الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

أحبولة التحريش


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
وبعد
فإن في رصَد الشيطان للإنسان عجائب يمده بها تاريخه وتجربته الطويلة الإغواء والإضلال والتزيين.
تراه يغريه بتفاريق من السبل؛ يطّلع عليه حيناً بسبيل شهوة حسية، وحيناً يطرق عليه باب شبهة قلبية، وثالثة يلِج عليه من طريق الحق والسنة والغيرة الدينية!
إي وربي من طريق الغيرة الدينية !

فيُخاتله بأمر من دين الله ليُهَدئ من نِفاره!
حتى يَسْكُن .. ثم يقذف به في أحبولته.

فإن مِن الناس مَن لو أريد على دينه لحملقت عيناه غضباً!
لكنه ذو غفلة عن خدع الشيطان وأحابيله، يلقي إلى الشيطان مقادة رأسه دون أن يشعر..
يُسَكّنه الشيطان ويضرب على ظهره يطمئنه.. ويمد له من المكر مداً، حتى يوقعه في خَفضةٍ من السوء..
وإن من تعاجيب تلك الحيل ما يُلبسه على بعض أهل الديانة في لبوس الانتصار للحق والغيرة على الشريعة..
فتراه هناك وقد صارم إخوانه، وَوَتّر لهم قوس العداوة، وصعّر لهم خده، وفلق لهم الحنظلة..
حتى إذا كشفت عن سبب المصارمة وعلة القطيعة؛ ألفيته في أمر اجتهادي لا قطع فيه ولا جزم، بل ستجده مما ساغ فيه اختلاف المصلين..
وكم هنا من مصارع للأُخُوة ..
وقف على أطلالها الشيطان يفرك كفيه فرحاً بما نال.. !

لقد كشف شيخ الإسلام ابن تيمية ستراً رقيقاً عن وجه الفُرقة، وسفر عن علامتها، ومحلها من الدين.

فقال رحمه الله:
"ﻭﻛﻞ ﻣﺎ ﺃﻭﺟﺐ ﻓﺘﻨﺔً ﻭفرقةً ﻓﻠﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ! -ﺳﻮاء ﻛﺎﻥ ﻗﻮﻻً أﻭ ﻓﻌﻼً- ..
ﻭﻟﻜﻦ اﻟﻤﺼﻴﺐ اﻟﻌﺎﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻦ اﻟﻔﺘﻨﺔ، ﻭﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻬﻞ اﻟﺠﻬﻮﻝ ﻭظلمه ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﺄﻭﻝ، ﻭﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺫاﻙ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺘﺄﻭﻻً ﻓﺨﻄﺆﻩ ﻣﻐﻔﻮﺭ ﻟﻪ !
ﻭﻫﻮ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺼﻴﺐ ﺑﻪ ﻣﻦ ﺃﺫﻯ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﻓﻌﻠﻪ ﻟﻪ ﺃﺟﺮ ﻋﻠﻰ اﺟﺘﻬﺎﺩﻩ، ﻭﺧﻄﺆﻩ ﻣﻐﻔﻮﺭ ﻟﻪ!..".
(الاستقامة 38 / 1).
رحمك الله يا أبا العباس..
عد معي - نتحسس كلمات شيخ الإسلام- وننظر إليها قائمةً وقاعدةً..
ستراه يؤكد مرة بعد أخرى على شأن الأخوة الإيمانية، ويُذَكّر بإعذار المخالفين، ويحفل بترطيب القلوب على المؤمنين.

تأمل قوله حين ذكر ظلم الظلوم وجهله ثم تدارك فقال:
"وأما إن كان ذاك أيضاً متأولاً؛ فخطؤه مغفور له وهو فيما يصيب به من أذى ..".
يا لله .. يظلم ويجهل ويؤذي ومع هذا -يَدُق شيخ الإسلام لنا السيف على المنبر، ويُذكرنا بأخوة أهل الإيمان وإن بغوا! .
إن للأخوة الإيمانية ندى إن نزل بالقلب ولامسه.. لان القلب للمؤمنين، وتلمس موجبات العفو عنهم، وتطلب لهم أسباب المغفرة..

هل تريد أن ترخي بأذنك لتسمع صدى ذلك -مرة أخرى- وأن تشهده من كلام ابن تيمية، وهو يتحدث عن قومٍ قد ركبوا بدعة من البدع فابتلوا بسماع الصوفية ورقصهم..
يقول عنهم شيخ الإسلام:
"ﻭاﻟﺬﻳﻦ ﺷﻬﺪﻭا ﻫﺬا اﻟﻠﻐﻮ ﻣﺘﺄﻭﻟﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻟﺼﺪﻕ ﻭاﻹﺧﻼﺹ ﻭاﻟﺼﻼﺡ؛ ﻏﻤﺮﺕ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﻢ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﻢ ﻓﻴﻪ ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﺃﻭ اﻟﺨﻄﺄ..".
(الاستقامة 297 / 1)

لاجرم .. أن هناك من سيزعم أنه مستمسك بعروة منهج السلف وطرقتهم في التعامل مع أهل البدع..
وسيجعل من شبر خلافه ميلاً..
وسيدّعي أن سبيل خصومته مع مخالفيه سبيل الاختلاف في أصول الملة وجذر المنهج..
فهب أن خلافك مع خصومك كما ذكرت، وأنها خصومة دينية في مسألة أصولية عقدية..

أين أنت من أئمة الدين الكبار؟
في حكمة خلافهم وتقديرهم لقدره..

"كان عبد الرحمن بن صالح الأزدي يغشى مجلسَ أحمد بن حنبل وكان يترفض، فقيل له في ذلك..
فقال:سبحان الله!
رجل أحب قوماً من أهل بيت النبي ﷺ نقول له لا تحبهم هو ثقة".
(تاريخ بغداد 261/10).

واستمع قصةً لأحمد بن حنبل مع عالم كان ينتحل الإرجاء، كيف عامله ولاطفه حتى أقبل على السنة ونصرها..
كان موسى بن حزام شيخ البخاري من العلماء الذين عثرت بهم أقدامه في نحلة الإرجاء، فأعانه الله بأحمد حتى رجع إلى السنة والذب عنها.( تهذيب التهذيب 341/10 ).
ولا أزال أجد برد هذا الموقف على فؤادي، وألمس أثره على قلبي.
أحمد المتصلب في دين الله، الذي شمخ في الفتنة المأمونية وما بعدها، ولم يتزلزل ولم يتنازل..
أحمد الذي هجر بعض أئمة السنة حين أجابوا في المحنة..
وله الكلمات المشتهرات في الإغلاظ على أهل الرأي التاركين للأثر..
ما باله يرخي جناحه لذلك المرجئ؟ ويرفق به؟

إنه باب من أبواب الحكمة في التعامل مع المخالف، وضرب من أنواع طرق الدعوة للسنة، يلين تارة ويصلب تارة، ويرعى في كل مرة جناب نصرة الشرع وإحياء السنة.

أفي غفلة نحن عن مواقف شيخ الإسلام ابن تيمية، من لا يكاد يُسبق في كثرة ما كتب ورد ونقض من مقالات المبتدعة ..
تراه يَعْبر هذا الباب وهو يرمق مصلحتين اثنتين لا يجاوزهما إلا مِعْور!
- لقد كان -رحمه الله- يبني سياج السنة ويليْط حياضها للواردين صفواً لا كدر فيه.. ثم لا ينسى بسط العذر لمن عثرت به قدمه أو تأول أو أراد أمراً ولم يبلغه.
ودعني -أيها القارئ الكريم- أقف على حرف من حروف الشيخ وهو يمضي يأخذ بأيدينا لتلمس هذا النهج..

يقول:
"ﻓﻤﻦ ﻧﺪﺏ ﺇﻟﻰ ﺷﻲء ﻳﺘﻘﺮﺏ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ، ﺃﻭ ﺃﻭﺟﺒﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺃﻭ ﺑﻔﻌﻠﻪ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﺮﻋﻪ اﻟﻠﻪ ﻓﻘﺪ ﺷﺮﻉ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺄﺫﻥ ﺑﻪ اﻟﻠﻪ، ﻭﻣﻦ اﺗﺒﻌﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻓﻘﺪ اﺗﺨﺬﻩ ﺷﺮﻳﻜﺎ ﻟﻠﻪ ﺷﺮﻉ ﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﺪﻳﻦ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺄﺫﻥ ﺑﻪ اﻟﻠﻪ!"
تأمل هذا الهدم لبناء البدعة، والتشنيع على أهل الانحراف..
ولكن هل انتهى به القول هنا ؟
كلا..
- لقد أراد شيخ الإسلام أن يبين لنا مع ما سلف، أن معاملة المخالف باب آخر، فقد يجتهد بعضهم لنيل السنة ثم لا يصلها، وربما سعى لتناول العروة فلا تستمسك في يده..

فيكمل شيخ الإسلام ويقول:
"ﻧﻌﻢ ! ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺘﺄﻭﻻً ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺸﺮﻉ ﻓﻴﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻷﺟﻞ ﺗﺄﻭﻳﻠﻪ، ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻣﺠﺘﻬﺪاً اﻻﺟﺘﻬﺎﺩ اﻟﺬﻱ ﻳﻌﻔﻰ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ اﻟﻤﺨﻄﺊ ﻭﻳﺜﺎﺏ ﺃﻳﻀﺎ ﻋﻠﻰ اﺟﺘﻬﺎﺩﻩ"..
يا لله.. رحمك الله يا أبا العباس..

ثم يعود شيخ الإسلام ليحوط بناء السنة فيقول بعد ذلك:
"ﻟﻜﻦ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﺗﺒﺎﻋﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻛﻤﺎ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﺗﺒﺎﻉ ﺳﺎﺋﺮ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺃﻭ ﻋﻤﻞ ﻗﻮﻻً ﺃﻭ ﻋﻤﻼً ﻗﺪ ﻋُﻠﻢ اﻟﺼﻮاﺏ ﻓﻲ ﺧﻼﻓﻪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ اﻟﻘﺎﺋﻞ ﺃﻭ اﻟﻔﺎﻋﻞ ﻣﺄﺟﻮﺭاً ﺃﻭ ﻣﻌﺬﻭﺭاً ".
(اقتضاء الصراط 82/2)
وأما مواقف ابن تيمية مع خصومه وإعذارهم والتأول لهم فهي منك على طرف الثُمام؛ ليست تحتاج إلى نقب وبحث!.

انظر موقفه ممن آذوه وسجنوه وأفتى بعضهم بقتله، فلما عاد الملك الناصر للسلطنة، أتى بالشيخ إلى القاهرة، واحتفى به في مجلسه وأكرمه واختلى به في شرفة من الشرف، ونقل تلميذه ابن كثير تلك الواقعة فقال:"ﻭﺳﻤﻌﺖ اﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ اﻟﺪﻳﻦ ﻳﺬﻛﺮ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﻟﻤﺎ اﻧﻔﺮﺩا ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﻟﺸﺒﺎﻙ اﻟﺬﻱ ﺟﺎﻟﺴﺎ ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻥ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ اﺳﺘﻔﺘﻰ اﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻗﺘﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻀﺎﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺗﻜﻠﻤﻮا ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﺧﺮﺝ ﻟﻪ ﻓﺘﺎﻭﻯ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻋﺰﻟﻪ ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻚ ﻭﻣﺒﺎﻳﻌﺔ اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ، ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻗﺎﻣﻮا ﻋﻠﻴﻚ ﻭﺁﺫﻭﻙ ﺃﻧﺖ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﺃﺧﺬ ﻳﺤﺜﻪ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻔﺘﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﺘﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺣﻨﻘﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﻮا ﺳﻌﻮا ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﻋﺰﻟﻪ ﻭﻣﺒﺎﻳﻌﺔ اﻟﺠﺎﺷﻨﻜﻴﺮ، ﻓﻔﻬﻢ اﻟﺸﻴﺦ ﻣﺮاﺩ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ!
ﻓﺄﺧﺬ ﻓﻲ ﺗﻌﻈﻴﻢ اﻟﻘﻀﺎﺓ ﻭاﻟﻌﻠﻤﺎء، ﻭﻳﻨﻜﺮ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻝ ﺃﺣﺪا ﻣﻨﻬﻢ ﺑﺴﻮء..
ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪ:
ﺇﺫا ﻗﺘﻠﺖ ﻫﺆﻻء ﻻ ﺗﺠﺪ ﺑﻌﺪﻫﻢ ﻣﺜﻠﻬﻢ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: ﺇﻧﻬﻢ ﻗﺪ ﺁﺫﻭﻙ ﻭﺃﺭاﺩﻭا ﻗﺘﻠﻚ ﻣﺮاﺭاً، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺸﻴﺦ: ﻣﻦ ﺁﺫاﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ ﺣﻞ، ﻭﻣﻦ ﺁﺫﻯ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻨﻪ، ﻭﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻧﺘﺼﺮ ﻟﻨﻔﺴﻲ، ﻭﻣﺎ ﺯاﻝ ﺑﻪ ﺣﺘﻰ ﺣﻠﻢ ﻋﻨﻬﻢ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻭﺻﻔﺢ.
ﻗﺎﻝ ﻭﻛﺎﻥ ﻗﺎﺿﻲ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ اﺑﻦ ﻣﺨﻠﻮﻑ ﻳﻘﻮﻝ: ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻣﺜﻞ اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺣﺮﺿﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻠﻢ ﻧﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻗﺪﺭ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﻓﺼﻔﺢ ﻋﻨﺎ ﻭﺣﺎﺟﺞ ﻋﻨﺎ".
(البداية والنهاية 61 /14)

بل أبلغ من ذلك أنه كان يمنع أصحابه من الانتقام ولو بالدعاء على من آذاه..
فحين ادُعي على الشيخ:"وطلب المدعي تعزيره التعزير البليغ -يشير إلى القتل على مذهب مالك- وخرجوا، ظل أخوه شرف الدين يدعو عليهم، فمنعه الشيخ وقال: بل قل: اللهم هب لهم نوراً يهتدون به إلى الحق".
(ذيل طبقات الحنابلة 512 / 4)

ولا تنس موقفه لما آوى علي بن يعقوب البكري حين أراد السلطان آذاه وسجنه.
(البداية والنهاية 114/14)..

وكان البكري هذا من خصوم الشيخ، وممن ألب عليه وتعدى..
"حتى وثب عليه مرة ونتش بأطواقه، وقال:احضر معي إلى الشرع فلي عليك دعوى.. وأراد جماعة الانتصار من البكري فلم يمكنهم الشيخ".
(ذيل الطبقات 517 /4)
هذا وهو ممن صنّف في تكفير الشيخ في مسألة الاستغاثة بالنبي ﷺ .
لكن الشيطان لن يحل عقدة التحريش بين المؤمنين حتى يتلعب ببعض أهل الدين ويجرهم بحبل التحزب ..
سيجعل مواقف السلف في هجر المبتدعة أصلاً مطرداً لا ينفصم، وسيحذفك -إن دللته لغير هذا- بالتهاون في السنة والضعف في الدين وتعظيم الرجال..

ولاشك أن زلزلة مقالات المبتدعة والرد عليهم وزجر من تلبس بالبدع قد بلغ خبرها في سير السلف مبلغاً لا ينكره إلا مكابر.
وهو قبل ذلك دليل على إجلال السنة في القلب، وتعظيم النبي ﷺ ولكن يجب أن لا نغفل عن أن هجر السلف لأهل البدع كان في وقت صولة الراية والرواية، وفي حال عز الإسلام وتمكين الشريعة..

وأين هذا من حال من يرى معسكر الشرق والغرب يقضم كل يوم بلداً من بلدان الأمة ويأكل رجالها ثم هو يشاغل أمته عن عادية الكفر بما هو دون..
فإن واجب الوقت يقضي بجمع القلوب وتألفها لكف يد الكفر ما استطاع المسلم إليه سبيلاً..
ولئن أصبحت مواقف علماء الأمة في تعظيم حق الأخوة الإيمانية ووزن الأمر بميزان القسط؛ لئن أصبحت من مفاخر هؤلاء الأعلام التي يجهر بها التاريخ غير متوارٍ..

فإن مما يعرق له جبين التاريخ حياء..أن من رجالات وشباب أمتنا من رأى اختيال الكفر بين ظهراني المسلمين..
ثم هو مع هذا يضرب أمته تفريقاً وتمزيقاً وتعصباً لقول شيخه أو حزبه أو جماعته..
هنيئاً له سوءة التاريخ التي ملأ بها كفيه -وإنها لهينة يسيرة- إن سلم صاحبها من خصومة نبيه ﷺ حين آذوه في أمته.
إن للحب والبغض والولاء والبراء ميزاناً منصوباً في قلب كل شخص، ما اختلت إحدى كفتيه ببغض من لا يستحق البغض، أو بزيادة على البغض الشرعي؛ إلا اختلت الكفة الأخرى بمحبة من لا يستحق المحبة، أو بزيادة على القدر المشروع فيها.
ولقد رأى الناس من هذا النوع أمراً عجباً، ترى أحدهم يبغي في بغض إخوانه أو يزيد على القدر المشروع من البراءة والخشونة بحجة خطئهم أو بدعتهم، فيبتلى بمحبة من هم شر ممن أبغض، وربما أصبح منتصراً للطغاة أو لأهل الفجور، أو لمن هم أعظم بدعة من الأولين، فإن الله قد جعل لكل شيئ قدراً.

وأمر آخر لا يحسن إغفاله في ختام هذه الأسطر..
إن للخصومة سخيمة تصبغ القلب بسوادها، ومن الشقاء هدم ساعات العمر وأيامه بملاحقة شوارد النقاشات وتتبع قول الخصم والرد عليه والرد على الرد، قال سفيان الثوري وهو يوصي صاحباً له:"إياك والأهواء، وإياك والخصومة، وإياك والسلطان".
(حلية الأولياء 28/7)

وأخيـــراً
فهل في قولي هذا توهين من شأن الابتداع، أو مصادرة لسنة السلف في زجر وهجر أهل البدع؟
لقد خاب والله من رقّ لديه ما عظّم السلف الصالحون..
لكن إنما أردت التذكير والوصية لنقدر الأمر قدره، ونرتب أوليات الخصومة ونتدارس درجاتها، ونعظ أنفسنا ومن حولنا بحقوق أخوة الإسلام ومنزلتها وشأنها.


- محمد آل رميح.
@mohdromih

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق