الأحد، 1 يوليو 2018

دفع اختلاط مجوّز الاختلاط.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷲ.
 أما بعد:
فكم أود لو أن بعض من يأبى ويصر على الحدَث في الدين والاختراع فيه؛ أن يترك الإملال! ويريحنا من السآم! بذكر شبهٍ قد لاكها قبله ألف لسان!، وسأم أهل العلم والدعوة من ردها وكرروا بيان خطئها!. فلو أن هؤلاء الطرآء إذ أبوا إلا ركوب الزيف؛ أتوا بشيء جديد يجد الإنسان في رده لذة العلم وكسر جديد الباطل!
لكنهم يصرون على مضغ مقالات قيلت، ويتسقطون لشبهٍ سلفت وماتت.

ولذا فانظر إلى بعضهم حين يرأى حديث ابن عمر: "ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻳﺘﻮﺿﺌﻮﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﷲ ﷺ ﺟﻤﻴﻌﺎ" الذي رواه البخاري.
تطير به عصافير رأسه، ويظن أنه قد أتى بالقمر في الجؤنة!
ويفرح يأمل أن يكون فيه دليل على إباحة اجتماع الأجنبيات مع غير محارمهن.
وهذا فهمُ من لم يعرف كامل هذه المسألة!
وهذا حديث لا إشكال فيه عند فقهاء الأمة من الصحابة فمن بعدهم، فإنه حديث يُذكر في شطر مسألة معروفة عند أهل العلم موسومة (بحكم وضوء الرجل بماء توضأت به المرأة، وهي مسألة على قسمين: حكم مشاركتها، وحكم الوضوء بفضل وضوئها)
فكان ابن عمر في هذا الحديث يبين أنه لا جناح على من فعل ذلك، وأن الرجال كانوا يشاركون (النساء) في الوضوء، فهو حديث سيق لبيان حال الصحابة في عدم امتناعهم عن الوضوء مع النساء وبعدهن، ولم يسق لمسألة اختلاطهم، ولا مدخل لما انتفخ به نحْر أهل التغريب وسَحَره، فابن عمر يريد أن يبين أن الرجل من الصحابة كان يتوضأ مع زوجته وأمه وبنته ليس يتحاشى ذلك.
ولهذا بوّب البخاري في صحيحه على هذا الحديث بقوله: "باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل-أي بقية- وضوء المرأة" فهذا سبب ورود الحديث، وهذا فهم السلف للحديث.
ومن يعرف كامل المسألة يعرف سبب سياق مثل هذا الاستدلال، ولهذا لما ذكر عبد الرزاق حديث ابن عمر سبقه برواية ابن جريج ﻗﺎﻝ: "ﻻ ﺑﺄﺱ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺿﺄ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭاﻟﻨﺴﺎء ﻣﻌﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻦ ﺷﻘﺎﺋﻘﻜﻢ ﻭﺃﺧﻮاﺗﻜﻢ ﻭﺑﻨﺎﺗﻜﻢ ﻭﺃﻣﻬﺎﺗﻜﻢ" مصنف عبد الرزاق.

وسيتبين لك بما سأذكر من الأدلة كيف أن الأدلة التي جاء فيها الرخصة للنساء بالخروج جاءت حياطتها بالتستر وعدم الاختلاط.

•• قال ﷻ: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن).
فقد جعل ﷲ الحجاب سببا لطهر قلب المرأة والرجل، وإذا كان ذلك في زوجات النبي ﷺ مثابة طهرة فكيف بغيرهن.

•• ثبت في البخاري ﺃﻥ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﺎ، ﻗﺎﻟﺖ: «ﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺇﺫا ﺳﻠﻢ ﻗﺎﻡ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﻴﻦ ﻳﻘﻀﻲ ﺗﺴﻠﻴﻤﻪ، ﻭﻣﻜﺚ ﻳﺴﻴﺮا ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻡ» ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﺷﻬﺎﺏ الزهري راويه: "ﻓﺄﺭﻯ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻜﺜﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﻨﻔﺬ اﻟﻨﺴﺎء ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻬﻦ ﻣﻦ اﻧﺼﺮﻑ ﻣﻦ اﻟﻘﻮﻡ".

• وتأمل مسألة لطيفة هنا: فإنه مع إذن النبي ﷺ للنساء في حضور الجماعات والذهاب للمساجد، إلا أن خروجهن قد حيْط بحياطات تمنع الخلطة والفتنة، ومن ذلك:
• فمنه منع النساء من الجهر بالتسبيح للإمام، ولكن يصفقن، كما في الصحيحين: "فليسبّح الرجال، وليصفق النساء".
وأنت تعرف أن التصفيق ليس من شأن العبادة، بل هو إلى اللهو أقرب، لكنه مع ذلك كان بدلا لجهر المرأة بصوتها، مما يجزم فيه النلظر بعظيم تشوّف الشريعة المطهرة لصيانة المرأة عن الخلطة.

