الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

موافقة المشركين أنواع وتقاسيم

 دلت النصوص الشرعية أن جنس مخالفة المشركين مقصود للشارع في الجملة، ولكن دلت النصوص أيضاً أن موافقة المشركين لها أنواع وتقاسيم وليست على وزن واحد في الحكم والوصف، بل لها رتب تتدرج فيه.. ولهذا قلت: جنس مخالفة المشركين، ولم أقل مخالفة المشركين. والفرق واضح بينهما والواجب على أهل الفضل تأمل تلك الرتب، وتفريق أحكامها بافتراق صورها.

 

فمن الموافقة ما تكون كفراً و ردة-عياذاً بالله-ومنها ما تكون معصية ومنها ما دون ذلك حتى تكون خلاف الأولى والأفضل.. بل إن من موافقة المشركين ما هو مباح سائغ.. كما سيأتي بيانه.

فموافقة المشركين على أمر كفري كفر على حياله وأُعطي لقب"الموافقة" لبيان الحال وكشفه. وهذه الموافقة للكفار على أمر دينهم لها صور، كموافقتهم بإظهار الغبطة بدينهم ومشاركتهم في تعبداتهم وما هو من جنس ذلك. وكلام أهل العلم في نقض الإسلام بالموافقة هو في هذا الباب، ويدل على ذلك إجماعهم على عدم التكفير بأنواع أخرى من الموافقة.. ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين:"خالفوا المشركين ووفروا اللحى" فإن حلقها من موافقة المشركين بدلالة الحديث وهو ليس كفراً بلا إشكال.

ومن ذلك حرمة الشطرنج بلا تكفير لصاحبها بالإجماع، وهي ملهاة وردت من الكفار، وفيها من اصطلاحاتهم وقوانينهم ما ليس له عِلْق بدينهم ولم تكن الموافقة في هذه الهزالة من وجوه الردة. ومن ذلك الصلاة في وقت النهي، فقد دلت النصوص في الصحيحين وغيرهما على حرمة ذلك وعلل النبي ﷺ ذلك بالمنع من موافقة المشركين في توقيت صلاتهم، وهو ليس كفراً بلا خلاف وهذا واضح بين.

ومن موافقة المشركين ما هو دون ذلك كما ثبت في الصحيحين:"إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم". والصبغ ليس واجباً عند جماهير السلف، مع دلالة الحديث على أن عدم الصبغ موافقة 

ومن ذلك ما ثبت في السنن:"خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم" وهو سنة بالإجماع؛ بل إن النبيﷺ"كان يصلي حافياً ومنتعلاً"كما في السنن 

ومن الموافقة التي وقعت للكفار في أمر دنيوي لا تعلق فيه بأمر دينهم، ما ثبت من تدوين عمر للدواوين، وهي طريقة فارسية ولفظ فارسي ولم تكن هذه الموافقة المجردة مما يذم به صاحبه.. وأصرح من ذلك، أن النبي وصحابته تعاملوا بسكة الكفار في دنانيرهم ودراهمهم، وعليها صور ملوكهم ولم تكن هذه الموافقة في السكة والوزن والمعيار النقدي من الموافقة المحرمة مع وجود الصورة المحرمة، ولكن لما عسر وتعذر سك نقود في أول تاريخ المسلمين، تسومح في ذلك ولم تثقل فيه العبارة. بل من جليل ذلك أن النبيﷺحين ورد عليه رسل مسيلمة وهم مرتدون قال:"لولا أن البُرد لا تقتل لقتلتكما"كما في السنن.

فلما كان للمسلمين مصلحة في عدم قتل الرسل، حتى يأمن المسلمون أيضاً على رسلهم، ترك النبي ﷺ إقامة حد الردة 

تركاً جزئياً؛ وفيه موافقة للعرف الحربي الجاري في تلك الأيام. ومن ذلك ما ثبت في الصحيح من محو النبيﷺ"لاسم الرحمن الرحيم"من وثيقة الصلح مع ووافقهم على ترك ذلك، ولم تكن موافقة ممنوعة لأنه لم يكتب باطلاً، ولكنه كتب"باسمك اللهم".. وترك الاسم الأفضل والأكمل.

ومن ذلك ما روى القاسم بن سلام في كتاب الأموال"أن نصارى تغلب أنفوا من اسم الجزية لما أراد عمر أن يضربها عليهم؛ وقالوا: نحن قوم من العرب لا نعطيها جزية، فصالحهم عمر فأضعف عليهم الصدقة"وحكاه ابن قدامة إجماع الصحابة.

فلو تأملت صنيع عمر وكيف ترك اسم الجزية تركاً جزئي وإن من الأمور التي أنكرناها وتعجبنا منها تلك الألفاظ المجملة التي استعملها بعض المجاهدين في مواثيقهم، لما فيها من موافقة مشكلة موافقة لنصارى تغلب، وحذار من بأسهم بمعاونة الكفار لو خرجوا من بلاد المسلمين، لرأيت أن ذلك على منوال الشرع، وليس فيه نقض للديانة للكفار، ومع هذا فإن مثل هذه الموافقة ليست كما قد يظن بعض الأفاضل بأن يبلغ بها نقض الإسلام وحل عقدته..

 

ولو فحصت مثلاً لفظاً كلفظ القانون وما له من إطلاق عرفي معاصر، مقابل في أحيان كثيرة للشرع؛ لقلت: إن في هذا اللفظ موافقة للكفار، وقد يرد مخالفك فيقول:ولكنه لفظ معلوم المعنى في هذا العصر بمعنى النظام والضبط، وهو قريب من استعمال علماء الإسلام له.. كما جاء استعماله عند فقهاء الأمة وعلمائها كابن العربي وابن حزم بمعنى القاعدة المطردة والأمر الكلي، وسمى الإمام ابن جزي كتابه الفقهي ب(كتاب القوانين الفقهية)، وسمى الماوردي كتابه ب(قانون الوزارة) .

فمع تحفظي الشديد على مثل هذه الألفاظ في هذا الوقت؛ لما يلابسها من عهد ذهني عند إطلاقها، ولكن الأشد أن تجعل بمجردها مناطات تكفير للمسلمين ولا يصح أن يجعل الترك وعدم التصريح في مثل هذا من مناطات الكفر.. وهو عين ما أنكره ابن عباس على الخوارج كما ثبت عند البيهقي:"أن الخوارج قالوا لعلي بن أبي طالب حين محى اسمه من إمرة المؤمنين في الصلح..قالوا: محوت اسمك من إمرة المؤمنين فأنت أمير الكافرين! 

فناظرهم ابن عباس بفعل النبيﷺفي الحديبية" فانظر كيف جعل الخوارج ترك بعض الأسماء الشرعية مناطاً للتكفير. وما قد يذكره بعض الفضلاء من أن للسياق دلالاته وللحال أماراته؛ فهذا أمر لا يكون في باب من أعظم الأبواب وأخطرها باب التكفير، لاسيما أن كاتب تلك الألفاظ يتبرأ من غير حكم الشريعة ويعلن في حاله وفعاله انقياده لحكاكميتها..

 

كتبت هذه الكلمات تعقيباً على بعض الفضلاء ومثلي لا يتعقب مثله، والله المستعان.

محمد آل رميح

@mohdromih


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق