرح بها في الباب، ذلك إن ثبوت الأحكام الشرعية لا يكون إلا بأمرين:
- صحة الدليل
- وصحة الاستدلال.
فمما يشبّه به أهل الانحراف: حديث أنس: "أن الأمة من إماء المدينة كانت تأخذ بيد النبي ﷺ فتنطلق به حيث شاءت" وهو مخرج في الصحيح.
ولكن الأمة قد تطلق في لسان العرب ويقصد به الفتاة الصغيرة، والمستدل لابد أن يجمع بين قول النبي ﷺ: "إني لا أصافح النساء" وبين هذا الحديث، والنفي صريح فلابد أن يحمل قول أنس
⁦⁩على وجه لا يعارض به النفي، ثم إن النص جاء للدلالة على تواضع النبي ﷺ والعرب تستعمل مثل ذلك لوصف الطواعية ولا تعني حقيقة المساس، وإذا تعارضت الحقيقة مع ما هو محتمل للمجاز قدم ما يدل على الحقيقة.
ومما استدلوا به حديث أم حرام حين كانت تفلي شعر النبي ﷺ، وهو مخرج أيضا في الصحيح، ولكنه من حوادث الأعيان التي يرد عليها الاحتمال
⁦⁩ما لا يرد على الأحاديث الدالة على المنع، وهذه جادة مطردة في الاستدلال، فإن الأصول والنصوص التأسيسية لا تعارض بحوادث الأعيان، وأم حرام قد جزم جمع من السلف أنها من خالات النبي ﷺ.
وهكذا ما يذكر هؤلاء من حديث أبي موسى مع امرأة من قومه في الحج، فإن السياق لم ينفِ أنها من محارمه، فكيف يستدل به على
⁦⁩هذه المسألة.
وهذه كتب الإسلام ودواوين العلم هاتوا لنا من قال بقولكم من سلف الأمة المباركة، ثم لو سلم لهم بظاهر ما موهوا به هل يجوز هؤلاء مطلق المسيس والترجيل والمشط وغير ذلك مما لا شك أنه من المحرمات، فإن أقروا به خُصِموا، وإن منعوا منه بوجه من التأويل قيل: لست ما منعتم منه بأولى من الذي جوزتموه، والله المستعان.

السبت، 18 نوفمبر 2017

الوعظ وظيفة الأنبياء.

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ف‏من أفاعيل المنحرفين توهين الوعظ ولصق النقيصة بالواعظين، تراهم يغمزون أهل العلم والدعوة والتضحية (بالوعّاظ) تنقّصا ولمزا، وما درى المسيكين أن الوعظ وظيفة الأنبياء وأتباعهم، يقول الله لنبيه: "قل إنما أعظكم بواحدة..".
ومن شريف مقام الوعظ أن الله سمى كتابه موعظة، فقال: "قد جاءتكم موعظة من ربكم"، بل إن الله وعظ عباده! فقال في عتابه لنوح: "إني أعظك أن تكون من الجاهلين " .
ومن أهل الانحراف من يحول ويصول لذم الشرع ولا يطيق جهرا بذلك ويجبن عن الصدع به، ثم لا يجد إلا أن يخرج ذمه في ألوان من الألفاظ، فيذم الوعظ حينا والصحوة تارة والتشدد تارات .
ثم إن الوعظ لا يقتصر على تزكية القلوب وتطهيرها والتذكير بالتعبدات والنوافل والتحذير من غضب الجبار ونحوه، بل إن القرآن والسنة والشريعة كلها موعظة للمؤمنين، هذا وإن الوعظ بالتذكير وتزكية القلوب من أعظم ما تحتاجه النفوس، وليس من أحد في غنى عن الوعظ والتذكير بطهرة القلب وحياة الأفئدة، ومهما نال المكلف من العلم وبلغ من الاجتهاد في النسك فإنه مفتقر إلى من يذكره ويعظه، وهذا أمر أجمع عليه أرباب السلوك والتنسك والكلام يأخذ بأعناق بعضه، فما دام أني ذكرت الوعظ والموعظة فيحسن أن أذكر أن الوعظ لا يقتصر على درس يلقى أو كلمة تقال، بل إن المؤمن ينوّع على قلبه أنواع المواعظ، وأحب أن أختم بذكر مواعظ وعظني بها مستفتون، لم يخطر ببالهم أن يعظوا، ولكن كان في أسئلتهم أعظم الوعظ وأزكاه.
فمن ذلك أن مستفتيا فاضلا -لا أعرفه- راسلني يسأل يقول: إني أدهن رجل أمي بما يدهن به (فازلين)، وأجد في نفسي حرجا أن أغسله من يدي!
أن لا يكون تقذرا! فيكون من الجفاء للوالدة!.
غفر الله له ولوالدته.
- وآخر اتصل يسأل يقول: ما حكم الزواج من امرأة (ليست تدرك كامل الإدراك)، ولمّا آنس مني تعجبا من سؤاله قال: أما إني متزوج وذو مال وشباب وخير، ولكن هذه فتاة ليس لها عائل يقوم عليها إلا أم تهوّر بها العمر وكبرت وأود أن لو رزقها الله مني بولد أو بنت تقوم عليها وتؤنس وحشتها إن فقدت يوما من يقوم عليها!.
وإذ قد بدأت بذكر الجفاة قذى العيون، فقد ختمت بذكر أحوال من أحوال أناس من عرض هذه الأمة المباركة، أخبارهم تروى فتخشع لها القلوب ، والحمد لله رب العالمين. 

الأحد، 29 أكتوبر 2017

الخلاف الفقهي: الدرس والحجية.


      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فمن تنغيص طعمة العلم على صاحبه ولطخ حلاوته على حامله؛ أن يكون مخاصما في عماية، لا يزن خصومته بعدل، ولا يجلل كلامه بنصفة.
وقد رأيت مقطعا في تويتر من مقابلة لداعية في قناة فضائية، رأيته أنغض فيه برأسه على مخالفيه، ولم يغشِّ حديثه بحلل من رعي الخلاف!!
رأيته ينعى على مخالفيه خلو ساحة العلم والدعوة من رعي خلاف المخالفين! وعوزها لبسط الإعذار وجدبها من توسعة النظر الخلافي الفقهي!
فزعم أن التدريس الشرعي والدعوة والفتيا في بلادنا كانت مقتصرة على مدرسة فقهية واحدة، لا تعطف رأسها على غير أقوال مشيختها، ولا تلين كتفها لغير علمائها، وأن ذلك من أسباب التشدد والعنت!
هكذا زعم وادعى.
ولئن وجدت عذرا لمن لم يدرج على عش العلم ولم يتقفر منازله، فكيف أجد العذر لمن هو منتسب للعلم، راح فيه وغدا، وحفي فيه واحتذى!
وعندي أن ذلك أحد رجلين: إما رجل أراد رمي خصمه بسهام راشها من خياله، فنسج لهم تهما وصنع خطاياها من صناعة عقله، ليسقط خصمه ويذرع لنفسه.
وإما رجل لم يعرف معاهد العلم ولم يأنس بنورها ولم يحكحك قرنه بجذلها!
وإلا فما من أحد تعاهد مجالس العلم في بلادنا واغتذى من لبانها إلا ويعلم عظيم عنايتهم بفقه الخلاف، وواسع إعذارهم للمخالفين بالعلم من أهل التقوى والديانة، دون المتفلتين عن الشرائع، المتخذي خلاف العلماء جُنّة لترك الأدلة.

- وأنا فأحدثك عن نفسي ومثلي في ذلك مثل الآلاف من شداة العلم، الذين أعنقوا للعلم أعناقهم وساروا فيه عنَقَهم، ووقفوا على الطريقة العلمية التي كانت في بلدهم، فأذكر ما كانت عليه طرق التعليم وسبله، من غير تصويب لها بالضرورة أو تخطئة، وإنما شأني أن أحكي حكاية رأيتها وسرت في أهلها، أذكرها عافية من الاستدلال لها، خالية عن تقرير الطريقة الفضلى في الدرس والتعليم.

لقد كان أدنى نظر لدروس العلم وحلقه في بلادنا سيبدي لصاحبه كبير العناية بفقه المدارس الأخرى، ودرس آداب الخلاف، وتعظيم علماء المذاهب، مقرونا برديفه، ونعم الرديف، تعظيم الدليل، والوقوف عند حدود الشريعة، وترتيب اختلاف المختلفين وتنزيلها منازلها.

وذلك أني حين كنت في مبادي سنوات الدراسة المتوسطة كنت أحضر دروسا في الفقه في قريتي بمنطقة الفرعين من ضواحي خميس مشيط، للشيخ: وحيد بن عبد السلام بالي، وكان درسا مأموما، يقصده كثير من طلاب العلم من الخميس وأبها، وكانت تزدحم بهم ممرات القرية، فكان الشيخ يطيل الحديث في الخلاف وتصوير المسائل وسرد الأدلة ونصب الاعتراضات والتعقبات.

ثم مد الله في العمر وواصلت حضور دروس أهل العلم في الخميس وأبها، فكانت الصبغة العامة التي تصطبغ بها دروسهم هو العناية بذكر الخلاف الفقهي في مسائل الفروع، وإقامة المباحثة الفقهية على هذا الشأن، حتى ندر أن تقام دروس الفقه مقتصرة على قول المذهب، غير معتنية بفقه الخلاف وأدلة كل قول والرد عليه.

وكنت أرى ذلك على هذا النحو عند كل من قابلت من طلاب العلم، ولما تحولت للدراسة الجامعية في كلية الشريعة، كان عُظم من درسنا من أساتذتنا معتنيا بذكر الخلاف العالي ثم خلاف المذاهب، وأدلة المذاهب.

ومن شجن ذكرياتي في هذا الباب أن بعض شيوخنا في دروس المساجد كان يعقد حلق المناظرة في مسائل الخلاف.

ومنها ما عقده لنا شيخنا د/ سعيد الحماد، في درس تدريب فقهي على المناظرة، فينتصب كل طالب لقول من الأقوال يجمع أدلته ويناظر عن قولهم، ومن المسائل التي عقد فيها النظر والمباحثة مسألة (كشف الوجه للمرأة) وأوكل لي الشيخ: قول المجوزين، وقال: استقصِ أدلتهم وناظِر عن قولهم.

ولست أنسى لذاذة تلك الليلة الماتعة، وجميل ذكراها، وعائدة معرفة أدلة المخالف، وأن المخالف حين يخالف فربما كان له من الأدلة والحجاج ما هو أولى بالإصابة والحق، كان هذا من نحو ثلاث وعشرين سنة.

ثم مضى الأمر على ذلك، ولما درست عند شيخنا ابن عثيمين رحمه الله رأيته كان لا يتقيد بمذهب، ووجدته يخالف إخوانه من مشايخنا الآخرين، وكان يفتي بما ترجح له من الأقوال بدليلها، وكان يذكر الأقوال ويقرر الاعتراضات في دروسه، ولربما رأيته إذا استفتاه مستفتٍ عابر أجابه بقوله وتفصيل أدلة ما ترجح له.

ومضى الأمر على ذلك ولما درسنا في مرحلة الماجستير كانت الخطة العلمية تلزم بذكر الأقوال في كل مسألة معزوة لكتب أصحابها ومذاهبها وذكر الأدلة والأقوال.
 ولا زال الأمر على ذلك في كل كليات الشريعة والفقه، ولما انتقلت لمرحلة الدكتوراه كان الإلزام بذلك من بدهي الدراسة وكتابة الأبحاث والرسائل، حتى إنها لا تقبل رسالة لم يسلك فيها هذا المسلك.
‏وإذا أردت أن تعلم أن هذه الطريقة نضج مبكر في التعليم، فلتكن قصة الشيخ العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي منك على بال، فإنه رحمه ﷲ لما جاء لبلادنا تعجب من عدم اقتصار الفتوى على قول واحد، وقال : "أتيت من موريتانيا وإنما ندرس ونفتي على مذهب مالك، فلما أتيت هنا وجدت كل المذاهب تدرس ويعتنى بها، فعكفت على دراستهادراستها".
فهذا فيما يتعلق بواقع الدراسة والتعليم.

‏- فإذا كان الأمر هذا في شأن الدراسة والبحث فلماذا لم يسمع بعضهم إلا قولا واحدا في المسائل الخلافية؟
‏ومثل هذه شكاة ظاهر عن أهل العلم عارها!
فإن العلم مبذول لم تغلق حلق المساجد في وجهأ حد، ومن أراد العلم والدرس والتعلم والخلاف والأدلة والنظر والبحث فمن يحجبه عنه؟

- فإن قيل: ولكن لماذا لا تذكر الأقوال كلها في الفتوى والخطبة واللقاء الدعوي والموعظة؟
و‏لماذا لا تنشر الأقوال وتتركون الناس تأخذ ما تشاء؟
فيقال:‏ ومن الذي قال: أن كل خلاف في كل مسألة لابد أن يذكر؟
‏- فأما من جاء يستفتي فقد جاء يسأل من يفتيه ليخبره باجتهاده ورأيه الذي يدين ﷲفيه، ولم يسأله عن جميع ما قيل في المسألة، فإن المستفتي إذا جاء وقد وثق في علم وعدالة من يفتيه فهو طالب لبراءة ذمته أمام ﷲ في المسألة، وهذا بخلاف ما لو جاء طالبا للعلم يسأل عن كل ما قيل في المسألة وأدلتها فهذا سبق الحديث فيه.

- ‏فإن قيل: لكنكم كنتم تنكرون على المخالف لكم في المسائل الخلافية!
‏قيل: ومن الذي قال: إن كل مسألة خلافية فهي بسبيل أن لا تنكر على صاحبها وأن لا يناقش معتنقها؟ فإن مسائل الخلاف فليست على وزان واحد في مآخذها وأدلتها واعتبار خلاف المخالف.
وأنا أضرب لك مثالا من خلاف أهل العلم، لست ترضى أن ينشر أو يؤخذ به أو ينتحل، ‏أرأيت لو جاءنا الآن من يقول: قد اختلف أهل العلم في قتل الداعي إلى الضلالة واستباحة دمه، وأنا أرى ذلك الشيخ ممن يضل الناس وما دام أن المسألة خلافية، فسأستبيح دمه وأقتله ولا يحق لك أن تنكر علي مادام أن في المسألة خلافا!
‏ولاشك أن بعض هؤلاء سيقول: لكن هذا فيه ضرر على الآخرين، فلا اعتبار بالخلاف‏ ولا شك أن جنس المسائل التي يترتب عليها تلف ليست كغيرها، ولكن ليس هذا هو المعيار الوحيد الذي يرجع إليه في اعتبار الخلاف، فكما أن الخلافا لذي يترتب على اعتباره ضرر بمعصوم ليس كغيره، ولذلك لم يكن صحابة النبي ﷺ إذا اختلفوا في مسألة يرجعون للخلاف -لوحده- في ترجيحهم ونظرهم، بل كانوا ينظرون في الأدلة ويجتهدون في تفهم نصوص الوحي، وكان إذا أتاهم سائل يسأل أجابوه بمقتضى الأدلة، ولا يردونه لخلاف فقهاء الصحابة.

ولقد يخرج الحديث إلى عجيبة من العجائب أحدثك بها متفكها بهؤلاء الذين ملؤوا الأرض حديثا عن الخلاف وجعلوا منه جُنّة يستجن به عند ذكر الأدلة والاستدلالات، فإنك تراهم في ذات الحال لا يرفعون رأسرأسا بشأن أهل العلم ولا بفضلهم إلا إذا جاء ذكر الخلاف!
وهنا مسألة لا يحسن أن أختم دون أن آتي على طرف منها، فإن وجود الخلاف شأن ‏يعظم معه الواجب ويغلظ أكثر منه في مسائل الوفاق، فإن المؤمن يظل فيها يطلب ما ينجيه أمام ﷲ ويبذل وسعه ليصل إلى ما يريده الله منه، فإن اجتهد وبذل وتحرى وراعى الله ولم تحذبه جذبات الهوى فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
‏والحمد لله.
كتبه: أبو المثنى محمد آل رميح
الرياض.

الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

استبدال المبدلين.

بسم الله الرحمن الرحيـــم     
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فمن المعاني الشريفة التي دلت عليها أدلة:
• أن هذه الأمة قد فضّلت بوراثتها للأمم وحملها العزائم من الشرائع التي تولت عنها الأمم السالفة.

• فتأمل ما ثبت في البخاري ومسلم عن أبي ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻋﻦ النبي ﷺ ﻗﺎﻝ: "ﻧﺤﻦ اﻵﺧﺮﻭﻥ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺑﻴْﺪ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻭﺗﻮا اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻭﺃﻭﺗﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ، ﻭﻫﺬا ﻳﻮﻣﻬﻢ اﻟﺬﻱ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺎﺧﺘﻠﻔﻮا ﻓﻴﻪ، ﻓﻬﺪاﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ، ﻓﻬﻢ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺗﺒﻊ، ﻓﺎﻟﻴﻬﻮﺩ ﻏﺪا، ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﻌﺪ ﻏﺪ".
(البخاري ٨٧٦، ومسلم ٨٥٥)

• ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻯ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ﻋﻦ اﻟﺴﺪﻱ: "ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻬﻮﺩ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﺄﺑﻮا ﻭﻗﺎﻟﻮا ﻳﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ ﻳﻮﻡ اﻟﺴﺒﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺎﺟﻌﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﺠﻌﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ".
(ابن أبي حاتم ٧/ ٣٢٠٧ )

• قال ابن رجب: "ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺿﻠﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘﺎﻥ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻟﺘﻘﺪﻳﻤﻬﻢ ﺭﺃﻳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎءﺕ ﺑﻪ ﺭﺳﻠﻬﻢ ﻭأنبياؤﻫﻢ، ﻭاﻫﺘﺪﺕ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻣﺎ ﺟﺎءﻫﻢ ﺑﻪ ﺭﺳﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺭﺑﻬﻢ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻟﻪ ﻭﻻ ﺗﺒﺪﻳﻞ".
(فتح الباري له ٨/ ٧٢)

• وقال ابن حجر: "ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﺠﻴﺐ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ، ﻛﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: " اﺩﺧﻠﻮا اﻟﺒﺎﺏ ﺳﺠﺪا ﻭﻗﻮﻟﻮا ﺣﻄﺔ" ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻭﻫﻢ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻭﻋﺼﻴﻨﺎ".
(فتح الباري ٢/ ٣٥٥ )

• فانظر كيف أورث ﷲ هذه الأمة فضيلة هذا اليوم حين تولت عن حمله وأخذه بحقه الأمم السابقة.

• ودل الحديث على أن هناك من الشرائع ما فرض على الأمم السالفة فاختلفوا فيه ثم فرض على هذه الأمة فكان لها فضيلة الاصطفاء بالتشريع، ثم فضيلة القيام به.

• وقد دل عليه أيضا ما ثبت في مسلم ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﺼﺮﺓ اﻟﻐﻔﺎﺭﻱ ﻗﺎﻝ: ﺻﻠﻰ ﺑﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ اﻟﻌﺼﺮ بالمخمص، ﻓﻘﺎﻝ: "ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻼﺓ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻓﻀﻴﻌﻮﻫﺎ! ﻓﻤﻦ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺃﺟﺮﻩ ﻣﺮﺗﻴﻦ، ﻭﻻ ﺻﻼﺓ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻠﻊ اﻟﺸﺎﻫﺪ".
(مسلم ٨٣٠)

• وهذا الحديث العظيم فيه دلالة على فضيلة القيام بالحق حين يتخلف عنه من أوتيه.
• وأن ذلك من أسباب مضاعفة الأجر.

• ويؤخذ منه أن من يسّرت له سبل طاعة وفضل، فلم يرعها وتولى؛ فربما سلبها واستبدل به غيره.

• وقد دلّ على فضيلة مضاعفة الأجر لهذه الأمة مع قليل العمل في مقابل الأمم السالفة؛ ما ثبت في البخاري ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ قال ﷺ: "ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭاﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ كمثل ﺭﺟﻞ اﺳﺘﺄﺟﺮ ﻗﻮﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻤﻼ ﻳﻮﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﺟﺮ ﻣﻌﻠﻮﻡ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺮﻙ اﻟﺬﻱ ﺷﺮﻃﺖ ﻟﻨﺎ ﻭﻣﺎ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﺑﺎﻃﻞ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻻ ﺗﻔﻌﻠﻮا، ﺃﻛﻤﻠﻮا ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﻠﻜﻢ، ﻭﺧﺬﻭا ﺃﺟﺮﻛﻢ ﻛﺎﻣﻼ ﻓﺄﺑﻮا ﻭﺗﺮﻛﻮا!
ﻭاﺳﺘﺄﺟﺮ ﺃﺟﻴﺮﻳﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻤﺎ: ﺃﻛﻤﻼ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻜﻤﺎ ﻫﺬا ﻭﻟﻜﻤﺎ اﻟﺬي ﺷﺮﻃﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺟﺮ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺣﻴﻦ ﺻﻼﺓ اﻟﻌﺼﺮ ﻗﺎﻻ: ﻟﻚ ﻣﺎ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﺑﺎﻃﻞ، ﻭﻟﻚ اﻷﺟﺮ اﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﺖ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻤﺎ: ﺃﻛﻤﻼ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﻠﻜﻤﺎ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﺷﻲء ﻳﺴﻴﺮ ﻓﺄﺑﻴﺎ!
ﻭاﺳﺘﺄﺟﺮ ﻗﻮﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻟﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻬﻢ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ، ﻭاﺳﺘﻜﻤﻠﻮا ﺃﺟﺮ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ، ﻓﺬﻟﻚ مثلهم ﻭﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻮا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮﺭ ".
(البخاري ٥٥٨).

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
٢١/ ١ / ١٤٣٩ هـ

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

الإحسان المالي الواجب لغير القريب.

         بسم الله الرحمن الرحيم
      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فمن نظر في نصوص الوحي نطقت له بأعظم بيان وأجلاه على رعاية حق المسلم على أخيه وعلو شأنه وأرفعية قدره، وسيرى ناظر ذلك؛ كم كان الشرع حفيّا ببسط أسباب الإحسان منوّها بها فاتحا لذرائعها، وسيدلك على ذلك تواطؤ التصرفات الشرعية على ذكر وجوه الحقوق الأخوية والتأكيد عليها، وسيظهر لك ذلك على غايةٍ من ظهور؛ إذا رأيت التأكيدات الشرعية تبلغ إلى إيجاب حقوق في مال المسلم على أخيه بمقتضى الأخوة الدينية فحسب؛ وإن لم تجب بزكاة أو عقد أو ملك أو نفقة قرابة أو نكاح.

وهذه وجوه مسفرة عن تلك الأحكام الشرعية، وإشارات سائرة إلى هذه المسائل الدينية، دون استقصاء أو ضرورة ترجيح -فتحقيق القول في مثل هذه المسائل وتطلب المرجحات ليس مقصدا في هذه الورقة- إنما هو التنويه بحق المسلم والإشادة برفعة قدره وعلو شأنه في هذه الشريعة المطهرة:

1- الضيافة، فمن الحقوق المالية للمسلم على أخيه المسلم، ضيافته، وقد ثبت في الصحيحين عن عقبة بن عامر قال: قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك تبعثنا، فننزل بقوم لا يقرونا، فما ترى فيه؟ فقال لنا: «إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف»[1] 
وقد ذهب إلى وجوبها الليث وأحمد، خاصة عند الحاجة للقرى والاستضافة، ولاسيما في القرى والبوادي حيث يندر الاتجار بالطعام وتنعدم كراء خانات المساكن والبيوتات وهو قول ابن جرير عند الاحتياج، واختاره ابن حزم.[2]

2- استنقاذ المضطر، فإذا اضطر المسلم لبقاء مهجته إلى طعام أو شراب وعجز عن ثمنه ثم خُشي هلكه بالتراخي في بذله له وجب بذله، وهذا محل إجماع[3].

3- بذل منفعة المرافق للجار إن لم يكن على صاحب المرفق ضرر واحتاج الجار لذلك، فقد بلغ حق المسلم على أخيه مبلغا جاء فيه الأمر ببذل المسلم لأخيه المنفعة ولو كان عليه فيه شيء من ضرر يسير، ليحصل لجاره منفعة أعظم من الضرر اليسير الذي نزل به، كما في وضع الجار خشب بيته على جدار جاره إذا احتاج لذلك، وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره»، ثم يقول أبو هريرة: «ما لي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم».[4]
ومقتضاه وجوب بذل هذه المنفعة، وهو قول أحمد والقديم للشافعي ومذهب بعض أهل الحديث.[5]
ومن ذلك ما ثبت في الموطأ عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه؛أن الضحاك بن خليفة ساق خليجا له من العريض، فأراد أن يمر في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد فقال الضحاك: لم تمنعني؟ وهو لك منفعة تشرب منه أولا وآخرا، ولا يضرك!
فأبى محمد، فكلم الضحاك عمر بن الخطاب فدعا عمر محمد بن مسلمة, فأمره أن يخلي سبيله، فقال: لا، فقال عمر: لمحمد بن مسلمة لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك منفعة، تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك؟ فقال محمد بن مسلمة: لا والله!
فقال عمر - رضي الله عنه -: والله ليمرن به، ولو على بطنك، فأمر عمر أن يمر به، ففعل الضحاك.[6].
 وإيجاب بذل المنفعة للمحتاج مذهب أحمد وغيره، واختاره ابن تيمية.[7]

4- وضع الجوائح: وهو حط ثمن المبيع من الثمر إن أصابته آفة سماوية، لحديث جابر في مسلم والسنن: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح".[8]
والقول بالوجوب مذهب المالكية والحنابلة وأهل الحديث.

6 - بذل العارية، مع غنى مالكها، واحتاج إليها أخوه المسلم ممن يؤتمن عليها، وأجمعوا على مشروعيتها، ووقع الخلاف في وجوبها، والقول بوجوبها قول في مذهب أحمد اختاره ابن تيمية.[9]
والأصل فيها قول الله جل جلاله: "ويمنعون الماعون"، قال عبد الله بن مسعود : «كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عور الدلو والقدر»، وبوب عليه أبو داود : باب : في حقوق المال[10].
وشرعة العارية من محاسن الشريعة، وفيها يقول ابن رشد –وهو ممن يقول بسنية بذلها-:"عارة المتاع من عمل المعروف وأخلاق المؤمنين، فينبغي للناس أن يتوارثوا ذلك فيما بينهم ويتعاملوا به ولا يشحوا به ويمنعوه، ومن منع ذلك وشح به فلا إثم عليه ولا حرج؛ إلا أنه قد رغب عن مكارم الأخلاق ومحمودها، واختار لئيمها ومذمومها"[11]
ومما يحسن أن نذكر هنا أن نظر الشرع للعارية بلغ في تحقيق الإحسان بها أن جعلها زكاة مال، فإن عارية الذهب زكاته عند جمع من الصحابة والتابعين.[12]

7 - بذل السكن لمن يحتاجه، مع وجود فضل السكن للمسلم، قال ابن تيمية: "إذا قدر أن قوما اضطروا إلى سكنى بيت إنسان لم يجدوا غيره؛ فعليه أن يسكنهم".[13]

8 – منع الاحتكار، وإجباره على بيع سلعته، وهذا إرفاق بالمسلمين مع ما فيه من تقييد لاستعمال الحق، وقد ثبت في مسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ".[14]
ونصوص الفقهاء متكاثرة في وجوب بيعه بنحو سعر مثله.[15]

9 – الشفعة للشريك، فإن للشريك حقا في انتزاع نصيب شريكه ممن انتقل إليه بعوض مالي، وقد ثبت في الصحيحين من حديث جابر :" قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم ".[16]
وهي محل إجماع عند الفقهاء[17].

10 - نزع الملكية للمصلحة العامة؛ فقد روى الأزرقي في أخبار مكة للأزرقي عن ابن جريج، قال: "كان المسجد الحرام ليس عليه جدرات محاطة، إنما كانت الدور محدقة به من كل جانب، غير أن بين الدور أبوابا يدخل منها الناس من كل نواحيه، فضاق على الناس، فاشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دورا فهدمها، وهدم على من قرب من المسجد وأبى بعضهم أن يأخذ الثمن، وتمنع من البيع، فوضعت أثمانها في خزانة الكعبة حتى أخذوها بعد، ثم أحاط عليه جدارا قصيرا، وقال لهم عمر: إنما نزلتم على الكعبة فهو فناؤها، ولم تنزل الكعبة عليكم، ثم كثر الناس في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فوسع المسجد، واشترى من قوم، وأبى آخرون أن يبيعوا، فهدم عليهم فصيحوا به فدعاهم، فقال: «إنما جرأكم علي حلمي عنكم، فقد فعل بكم عمر هذا فلم يصح به أحد فاحتذيت على مثاله فصيحتم بي» ، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فتركهم"[18].

11 – إطراق الفحل ومنحة اللبن، وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من صاحب إبل، ولا بقر، ولا غنم، لا يؤدي حقها، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن» قلنا: يا رسول الله، وما حقها؟ قال:"إطراق فحلها، وإعارة دلوها، ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله".[19]
وظاهر الحديث وجوب بذل فحل الأنعام لمن طلب ضرابه، ووجوب منيحتها وحلَبها لمن احتاج، وقد ذهب جمع من السلف إلى ذلك، كما هو مذهب عطاء مجاهد والشعبي والحسن وهو اختيار ابن تيمية.[20]
واللطيف في هذا الشأن أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من العبادات التي يؤمر بها من خشي أن لا يقدر على عزائم الأمر ومؤكدات الشريعة!! فقد ثبت في البخاري عن أبي سعيد، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الهجرة، فقال: «ويحك إن الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل؟» قال: نعم، قال:«فتعطي صدقتها؟»، قال: نعم، قال: «فهل تمنح منها شيئا؟»، قال: نعم، قال: «فتحلبها يوم وردها؟»، قال: نعم، قال:«فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئا»([21])، وهذا معنى لطيف يأخذ بيدك لتنظر إلى أي حال بلغ احتفال الشرع المطهر بالمعونة والتواسي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أشفق على هذا الأعرابي أن لا يقوى على الهجرة، وما فيها من ضغطة مفارقة الوطن، ومع ذلك رغبه في القيام بحقوق المسلمين، وحثه على حلب إبله للمحتاجين ومنحه للمعوزين.

12 - الأكل من البستان لمن دخله، ففي المسند أحمد عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم حائطا فأراد أن يأكل، فليناد: يا صاحب الحائط ثلاثا، فإن أجابه وإلا فليأكل، وإذا مر أحدكم بإبل فأراد أن يشرب من ألبانها، فليناد يا صاحب الإبل - أو يا راعي الإبل - فإن أجابه وإلا فليشرب.[22]
وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل حائطا فليأكل، ولا يتخذ خبنة"[23].
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه , فإن أذن له فليحتلب وليشرب , وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثا , فإن أجابه فليستأذنه , وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل"[24]
وقد ذهب أحمد وإسحاق إلى جواز الأخذات من الثمر بغير إذن صاحب الشجر أو الزرع، إذا لم يكن له حائط يحوطه، سواء عليه أكان مضطرا أم لا.[25]
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
6/ 1/ 1439
الرياض
ــــــــــــ
([1]) البخاري 2461، ومسلم 1727
([2]) البيان والتحصيل 18/146، كشاف القناع 6/202، المحلى 8/146، مختصر اختلاف العلماء 5/230.
([3]) بل ذهب إلى تضمينه المالكية والحنفية، المبسوط 24/142، حاشية الدسوقي 2/368، الحاوي 18/ 141، المغني 9/216 – 422، وثبت في البيهقي: "أن رجلا أتى أهل ماء فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات عطشا فأغرمهم عمر الدية " برقم 118541
([4]) البخاري 2463، ومسلم 1609
([5]) البيان في فقه الشافعي للعمراني 6/262، المغني لابن قدامة 4/376، وينظر : شرح مشكل الآثار 6/205، والاستذكار 7/191، وشرح ابن بطال للبخاري 6/587
([6]) الموطأ 2/467، والعريض بضم العين واد في المدينة، شرح الزرقاني على الموطأ 4/70
([7]) مجموع الفتاوى 28/99
([8]) رواه مسلم برقم 1554، وأبو داود 3374، والنسائي 4529،– المقدمات 2/540، بداية المجتهد 2/202، التاج والإكليل 6/460، المغني 4/80، كشاف القناع 3/284
([9])المبسوط 11/ 135، الكافي 2/808، مغني المحتاج 3/312، الفروع 7/197، الإنصاف 6/102
([10]) سنن أبي داود 1657، وينظر بحث الطحاوي للمسألة في شرح مشكل الآثار 1/267
([11]) المقدمات 2/469
([12]) زكاة الذهب عاريتُه : هو مذهب ابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب والشعبي وغيرهم وهو رواية عن أحمد، الأموال لابن زنجويه 1795، مصنف عبد الرزاق برقم 7045، سنن البيهقي الكبرى 4/236، المغني 3/42
([13]) مجموع  الفتاوى 28/29
([14]) رواه مسلم 1605
([15]) بدائع الصنائع 5/129،المنتقى شرح الموطأ 5/17، نهاية المحتاج 3/472، شرح منتهى الإرادات 2/27
([16]) البخاري 2257، ومسلم 1608
([17]) الإقناع لابن المنذر 1/267
([18]) أخبار مكة للأزرقي 2/69
([19]) مسلم 988
([20]) التمهيد 4/212، وحمل الجمهور الحديث على الأدب والندب، شرح النووي على مسلم 7/66، وذكر العراقي في طرح التثريب أن زيادة "إطراق فحلها .." مرسلة، طرح التثريب 4/11
([21]) البخاري 2633
([22])11044
([23]) رواه الترمذي 1287
([24]) أبو داود 2619، الترمذي 1296
([25]) سنن الترمذي 2/ 581، معالم السنن 4/238، والجمهور على عدم جواز ذلك إلا بإذن صاحبه، المجموع شرح المهذب 9/54، شرح الزركشي على الخرقي 6/ 682

الأربعاء، 20 سبتمبر 2017

نزول المصائب بالصالحين ومن دونهم.. الأسباب والآثار.

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
     أما بعد:
   فعند نزول المصائب والبأساء والبلايا الخاصة والعامة -كالغرق والحرَق والزلازل- يختلف ميزان نظر الناس لها بحسب الاهتداء بنور الوحي ‏والرجوع للأدلة، ويدور على ألسنة الناس أسئلة عن أسبابها ونتائجها، فيكثر السؤال عن سبب المصيبة:
    هل للمعاصي أثر في ذلك؟
    هل يبتلى بالمصائب عقوبة؟ أم ربما كانت لتكفير السيئات ورفعة الدرجات؟
   وإذا كانت المعاصي سببًا للمصائب فلماذا نرى بعض الكفار في بلنهية من العيش وخفض وسعة؟
     وهنا ذكر لأصول شرعية يجب رعيها وتفهمها عند الحديث عن أسباب المصائب والبلايا وآثارها:

     • الأصل الأول: أنه ما من مصيبة تنزل بالعباد إلا بذنوبهم، كما قال ﷻ: (وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ).
     وكما قال ﷻ: (وما أصابك من سيئة فمن نفسك)، وقد روى ابن جرير عن ابن عباس: "السيئة ما أصاب يوم أحد".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير هذه الآية: "ﻭﻣﺎ ﻳﺼﻴﺒﻪ ﻣﻦ اﻟﺸﺮ ﻓﺒﺬﻧﻮﺑﻪ ﻭﻣﻌﺎﺻﻴﻪ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻭﻣﺎ ﺃصابكم ﻣﻦ ﻣﺼﻴﺒﺔ ﻓﺒﻤﺎ ﻛﺴﺒﺖ ﺃﻳﺪﻳﻜﻢ} (مجموع الفتاوى ٨/ ٦٨)
     وقال: (ﻭﻗﻮﻟﻪ {ﻭﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻚ} ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻛﺎﻑ اﻟﺨﻄﺎﺏ ﻟﻪ ﷺ - كما ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﻏﻴﺮﻩ - ﻭﻫﻮ اﻷﻇﻬﺮ، ﻟﻘﻮﻟﻪ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ، {ﻭﺃﺭﺳﻠﻨﺎﻙ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺭﺳﻮﻻ}، ﻭﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻜﻞ ﻭاﺣﺪ ﻣﻦ اﻵﺩﻣﻴﻴﻦ، ﻛﻘﻮﻟﻪ {ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﺎ ﻏﺮﻙ ﺑﺮﺑﻚ اﻟﻜﺮﻳﻢ}، ﻟﻜﻦ ﻫﺬا ﺿﻌﻴﻒ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﺘﻘﺪﻡ ﻫﻨﺎ ﺫﻛﺮ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻻ ﻣﻜﺎﻧﻪ. ﻭﺇنما ﺗﻘﺪﻡ ﺫﻛﺮ ﻃﺎﺋﻔﺔ ﻗﺎﻟﻮا ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻮﻩ، ﻓﻠﻮ ﺃﺭﻳﺪ ﺫﻛﺮﻫﻢ: ﻟﻘﻴﻞ ﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺣﺴﻨﺔ ﻓﻤﻦ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﺎ ﺃﺻﺎﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺳﻴﺌﺔ، ﻟﻜﻦ ﺧﻮﻃﺐ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﺑﻬﺬا، ﻷﻧﻪ ﺳﻴﺪ ﻭﻟﺪ ﺁﺩﻡ، ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻫﺬا ﺣﻜﻤﻪ: ﻛﺎﻥ ﻫﺬا ﺣﻜﻢ ﻏﻴﺮﻩ ﺑﻄﺮﻳﻖ اﻷﻭﻟﻰ ﻭاﻷﺣﺮﻯ).
     وقد تعجب الصحابة من وقوع مصيبة الهزيمة والقتل في أحد، فأنزل ﷲ: "أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا، قل هو من عند أنفسكم".
‏     وعتب ﷲ على الصحابة بعد هزيمة أحد فقال: "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا".

     فإن قال قائل: أليس قد صح عن النبي ﷺ أنه قال: "يبتلى المرء على حسب دينه"؟
قيل: نعم، قد صح ذلك عنه عند أهل السنن من حديث سعد بن أبي وقاص، ولو أكمل الحديث لبان لك صدره وانكشف لك فجره!
     فقد ثبت عن سعد أنه قال: ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺃﻱ اﻟﻨﺎﺱ ﺃﺷﺪ ﺑﻼء؟ ﻗﺎﻝ: "اﻷﻧﺒﻴﺎء ﺛﻢ اﻷﻣﺜﻞ فاﻷﻣﺜﻞ، ﻓﻴﺒﺘﻠﻰ اﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺩﻳﻨﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺩﻳﻨﻪ ﺻﻠﺒﺎ اﺷﺘﺪ ﺑﻼﺅﻩ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻪ ﺭﻗﺔ اﺑﺘﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﺩﻳﻨﻪ، ﻓﻤﺎ ﻳﺒﺮﺡ اﻟﺒﻼء ﺑﺎﻟﻌﺒﺪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺮﻛﻪ ﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﺭﺽ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﻴﺌﺔ".
     فتأمل كيف ذكر أن عاقبة ذلك أنه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة.
    ولهذا حين بوّب البخاري في صحيحه (ﺑﺎﺏ: ﺃﺷﺪ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻼء اﻷﻧﺒﻴﺎء، ﺛﻢ اﻷﻣﺜﻞ فاﻷﻣﺜﻞ) أورد تحته حديث ابن مسعود ﻗﺎﻝ: ﺩﺧﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻭﻫﻮ ﻳﻮﻋﻚ، ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻚ ﻟﺘﻮﻋﻚ ﻭﻋﻜﺎ ﺷﺪﻳﺪا؟
ﻗﺎﻝ: «ﺃﺟﻞ، ﺇﻧﻲ ﺃﻭﻋﻚ ﻛﻤﺎ ﻳﻮﻋﻚ ﺭﺟﻼﻥ ﻣﻨﻜﻢ»
ﻗﻠﺖ: ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻟﻚ ﺃﺟﺮﻳﻦ؟
ﻗﺎﻝ: «ﺃﺟﻞ ﺫﻟﻚ ﻛﺬﻟﻚ، ﻣﺎ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻢ ﻳﺼﻴﺒﻪ ﺃﺫﻯ، ﺷﻮﻛﺔ ﻓﻤﺎ ﻓﻮﻗﻬﺎ، ﺇﻻ ﻛﻔﺮ اﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﺳﻴﺌﺎﺗﻪ، ﻛﻤﺎ ﺗﺤﻂ اﻟﺸﺠﺮﺓ ﻭﺭﻗﻬﺎ».
      فتأمل آخرة الحديث، مع أنه قد ذكر فيه رفع الدرجات ثم بيّن النبي ﷺ أن ذلك مع تكفير السيئات.
     ويعضده ما ثبت في الترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: "ﻣﺎ ﻳﺰاﻝ اﻟﺒﻼء ﺑﺎﻟﻤﺆﻣﻦ ﻭاﻟﻤﺆﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﻠﻪ ﻭﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺧﻄﻴﺌﺔ".
وقال الترمذي: ﻫﺬا ﺣﺪﻳﺚ ﺣﺴﻦ ﺻﺤﻴﺢ.
     فتشديد البلاء على الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ليس لكثرة ذنوبهم، ولكن ليعظم تكفير الذنوب، فيكثر بلاؤهم ليكثر تكفير ذنوبهم، وإلا فذنوبهم أقلّ من ذنوب غيرهم، ثم لا تستوحش من هذا، فتقول: وهل للأنبياء ذنوب؟! فإن الأدلة دالة على تجويز الصغائر على الأنبياء دون أن يقرّوا عليها، وعلى هذا عامة السلف، والقول بعصمتهم من الصغائر قول حادث، قال ﷻ: (وعصى آدم ربه فغوى)، وقال: (فاعلم أنه لا إله إلا ﷲ واستغفر لذنبك).

     • الأصل الثاني: إذا تقرر أن كل بلاء وعقوبة فبذنب؛ فليس يلزم أن يعاقب العبد بكل ذنب، بل إن كثيرًا من الذنوب لا يؤاخذ ﷲ بها العباد، كما قال سبحانه: "وما أصابكم ‏من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
وهذه الآية اجتمع فيها أصلان:
- أن المصائب من الذنوب.
- ولكن لا يلزم العقوبة على كل ذنب.

     وإنك واجد عند وقوع المصيبة تسلطًا وسخرية من تسبيب العقوبات بالذنوب؛ وربما يقول قائلهم: انظر إلى الكفار يأتون أعظم الذنوب ولم ينزل بهم ما نزل ببعض المسلمين!، وإن نزل بالكفار مصيبة قال: لا تقل إن ذلك بذنبهم، فقد نزل بالمسلمين مثلما نزل بهم.

     وهذه غفلة عظيمة عن أصل في ‏الباب، فإن الأدلة جاءت بأن البلاء قد ينزل ببعض المؤمنين تكفيرًا لذنبه، وقد يترك بعض الكفار استدراجًا له، قال ﷺ: "لا يصيب المؤمن من مصيبة ‏حتى الشوكة إلا قص الله بها من خطاياه أو كفر بها من خطاياه" رواه مسلم.
     بل إنه يشدّد على المؤمنين كما سبق، كما قال ﷺ: "إن الصالحين يشدد عليهم، وأنه ‏لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت به عنه خطيئة، ورفع له بها درجة" رواه أحمد.
وفيه قال ﷺ: "إﻥ ﻣﻦ ﺃﺷﺪ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻼء اﻷﻧﺒﻴﺎء، ﺛﻢ ‏ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ، ﺛﻢ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻠﻮﻧﻬﻢ".
     وأما الكافر فقد يستدرجه ﷲ كما قال ﷻ: "والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم".

     • الأصل الثالث: أنّ من أصيب بمصيبة وبلاء من أهل الإيمان فلا يجوز تعييره والسخرية بمصابه.
وإن من شؤم السخرية بمن نزل به البلاء من المؤمنين أن تجد من احتملته غضبته حتى أنكر أثر الذنب في المصيبة، انتصارًا للذي عيّر أهل البلاء حين نزلت بهم مصيبة.

     • ومن الأصول المهمة: أن يُعلم أن نزول البلاء قد يكون خيرًا للعبد، فإنه قد يكون سببًا في رجوعه إلى ﷲ، كما قال ﷻ: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب  الأكبر ‏لعلهم يرجعون".
     وكثير من الناس ينسى النعم وتعظُم لديه المصيبة، قال ﷲ: "إن الإنسان لربه لكنود" قال الحسن: "يعد المصائب وينسى النعم".

     • ومن الأصول في هذا الباب: أن البلاء قد ينزل فيعم الصالح والفاسد، ففي الصحيحين قال ﷺ: "ﺇﺫا ﺃﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ ﺑﻘﻮﻡ ﻋﺬاﺑﺎ ﺃﺻﺎﺏ اﻟﻌﺬاﺏ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﻴﻬﻢ، ﺛﻢ ﺑﻌﺜﻮا ﻋﻠﻰ ﺃﻋﻤﺎﻟﻬﻢ".

     • من الأصول العظيمة أيضا: أن النعمة قد تكون بلاء، يبتلي ﷲ العبد بالنعم فيقسو قلبه ويغفل عن ذنبه ولو عوقب لربما رجع، فيمكر به ويزداد في الغيّ.

     • أخيرا: فليس الحديث عن أثر الذنب تزكية للنفس بل كلنا أهل ذنب وتقصير، وما أصبنا من مصائب فبذنوبنا وسيئاتنا، وﷲ يتجاوز ويغفر ولا يؤاخذنا.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷲ.

الأربعاء، 30 أغسطس 2017

(رد مختصر على من ضعف حديث فضيلة صيام يوم عرفة وعاشوراء).

بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن عجب أن ترى بعضهم مهموما بتعبد الناس! مغتما بازديادهم في الطاعة، وأمارة ذلك: أنك لا تراه يرفع رأسه بقول بعض نقّاد الحديث إلا في تضعيف حديث من أحاديث القربات، ونص من نصوص التعبدات، ومن ذلك ضيق نفوس بعضهم من أحاديث صيام يوم عرفة، فتراه يسعى قد شمر ثوبه نكيرا على من صامه كأنه أتى بابًا من المناكر، ثم تراه بعد ذلك فاتر الهمة، بارد المشاعر إذا انتهكت حرمات ﷲ! فسبحان الله.
وقد ثبت في صحيح مسلم عن ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﻌﺒﺪ اﻟﺰﻣﺎﻧﻲ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻗﺘﺎﺩﺓ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ قال: "ﺻﻴﺎﻡ ﻳﻮﻡ عرفة ﺃﺣﺘﺴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻔﺮ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻪ ﻭاﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻌﺪﻩ، ﻭﺻﻴﺎﻡ ﻳﻮﻡ عاشوراء ﺃﺣﺘﺴﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻔﺮ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺒﻠﻪ".

• وقد زهّد بعضهم في فضيلة صيام هذه الأيام بما جاء عن الإمام البخاري قال: "لا يعرف للزماني سماع عن أبي قتادة" ونسب القول بتضعيفه للدارقطني أيضا.

وهنا إشارات في الرد على دعواه والله المستعان:
• لئن سلمنا أن الحديث قد ضعفه البخاري؛ فقد صححه أئمة كبار: كالإمام مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن جرير وابن حبان والطحاوي والحاكم وابن عبدالبر وابن حزم والبغوي والنووي وابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن حجر.
وهذا ترجيح منهم لقول مسلم باتصال الحديث، بل إن السيوطي جعله من الأحاديث المتواترة وذلك لكثرة شواهده التي يقوي مجموعها حديث أبي قتادة.
- وقد قال النسائي : "هذا أجود حديث عندي في هذا الباب".
- وقال الإمام الطبري:"هذا خبر عندنا صحيح سنده، لا علة فيه توهنه، ولا سبب يضعفه، لعدالة من بيننا وبين رسول الله ﷺ من نقلته".
- وقال ابن تيمية: "صح عنه ﷺ أنه قال: "صيام يوم عرفة يكفر سنتين وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة ".

• وليس من الطريقة الحديثية أن يعمد أحدهم إلى مقالة ناقد من نقاد الحديث أثبت شيئا أو نفاه وخالفه غيره فيقدم قوله دون أن يسوق المرجح لتقديم قول أحدهم، لاسيما مع مخالفة كثير من الأئمة لأحد القولين، فمن رد حديثا أو أثبته بمجرد ذلك فقد استدل بموضع الخلاف وهذا ليس من العلم في شيء.

• ثم قصارى ما جاء عن البخاري نفي ثبوت سماع الزماني من أبي قتادة، وهذا نفي للعلم وليس علما بالنفي، وللعلماء مسالك في منهج البخاري وشرطه بثبوت السماع وعدم الاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقاء، فإذا تخلف شرطه هذا هل يقضي ذلك بالتضعيف أم أنه إنما ينفي الأصحية؟
ومما لا شك فيه أن اليقين هو الحكم بتوقفه، وما فوق ذلك فمحل تردد، ولذا ذهب أئمة كأبي الحسن القطان إلى أنه من جنس التوقف وليس حكما بالتضعيف، بل ذهب آخرون إلى أن ذلك شرط عال له في صحيحه، وتخلفه لا يدل على الضعف، بل ربما صح عنده ولكنه على غير شرط كتابه كما نصره البلقيني وغيره.

• يرجح السماع أن راويه عن غيلان بن جرير عن الزماني هو شعبة، وكان لا يروي إلا ما ثبت فيه السماع، ما لم يأت عنه النفي ولن يأت عنه نفي ذلك.

• ثم قال المضعف لحديث أبي قتادة أن الدارقطني قال ذلك! وهذا زيف وباطل من القول، فإن الدارقطني ذكر الحديث وساق طرقه ثم لم يحكم بتضعيف الحديث، وكأن هذا المضعف لطراة عهده بكتب العلل حين رأى الدارقطني قد جاء على طرق الحديث يبين الاختلاف على بعض الرواة، ظن ذلك تضعيفا للحديث.
أو ربما حين رآه ذكر طريق حرملة الشيباني عن أبي قتادة ثم قال: "هو مضطرب لا أحكم فيه بشيء"، ظن أنه تضعيف لكل طرق الحديث، وليس كذلك فإنما أراد الدارقطني بذلك طريق حرملة، دون غيره، وهو مع هذا لم يقض فيه بشيء بل توقف وتلبث، فجاء هذا فضعف الحديث ثم لم يكتف حتى ألقى جريرته على الدارقطني وقوّله ذلك.

• فأما صيام عرفة لغير الحاج فقد دل عليه ما ثبت في الصحيحين ﻋﻦ أم الفضل ﻗﺎﻟﺖ: "ﺷﻚ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺻﻴﺎﻡ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ يوم عرفة، ﻓﺄﺭﺳﻠﺖ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺈﻧﺎء ﻓﻴﻪ لبن ﻓﺸﺮﺏ".
فلولا أنهم قد اعتادوا صيامه في مثل هذا اليوم في غير سفر لما تنازعوا وشكوا في ذلك.

• وقد كان الصحابة والتابعون يصومون هذا اليوم، ويتحرونه بذلك؛ كما ثبت عن عائشة والزبير بن العوام وابنه عبد الله وعثمان ابن أبي العاص وإبراهيم النخعي وغيرهم.

• وهو مذهب مشهور عند السلف -في غير السفر- حتى قال الترمذي بعد أن روى حديث أبي قتادة السابق: "وقد استحب أهل العلم صيام يوم عرفة إلا بعرفة".

• وقال الطبري في صوم يوم عرفة: "وقد اختار صومه على إفطاره جماعة من الصحابة والتابعين، حتى لقد صامه جماعة منهم بعرفة، وبوّب: (باب ذكر من كان يؤثر صوم يوم عرفة على الإفطار فيه ومن كان يأمر بذلك من الصحابة والتابعين)
ثم روى ذلك بأسانيده عن عائشة والزبير بن العوام وعثمان بن أبي العاص والحسن وسعيد بن جبير".

• والقول بصومه مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، كما حكاه عنهم ابن هبيرة قال: "واتفقوا على أن صوم يوم عرفة مستحب لمن لم يكن بعرفة".

وأما صيام عاشوراء فقد صح عن النبي ﷺ من حديث جمع من الصحابة كابن عباس وابن عمر وعائشة ومعاوية وسلمة بن الأكوع وجابر بن سمرة والربيع بنت معوذ وغيرهم وأحاديثهم في البخاري ومسلم والسنن.
وهو مذهب عامة السلف.


والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

السبت، 5 أغسطس 2017

أوراق فقهية -١٣- : "اختلاف الاصطلاح الفقهي بين المتقدمين والمتأخرين"

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهنا أمثلة يسيرة على تحول الاصطلاح الفقهي في ألسنة الفقهاء، ذكرت فيه بعض ما في الباب، نفع الله به.
https://goo.gl/DBjVFF

الاثنين، 10 يوليو 2017

(بين الليث الحرب: ابن العربي؛ ومنجنيق الغرب: ابن حزم )


    الحمد لله..
وبعد:
     فقد عض ابن حزم مخالفيه بنابه، ولم يزل يشنع عليهم بمخالفة النص، والأخذ بالرأي وتوليد العلل وبناء الأقيسة عليها، والتقط ما رواه ابن أبي شيبة والدارمي وغيرهما عن الحسن وابن سيرين : "أول من قاس إبليس" (المصنف ٣٥٨٠٦)
فلوح به في وجوه خصومه، وفراهم بلسان فري الأديم، ولقي بحرُه سواقيَ قوم لم تقم له!.
وكان من أكثر أهل العلم حطّا عليه ووضعا منه؛ ابن تلميذه وصاحبه :(ابن العربي المالكي)، فنافر أقواله واعترضها وهوش عليها .
ومن لطيف ما أراد به مناقضة ابن حزم في مقالة:(أول من قاس إبليس)
أنه جعل الأخذ بالظاهر أول المعاصي التي عصى بها آدم!
فقال في قصة أكل آدم من الشجرة من كتاب أحكام القرآن :"ﺃﻧﻪ ﺃﻛﻞ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ اﻟﺸﺠﺮﺓ ﻻ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻬﺎ، ﻛﺄﻥ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻏﺮﻩ ﺑﺎﻷﺧﺬ باﻟﻈﺎﻫﺮ، ﻭﻫﻲ ﺃﻭﻝ ﻣﻌﺼﻴﺔ ﻋﺼﻰ اﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﻘﻮﻝ ﻓﺎﺟﺘﻨﺒﻮﻩ؛ ﻓﺈﻥ ﻓﻲ اﺗﺒﺎﻉ اﻟﻈﺎﻫﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻪ ﻫﺪﻡ اﻟﺸﺮﻳﻌﺔ .. " (أحكام القرآن ١ / ٢٩ )

الأحد، 26 مارس 2017

• (طليعة: الألفاظ الأعجمية في لسان الفقهاء).

           بسم الله الرحمن الرحيم

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه طليعة (بحث: الألفاظ الأعجمية في لسان الفقهاء)، أتيت فيه بمقيدات وفوائد في التعريب وأقسامه وأسبابه وأمثلته؛ كنت قد كتبتها لنفسي وقيدتها لأستفيد منها في خاصة أمري، وضعتها عفو القلم، لم أقصد بها استقصاء ولا تحريرا وإنما وقعت لي شيئا بعد شيء، فانتظمت على هذا الترتيب الذي ستراه، وأنت فستجد في قراءتك لها، أنها على نحو التذكرة والتعليقة التي قد يستفيد منها غير المتخصص ويستغني عنها المتخصص، فأحببت أن يشركني أمثالي من أخواني بما لعله لا يخلو من فائدة.

لقد استعملت العرب للدلالة على الألفاظ الأعجمية كلمات ومصطلحات عدة، ومنها:
- المعرّب بتشديد الراء، ويقولون المعرَب بالتسهيل، ولم يستعمل سيبويه إلا التسهيل ولكن استقر الأمر في كتب اللغة على التشديد.
والمعرّب: هو الكلمة الأعجمية التي أخضعتها العرب لقواعد العربية، وقيل بل المعرب ما عربته العرب في عصر الاستشهاد، وقالوا: فأما ما عرب بعد ذلك فهو المولد .

- والدخيل: قيل هو مرادف للمعرب، ولهذا سمى الخفاجي كتابه :" شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل "، إلا أنه ربما أطلق على ما هو أعم من المعرب، فهو كل ما دخل اللغة وإن كان بعد عصر الاستشهاد.
- والأعجمي: يطلق على الكلمات الأعجمية التي لم يخضعها العرب لقواعد اللغة مثل تلفزيون.
- والمولد: هي الكلمات التي استعملها المولدون ، وقيل المولد هو: كل ما تكلم به المولدون سواء بتعريب أو اشتقاق من كلمة عربية أو ارتجال.

• ومنهم من قسّم تقسيما قريبا من ذلك:
١ - المعرّب: وهو ما أخضعته العربية لقواعدها وقبلته في عصور الاحتجاج .

٢ - الدخيل: هو ما لم تخضعه العربية لقواعدها ، وإنما نقلته في عصور الاحتجاج.

٣ - المولّد: ما نُقل بعد عصور الاحتجاج، ويشمل كل تغيير جَدّ في العربية كالتعريب والنحت والاشتقاق.


• كيفية معرفة الأعجمي من الكلمات:
١ - النص على ذلك في الكتب:
فقد درج بعض العلماء على النصّ في كتبهم أن الكلمة غير عربية، كما نرى بعض المفسرين ينص على أن هذه الكلمة موجودة في لغات أخرى ، بالإضافة إلى أن هناك كتباً أُلّفت في حصر الكلمات المعربة أو عقدت فيها فصول لبيان ذلك مثل:
* عقد سيبويه في كتابه بابا بعنوان (هذا باب ما أعرب من الأعجمية)، وكذا عقد أبو عبيد القاسم في كتابه الغريب، وابن قتيبة والثعالبي وغيرهم كثير.
* كتاب المعرّب للجواليقي.
* حاشية ابن بري.
* المهذب للسيوطي.
* قصد السبيل للمحبي.
* شفاء الغليل للخفاجي وغيرها.


٢ - التتبّع التاريخي:
عند تتبع تاريخ الكلمة ومقارنتها باللغات الأخرى يتضح مدى أصالة الكلمة أو استعارتها من لغة أخرى أقدم من اللغة المدروسة.

٣ - النظام الصوتي:
وذلك لأن لكل لغة نظاماً صوتياً تتميز به :
أ - إمّا في نوع الأصوات، فإن هناك حروفا في العربية يقلّ وجودها في غيرها كمثل: (ح ، غ ، ض ، ء ، هـ).

كما أن هناك أحرفاً لا توجد في اللغة العربية مثل:
- الگاف الفارسية، التي يسميها سيبويه: الحرف بين الكاف والجيم مثل: ( لگام عربت بلجام)، ( گورب عربت بجورب)، - ومثل الباء المثقلة پ، ( P )، ويسميها سيبويه: الحرف بين الباء والفاء، مثل: (فالوذج أصلها پالوده).

- ومثل حرف الجيم الفارسية چ في مثل: (چك عربته العرب صك).

- ومثل الفاء المثقلة، ڤ ( V ).

- مع أنهم قد يبدلون الحرف بغيره مع وجوده في لسانهم، كما في (تازه عربتها العرب بطازج) و (كنده عربوها بخندق) و (لشكر عربوه بعسكر).
وقد نصّ القلقشندي في "صبح الأعشى" على أن حروف العربية الفصيحة ثمانية وعشرين (٢٨) حرفًا، وإنها مع غير الفصيحة ثمانية وأربعين (٤٨) حرفًا.

ب - وإما بطريقة تأليف الأصوات فيها:
قال الخليل: "أي كلمة رباعية أو خماسية ليس فيها حرف من أحرف الذلاقة - وهي المجموعة في قوله (مر بنفل) - فليست عربية، على أنه استثنى في معجم (العين) بعض الألفاظ، مثل: عسجد.
 -  قال الجواليقي: لا يجتمع في العربية قاف وجيم ( جلّق، منجنيق)، ولا صاد وجيم (صولجان، جصّ) ، ولا طاء وجيم (طاجم) ، ولا قاف وكاف (قراتكيني).
- ليس في العربية كلمة مبدوءة بنون وَراء أصليتين مثل (نرجس) ، فهذه كلمة أعجمية.
-  لا يجتمع في كلمة السين والذال.
- لا يجتمع الطاء والجيم في كلمة.
- ليس في العربية كلمة مختومة بدال فزاي ، مثل (مهندز): (تعريبها مهندس).
- ليس في جذر عربي نون بعده راء (نرجس).


٤ - النظام المقطعي، فهناك مقاطع لا توجد في العربية، مثل المقطع التالي:
مهراجا: مه را جا
ص + ح + ص ص + ح ح ص + ح ح
فتجده هنا: (مغلق مفتوح طويل مفتوح طويل)
فتوالي المقاطع بهذه الصورة يدل على أن هذه الكلمة ليست عربية، فهي هندية بمعنى الرئيس.

٥ - النظام التصريفي:
- إذا لم يعرف للكلمة أصل اشتقاقي فهي أعجمية مثل:
( تَنّور ): نصّ عليها الجوهري: لأن مادة (تنر) مهملة، ويرى العلامة أحمد شاكر أنها عربية لورودها في القرآن، وقد أوضح ذلك في تتبعه للجواليقي، وقد ورد في المعجمات مشتقات لهذه الكلمة، ومنها : اصطبل - منجنيق .

- كما أن مجيء الكلمة على وزن غير مستعمل في العربية يحكم بعدم عربيتها، مثل: إبريسم، خراسان، إسماعيل، إزميل.

٦ - النظام النحوي: لكل لغة نظام نحوي تتميز به، ومما تتميز به العربية:
- أن الكلمات الأعجمية تمنع من الصرف للعلمية و العجمة، مثل إبراهيم، إسماعيل.
- أن الكلمات الأعجمية لا تدخلها الألف و اللام ،كما زعم بعض العلماء، فأي كلمة لا تدخلها "ال" فهي أعجمية ، نص على ذلك ابن جني في المحتسب.


• • وانتقال المفردات من لغة إلى أخرى ضرورة لغوية اجتماعية، فإن تجاور اللغات وتداخل الأمم والفتوح والهجرات وتنوع المنتج العلمي والطبي والتقني يقتضي دخول الكلمات من لغة إلى أخرى، ولأن اللغة العربية لغة اشتقاقية فقد تنوع تعامل العرب مع الدخيل من الكلمات أو المعاني ( فإن اللغات أنواع:
(اشتقاقية - وجامدة - ولاصقة)، ومن وسائل التوسع اللغوي تلك الطرق التي يسلكها اللغويون في التعريب بأنواعه.


• والتعريب ينقسم إلى:
١ - المعرّب الصوتي: وهو الكلمات الأعجمية التي أخضعتها العربية لقواعدها نحو: تلفاز .
٢ - المعرب المعنوي: وهو الكلمات التي نقلت معانيها إلى العربية بإيجاد بديل عربي (ترجمة الكلمة).
• فمن القسم الأول (المعرب الصوتي):
١ - قسم عربته العرب مما هو على أبنيتها، ولهذا فهو يعامل معاملة الكلمات العربية مثل:
- دينار، درهم، ولهذا قيل: فلان مُدَرهم ( كثير الدراهم )، دَرْهَم فلان.
- بهرج (زائف)، يقال بَهْرَجَ فلان، ودرهم مُبَهْرَج.
- ومنه سرداب، فالآب الماء، وسرد بارد.
- وميزاب "فالآب" الماء، و "ميز" مسيل، فتعريبه ليس يحتاج إلى تغيير، وهذا القسم قليل في كلامهم.
• ويستدلّ أبو حيان في الارتشاف، لذلك بما روي عن الخليل أنه قال: "الباشق فارسية معربة تعني الأجدل الصغير ( طائر )، ويجوز لك أن تقول : بَشَقَ".
فقد أجاز الخليل الاشتقاق من الكلمات الأعجمية وأبى ذلك آخرون كما يقول: ابن السراج ، ويزعم بأن من يجيزه كمن زعم أن الطير ولد الحوت!
وفي ذلك يقول ابن فارس: "والأصل في هذه الأبواب - يعني الرباعي المنحوت - أن كل ما لم يصح وجهُه من الاشتقاق الذي نذكره فمنظور فيه، إلاّ ما رواه الأكابر الثقات " (مقاييس اللغة ٢ / ١٤٨)
* وهذا يدل على عدم لزوم تغيير بنية الكلمة في التعريب، بل لا يشترط أن يغيّروا كل ما ليس على أبنية كلامهم، ولذا قال سيبويه: ( وربما تركوا الاسم على حاله، إذا كانت حروفه من حروفهم كان على بناء كلامهم أو لم يكن)، وكذا قال إمام العربية ابن فارس.
وقد خالفهم غيرهم من علماء اللغة، كما قال الجوهري : (وتعريب الاسم الأعجمي أن تتفوه به العرب على منهاجها)، ونُسب ذلك إلى ابن جني، وممن تشدد في ذلك الحريري ولذا تجدهم يوجبون: ( كسر أول سرداب ليلحق بشمراخ، وضم أول دستور ليلحق ببهلول)، وقد تعقبه الخفاجي فقال: "وزعم أن المعرّب لابد أن يرد إلى نظائره من أوزان العربية، والذي صرح به النحويون خلافه .. وذكر كلام سيبويه السابق" .

٢ - قسم غيّرته العرب لكنها لم تلحقه بأبنيتها، وكثيرا ما يغيرون فيه ما يجعله على قانون مجانس لكلامهم إما:
أ - بنقص بعض حروفه ( نشاسته = نشا ) ( بُريده دم = بريد).
ب - زيادة حروف (جوكان = صولجان ).
ج - إبدال حروفه ( براذه = فرزدق ) ( طازه = طازج ) وتعني الطيب الخالص، و ( برنامه = برنامج) و ( كوسه = كوسج ) و ( بنفسه = بنفسج) و ( شكر = سكر) و ( فُندق = وهو مفتوح القاف في لغته الأصلية، أبدل بضم القاف )، ( ساده = ساذج، وهو الأبله المجنون ، أو طيب القلب ) ( استبره = استبرق ).

د - التغيير مع مراعاة تصريف الكلمة في لغة العرب، ومنها: (مقاليد فإن مفرده إقليد، وهو معرب كليد)، فأبدلت الهمزة ميما في حال الجمع رعاية لاسم الآلة فإنه يأتي بالميم في كلامهم.
٣ - قسم لم تغيّره العرب وإنما نقلته على صورته:
مثل : تنّور ، كُرْكُم ، زنجبيل ، خراسان.

• ومن القسم الثاني ( التعريب المعنوي):
١ - التعريب بالاشتقاق: ومن أمثلته :( ناسوخ للفاكس، وقابس للفيش، ودراجة، وسيارة، وهاتف، ومذياع، وسجاد للموكيت، وآلة للماكينة، ومرآب للكراج، ورائي للتلفزيون، وشيفرة للكود).
وربما كان الاشتقاق من حروف مقاربة للفظ الأعجمي: (كتعريبهم للراد = راديو ) - ( المكنة = ماكينة) .

٢ - التعريب بالنحت ( ويدخله بعضهم في الاشتقاق وسماه ابن جني : الاشتقاق الكبّار) ويحتاج إليه في الألفاظ الأعجمية المركبة: البرمائي - اللاإرادي - الفوطبيعي
٣ - محاكاة الصوت:
صاروخ - هدير الطائرة - أزيز الرصاص.
•• خـاتمة:
• فائدة:
 قد يوافق بناء الدخيل بناء من أبنية الجمع في العربية، فيظن أنه جمع ويشتق منه مفرد، وتصبح لدينا كلمة جديدة مفردة ليست من أصل كلام العرب، ولا في لغتها الأصلية مثل:
- (قروش) فإنها تركية وهي مفرد في لغتهم، ولما كانت توافق بناء (فعول) وهو من أبنية الجمع أجريت على منوال الجمع، فجعلوا مفرده (قرش).
• فائدة أخرى:
قد تعرّب بعض الكلمات فتصبح لفظا مشتركا:
- شهر للقدر من الأيام عند العرب، وهو لفظ مشترك معناه (المدينة ).
- قط وهو السنور وهو عربي، وفي لفظ معرب: الحظ والنصيب.
- حُب وهو الوداد، وفي لفظ معرب : الجرة الكبيرة.
- مرج وهو الاضطراب، وفي لفظ معرب الأرض المتربة المعشاب.
•• ما سبق ذكره فهو في المفردات اللفظية، فأما التراكيب المترجمة، فربما كان البلاء بها أعظم والنكأة في الجرح اللغوي أطم ولعله يظهر لك شيء من ذلك بالنظر في بعض هذه التراكيب المترجمة:
١ - مثل قولهم : (أكثر وضوحاً و أكثر دقَّة  و أكثر اتِّساعا) بدلاً من (أوضح و أدقّ و أوسع).
٢ - مثل استعمالهم: (ندوة توعوية و مباراة كروية و الطريقة السلطوية) بدلاً من ( ندوة توعية ومباراة في كرة القدم وطريقة السلطة).

٣ - ومنه قولهم: ( الواقعية كمفهوم أدبي، أو البرلمان كسلطة تشريعية )، وهي التي يسميها الداعية الكبير تقي الدين الهلالي باستعلاء المؤمن: الكاف الاستعمارية، وهي ترجمة لكلمة as باللغة الإنكليزية، وهي طريقة أعجمية ليست من مستعملات العرب.
٤ - وكذلك أخذت (صيغة الظرف الإنكليزية ) تطرد ( المفعول المطلق من اللغة العربية) وتُحِلُّ محلَّه عباراتٍ من مثل: (بصورة كبيرة، أو بشكل عشوائي) وهي مقابل تعبيرَيْ largel، فاللغة العربية لا تذكر الفاعل عند البناء للمجهول بل تذكر نائب الفاعل .
أما اللغة الإنكليزية فقد تذكر الفاعل لأن الوظيفة البلاغية للمبني للمجهول فيها تختلف عن وظيفة هذه الصيغة في اللغة العربية، فهي تتخفف من استعمال المفعول المطلق، فتجد في الترجمة منها: (بصورة – بشكل – لدرجة – على نحو)
كقولهم: ( مشيت بصورة جيدة) ، و ( سار بشكل حسن ) ، و ( إن قامته طويلة لدرجة أنها تسد الباب)، و (ظهر على نحو واضح).
وهذه كلها استعمالات نائية عن العربية، والأصح منها أن يقال: (مشيت مشيا جيدا)، و (سار سيرا حسنا)،  و ( إن قامته طويلة طولا يسد الباب) ، و ( ظهر ظهورا واضحا)، أي أن الأصح استعمال المفعول المطلق فيه.
٥ - ومنها قولهم : ( أرسلت الرسالة من قِبَل فلان)، فإنها ترجمة لعبارة من نوع ( by sent was letter The).
٦ - ومنها قولهم : (ولكن الزوجة ما إن سمعت زوجها يصرخ بها على هذا النحو، وعلى الرغم من أنها قد أصابها الفزع لأول وهلة، سرعان ما فكَّرت!)، فإن من اعتاد على طريقة القرآن والتراكيب النبوية وارتاض لسانه بالقراءة في كتب المتقدمين؛وجد نفارا من هذا التركيب، وذلك لأن بنية هذه الجملة على غير طريقتهم، فإنها بنية انكليزية، فإن من شأن البنية العربية
المستقيمة أن تعيد الصياغة بحيث تضع المتعلِّقات في مكانها الصحيح ولا  تكثر جمل الاعتراض، فلو قيل: (ولكن ما إن سمعت الزوجة زوجها يصرخ بها على هذا النحو؛ حتى فكَّرت في حيلة خادعة رغم الفزع الذي أصابها لأول وهلة) لكان أقرب لمستعملات لغة العرب.
٧ - ومنها الاختصارات الحرفية:
فإنه لم يشع استخدام الاختصارات في اللغة العربية إلا على نحو محدود مقارنة باللغات الأجنبية.
فإنك لا تكاد تجد لها أثراً في كتاباتنا القديمة، باستثناء مختصرات قليلة العدد في كتابة بعض علوم الشريعة:  مثل علامات الوقف في القرآن الكريم، و "نا " اختصاراً لكلمة " حدَّثَنا" في كتب الحديث، والباب هنا واسع.
وأما في اللغات الحديثة - ولا سيما الإنكليزية - فإن هذه الاختصارات تصل آلافا، وفي كل مجال من مجالات الكتابة، بل تراها في حديثهم السائر ومخاطباتهم.
٨ - إضافة أكثر من مضاف إلى مضاف إليه واحد كقولهم : (احتدام واشتداد القتال)، والصواب في لسان العرب أن يقال: (احتدام القتال واشتداده) ، فلا يضيف إلا مضافا واحدا إلى المضاف إليه، ثم يضيف المضاف الآخر إلى ضمير يعود على المضاف إليه الأول.
٩ - تأخير الفاعل وتقديم ضميره عليه، كقولهم: (في تصريح له عن الأحوال العسكرية، قال وزير الدفاع ..)، والأصوب أن يقال: (قال وزير الدفاع في تصريح له عن الأحوال العسكرية..).
١٠ - جمع عدد من الأسماء المعطوفة في جملة واحدة، وذلك دون أن يتبع كلا منها بحرف العطف " و "، كالقول: ( ذهب أحمد إلى المكتبة واشترى كتبا، أقلاما، صورا، دفاتر! )، وهذا أسلوب فيه فجاجة وعجمة، وإن أخذت به لغة أخرى كالإنجليزية.
والصواب أن نقول : (ذهب أحمد إلى المكتبة، واشترى كتبا وأقلاما وصورا ودفاتر ).
١١ - أثر الترجمة الحرفية:
( أ ) فمثلا يستعمل بعضهم كلمة " ضد " وهي ترجمة حرفية لكلمة ( against ) في اللغة الإنجليزية، فيقال : " حارب ضد الاستعمار"، و " ينبغي أن يسعى الآباء لتلقيح أبنائهم ضد الجدري "، و " صدر حكم ضد فلان "، وغير ذلك.
وينصب الاعتراض على أن الأسلوب الذي يلجئ إلى استعمال هذه الكلمة، أسلوب يخالف طرق تعبير العرب.
فقولهم : ( فلان يحارب ضد الاستعمار ) يُفهم منه أن هذا المحارب مخالف للاستعمار، أي أنه يحارب في جبهة أخرى غير الجبهة المعادية للاستعمار. والصواب في ذلك القول: ( شن حربا على الاستعمار .
و ( يجب تلقيح الأطفال من الجدري )، و ( صدر حكم بحق فلان أو عليه ) .

ب - ومن الكلمات التي يساء استخدام ترجمتها، كلمة ( reach ) بمعنى يصل.
فإذا ذكر وصول أحد يقول : ( وصل فلان مصر ) .
وهذا استعمال خاطئ، فإن الفعل " وصل " في الإنجليزية فعل متعدٍ .
 ولكنه في العربية لازم لا يتعدى، فليس يحتاج إلى مفعول، ولكنه يتعدى بحرف الجر " إلى ".
فنقول : ( وصل إلى مصر مساء ) .

ج - ومنها أيضا كلمة ( طبقا ) المترجمة عن كلمة ( according ) فهي ترد في أمثلة كثيرة.
فمن ذلك قولهم : " سيتم وصول فلان يوم الأحد طبقا لوكالات الأنباء ".
وفي لغة العرب لا يأتي ذلك على طريقتهم في مثل هذا الموضع .
وكذا ( وفقا ) أو ( وفاقا ) أو ( على وفق ) .
ومنه محاكاة كلمة ( cancel ) بكلمة ( لاغيا ) .
كقولهم : ( يعد الاتفاق لاغيا منذ مساء اليوم ) .
وينصب الاعتراض على كلمة " لاغيا "، لأنها على وزن اسم الفاعل من الفعل " لغا – يلغو "، أي كثر كلامه.
ولكن السياق الذي تُذكر فيه كلمة " لاغيا " لا شأن له بكثرة الكلام أو قلته، بل يعنون به إبطال الاتفاق  .
وكان الواجب استعمال كلمة ( ملغي ) ، وهي اسم المفعول من الفعل ( ألغى – يلغي ) .
فالصحيح إذن أن يقال : ( يعد الاتفاق ملغيا منذ مساء اليوم ) .

د - والبعض يترجم كلمة ( still ) بكلمة
( لا زال ) ، فيقول:  (لا زالت الاجتماعات منعقدة ) .
ويقول : ( لازالت الجهود تبذل لإصلاح الوضع )، وهذا استعمال خاطئ لكلمة ( لا زال ) ، فهي تفيد الدعاء لا الاستمرار، ويصح أن يقال : ( لا زالت الديار قوية عزيزة بأهلها )، فهو دعاء للديار بدوام القوم والعز، وأما ما يفيد الاستمرار فهو ( ما زال ) ، كأن نقول : ( ما زالت الاجتماعات مستمرة ) ، و ( ما زالت الجهود مبذولة ) .

هـ - ومن ذلك كلمة ( by ) التي يترجمها بعضهم ( مِن قِبَل ) ، ويدخلونها في الجمل، فيقولون : ( دُونت الملاحظات مِن قِبَلْ اللجنة ) .
ولكن ليس في استعمال ( مِن قِبَلْ ) فائدة، فإنه يمكن أن يقال : ( دونت اللجنة الملاحظات ) .

و - وهناك كلمة شاع استعمالها شيوعا خاطئا، فلا تكاد تخلو منها جملة، وهي كلمة ( بالنسبة ) ، التي يمكن التخلي عنها دون حدوث أي إخلال في الجملة، فضلا عن أن استعمالها يخالف الاستعمال العربي المستقيم .
فتراهم يقولون : " انخفضت أسعار العملات، وبالنسبة للمارك الألماني فقد انخفض مقابل الدولار ".
وهذا تركيب غير صحيح للجملة، فإن ( النسبة ) هي القرابة أو ما تعلق بها.
والصواب أن يقال : ( انخفضت أسعار العملات، أما المارك الألماني فقد انخفض مقابل الدولار ) .

ز - ترجمة بعض كلمات الإنجليزية بكلمة واحدة مقابلة في اللغة العربية، مثل كلمة ( privatization )، والتي وضعت لها ترجمات عدة، مثل: ( الخصخصة ) أو ( التخصيص ) أو ( التخصيصية ) .
وهذه كلها ترجمات غير دقيقة للكلمة، فإن اللغة الإنجليزية تميل دائما لاستخدام الزوائد ( affixes ) سواء كانت بادئة أم لاحقة إلى الكلمة الأصلية .
ولذلك فهذا الاستعمال أكثر من كلمة واحدة، وإن كانت في ظاهرها كلمة واحدة.
فالترجمة الدقيقة أن يقال : " التحول للقطاع الخاص " .
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمثلة للكلمات الفارسية المستعملة في لغة العرب في أزمنة :
 فرمان: دستور.
بيمارستان: مشفى.
ديوان: دفتر.
ديباجة: أصلها دي وان‌چه/دي بان‌چه أي الدفتر الصغير.
بنفسج : بنفشه.
طازج : تازه.
برنامج : برنامه.
ساذج : ساده.
خنجر: خونگر.
** الأمثلة الأخيرة مستفادة من مقال : الأستاذ محمد بن حسن بن يوسف : ( أخطاء شائعة في الترجمة ) منشور على الشبكة .