• ومن ذلك أنه جعل فضلا علقه على استئخار صفوف النساء عن الرجال، فعن ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: "ﺧﻴﺮ ﺻﻔﻮﻑ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﺃﻭﻟﻬﺎ، ﻭﺷﺮﻫﺎ ﺁﺧﺮﻫﺎ، ﻭﺧﻴﺮ ﺻﻔﻮﻑ اﻟﻨﺴﺎء ﺁﺧﺮﻫﺎ، ﻭﺷﺮﻫﺎ ﺃﻭﻟﻬﺎ". رواه مسلم.

• ومن ذلك أنه ﷺ نبّه النساء أن يراعين عدم الاختلاط بالرجال عند الخروج للمسجد، فعن ﺃﺑﻲ ﺃﺳﻴﺪ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ﺃﻧﻪ ﺳﻤﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: ﻭﻫﻮ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺠﺪ -ﻓﺎﺧﺘﻠﻂ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻣﻊ اﻟﻨﺴﺎء ﻓﻲ اﻟﻄﺮﻳﻖ- ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻟﻠﻨﺴﺎء: «اﺳﺘﺄﺧﺮﻥ، ﻓﺈﻧﻪ ﻟﻴﺲ ﻟﻜﻦّ ﺃﻥ ﺗﺤﻘُﻘْﻦ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻋﻠﻴﻜﻦ ﺑﺤﺎﻓﺎﺕ اﻟﻄﺮﻳﻖ»
 رواه أبو داود

• ومنها أن الشريعة جاءت بتفضيل صلاتهن في البيوت مع إذنها لهن بالخروج، فإذا استحضرت أن القاعدة الأغلبية: أن العمل الواحد إذا زادت أبعاضه كان أفضل مما هو أنقص منه، ثم رأيت هنا أن صلاة المرأة في المسجد زادت أجزاء صلاتها وأبعاضها؛ ومع ذلك نقص أجرها، بان لك وجه من تشوف الشريعة لعدم اضطراب المرأة بالخروج لأدنى داعية.
فقد روى أحمد في مسنده بسند حسن: "عن أم حميد رضي الله عنها:
أنها قالت : يا رسول الله، أني أحب الصلاة معك!
فقال ﷺ: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي,وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاة في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي).

• ومن ذلك أن نساء الصحابة كنّ يراعين ذلك في الطواف ودخول المسجد الحرام:
فقد روى البخاري عن عطاء أنه ذكر طواف النساء ثم نبّه على نفي الاختلاط فقال: "لم يكن يخالطن!، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة (أي معتزلة) من الرجال لاتخالطهم، فقالت لها امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين! قالت: انطلقي عنك، وأبت".

• ومن ذلك أنهن كن يراعين عدم الاختلاط عند دخول الكعبة، كما ذكر البخاري في الحديث الماضي، فقالت عائشة: "يخرجن متنكرات بالليل! فيطفن مع الرجال، ولكنهن كنّ إذا دخلن البيت قمن حتى يدخلن وأخرج الرجال".
فذكرت أنهن يقفن حتى يخرج الرجال ثم يدخلن.

• ومن ذلك أن الشريعة حثتهن للخروج لصلاة العيد، ولكن حاطتهن بما يجنبهن الخلطة بالرجال، كما في البخاري عن ابن عباس قيل له: أشهدت العيد مع النبي ﷺ؟ قال: نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، صلى النبي ﷺ ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال، فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة).
ففيه أن النساء كن مجانبات لرجال غير مختلطات بهم، ولذا احتجن أن يأتيهن ﷺ.
• وهذا الأمر كان أمرا معروفا عند الصحابيات، ولهذا ثبت في البخاري أنهن قلن للنبي ﷺ: "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن".
فدل على تمايزهن وعدم خلطتهن.

• ولما وقع في عهد عمر -رضي الله عنه- شيء من اختلاط الرجال بالنساء في الطواف نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجلاً معهن فضربه بالدرة". كما رواه الفاكهي في أخبار مكة.

• وهذا الشأن مستقر في تصاريف الأدلة تجده يد كل لامس للأدلة ناظر فيها غير متبع لهواه، فاسمع لعائشة كما في البخاري حين استأذنت عائشة رسول الله ﷺ في الجهاد، فقال: "جهادكن الحج".
فقد تاقت نفسها للعمل الصالح في الجهاد، فأراد النبي ﷺ أن يبين أنه ليس من شأن النساء، ولهذا فإنما كن يخرجن أحيانا مع النبي ﷺ للحاجة للسقي والمداواة، عند قلة عدد الرجال المقاتلين.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ.