الأحد، 2 يونيو 2019

استحباب إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل الصلاة.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فتفضيل إخراج زكاة الفطر يوم العيد قبل صلاة العيد هو الذي تدل عليه الأدلة، وهو المعروف عن الصحابة وفقهاء التابعين وأصحاب المذاهب.
وقد تداول بعض الفضلاء كلامًا في المسألة لشيخ شيوخنا العلامة السعدي رحمه ﷲ ينفي فيه وجود الدلالة على استحباب إخراجها يوم العيد على غيره، ويقرر فيه عدم تفضيل هذا الوقت على غيره، فأحببت أن أكتب في المسألة كلامًا مختصرًا يشير إلى بعض ما يدل على خلاف كلامه رحمه الله، وأن أبين بعض ما يدل على استحباب إخراجها قبيل صلاة العيد، وأن هذا هو الذي عليه عمل الصحابة فمن بعدهم من العلماء من التابعين وعلماء الأمصار والمذاهب المتبوعة، والله المستعان.

فمما يستدل على هذه الأفضلية:
١ • ما في الصحيحين عن ابن عمر: "ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﻣﺮ بزكاة اﻟﻔﻄﺮ ﺃﻥ ﺗﺆﺩﻯ ﻗﺒﻞ ﺧﺮﻭﺝ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ اﻟﺼﻼﺓ".
والمقصود أن تؤدى يوم العيد قبل الخروج للصلاة، ولذا بوّب البخاري على الحديث: (ﺑﺎﺏ اﻟﺼﺪﻗﺔ ﻗﺒﻞ اﻟﻌﻴﺪ).
قال ابن حجر: "ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﺘﻴﻦ: ﺃﻱ ﻗﺒﻞ ﺧﺮﻭﺝ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻰ ﺻﻼﺓ اﻟﻌﻴﺪ ﻭﺑﻌﺪ ﺻﻼﺓ اﻟﻔﺠﺮ".
وبوّب ابن زنجويه في كتابه الأموال على هذا الحديث "باب: ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﺐ ﻣﻦ ﺇﺧﺮاﺟﻬﺎ ﻗﺒﻞ ﺻﻼﺓ العيد ﻳﻮﻡ العيد".

٢ • وهكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم:
- ولهذا قال أبو ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ: "ﻛﻨﺎ ﻧﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﻋﻬﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ ﺻﺎﻋﺎ ﻣﻦ ﻃﻌﺎﻡ" هذا لفظ البخاري.
فقال: (يوم الفطر).
- وقال ابن عباس: "ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ ﺃﻥ ﺗﺨﺮﺝ ﺻﺪﻗﺔ اﻟﻔﻄﺮ ﻗﺒﻞ اﻟﺼﻼﺓ"، رواه ابن أبي شيبة.
ولا يقال: إن ابن عباس إنما أراد أنها تؤدى قبل الصلاة مطلقا لينفي أداءها بعد الصلاة، فقد روى عبد الرزاق عن اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ قال: "ﺇﻥ اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ ﻓﺄﻟﻘﻮا ﺯﻛﺎﺗﻜﻢ ﺃﻣﺎﻡ اﻟﺼﻼﺓ ﺃﻭ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﺼﻼﺓ، ﻳﻌﻨﻲ ﺻﻼﺓ اﻟﻔﻄﺮ".

- وما جاء عن أنهم كانوا يخرجونها قبلها بيوم أو يومين، فإنما ذلك لمحل تيسرها، وحضور من يجمعها، ولذا روى عبد الرزاق ﻋﻦ ﻧﺎﻓﻊ ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻳﺨﺮﺝ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺼﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﻳﺠﻠﺲ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻘﺒﻀﻮﻧﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﻄﺮ ﺑﻴﻮﻡ ﺃﻭ ﻳﻮﻣﻴﻦ".
وعند ابن زنجويه: في الأموال عن ﻧﺎﻓﻊ ﺃﻥ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻛﺎﻥ ﻳﺒﻌﺚ بزكاة اﻟﻔﻄﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﺬﻱ ﺗﺠﻤﻊ ﻋﻨﺪﻩ ﻗﺒﻞ اﻟﻔﻄﺮ ﺑﻴﻮﻣﻴﻦ ﺃﻭ ﺛﻼﺛﺔ".
فكان ذلك لحضور من يجمع الصدقات ويقبضها.
- ولهذا كان علماء أهل بيت ابن عمر يخرجونها غدوة، وهم أعرف الناس بعلم أبيهم، كما روى عبد الرزاق عن ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻗﺎﻝ: "ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺳﺎﻟﻢ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺋﻨﺎ ﻭﺃﺷﻴﺎﺧﻨﺎ، ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻳﺨﺮﺟﻮﻧﻬﺎ ﺇﻻ ﺣﻴﻦ ﻳﻐﺪو".

- وكان اﻟﺰﻫﺮﻱ يقول: "ﻻ ﺑﺄﺱ ﺃﻥ ﺗﺆﺩﻭا ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻗﺒﻠﻪ ﺑﻴﻮﻡ ﺃﻭ ﻳﻮﻣﻴﻦ ﺃﻭ ﺑﻌﺪ اﻟﻔﻄﺮ ﺑﻴﻮﻡ ﺃﻭ ﻳﻮﻣﻴﻦ".
وأما هو فكان  يؤخر ذلك ليوم العيد، ولذا ﻗﺎﻝ معمر: "ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺨﺮﺟﻬﺎ ﻫﻮ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﻐﺪﻭ"، وجاء عنه مرسلا مرفوعا إلى النبي ﷺ أن ذلك السنة، رواها عبد الرزاق.

٣ • وهذا هو المعروف عن فقهاء التابعين: 
- فعن ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﺑﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻗﺎﻝ: ﺭﺃﻳﺖ سعيد ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ "ﻳﺨﺮﺝ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ" رواه ابن زنجويه في الأموال.
- وعن ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ: "ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﺯﻛﺎﺓ اﻟﻔﻄﺮ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ اﻟﺠﺒّﺎﻧﺔ".
 - وﻛﺎﻥ ﺃﺑﻮ ﻧﻀﺮﺓ «ﻳﻘﻌﺪ ﻳﻮﻡ اﻟﻔﻄﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﺠﺪ اﻟﺤﻲ، ﻓﻴﺆﺗﻰ ﺑﺰﻛﺎﺗﻬﻢ ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻲ ﻓﻴﺆﺗﻰ ﺑﺰﻛﺎﺗﻪ، ﻓﻴﻘﺴﻤﻬﺎ ﻓﻲ ﻓﻘﺮاء اﻟﺤﻲ، ﺛﻢ ﻳﺨﺮﺝ". رواها ابن أبي شيبة.
-  وجاء ذلك عن عطاء وأبي سلمة وعكرمة كما عند عبد الرزاق.

٣ • ولأنه وقت الوجوب المتفق عليه بينهم، والأصل أن أداء العبادة في وقت وجوبها أفضل، والتعجيل بخلاف الأصل في العبادات المؤقتة.
٤ • ولأنها مضافة للفطر، والفطر إنما يكون في النهار، أي زكاة الفطر من رمضان بوجوده نهار العيد، ﻷﻥ اﻟﻠﻴﻞ ﻟﻴﺲ ﻣﺤﻼ ﻟﻠﺼﻮﻡ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺘﺒﻴﻦ اﻟﻔﻄﺮ اﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺑﺎﻷﻛﻞ ﺑﻌﺪ ﻃﻠﻮﻉ اﻟﻔﺠﺮ.

٥ • وأما نصوص الفقهاء من المذاهب فمتوافرة متكاثرة، وانظر منها: المبسوط ٣/ ١٠٢، وتبيين الحقائق ١/ ٢٢٤، والمدونة ١/ ٣٨٥، والذخيرة ٣/ ١٥٧، الفواكه الدواني ١/ ٣٤٩، وتحفة المحتاج ٣/ ٣٠٨، والمغني ٣/ ٨٨، وكشاف القناع ٢/ ٢٥٢.


والعلم عند الله.