الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

المنهج القرآني في نقد أهل الفضل .


     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله :
أما بعد ..
فمما قد علم في بداهة المعتقد أن مطلق العصمة منتفية عن غير الأنبياء، وما من صاحب فضل وشرف إلا وهو محل نقد وتعقب .

والمتأمل للنقد القرآني لأهل السابقة والتضحية والغَنَاء في الإسلام؛ يجده يعلو على غيره بحسب مالهم من الشرف والرفعة .
فتأمل ما جاء في سورة البقرة في قصة الصحابة حين قاتلوا في الشهر الحرام، فشنّع عليهم المشركون، وقالوا :" محمد وأصحابه يحلون الشهر الحرام"
(تفسير الطبري ٣ / ٦٥٤)
فكيف كان النقد القرآني لهذا الغلط ؟
• لقد بين القرآن خطأهم، ولم يهدر بيان الحق فقال الله :" قل قتال فيه كبير" .
• لكن تأمل الاقتران العظيم في ذلك العتاب الكريم؛ لقد اتبع ذلك بذم الكافرين والطغاة المتجبرين من قريش، وذم فعالهم، حتى لا ينحاز الذهن على المصلحين حين النقد، فيتكره لهم ولا يتزن معيار الخطأ، فقال تعالى : "وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل" .
فإذا قرأ أحد هذا النقد اطلع أيضا وعرف من هو أعظم جرماً وخطأً .
وإذا رأيت من يسعى ويحفد في نقد أهل الفضل؛ يجهد في تتبع سقطاتهم ويركض في البحث عن نقائصهم، ثم رأيته يغضي عن أهل الفساد فقد ركب مركب جهالة، وخالف كمال الاتباع لمنهج النقد القرآني.

• ثم تأمل معي كيف عُقّب ذلك النقد بذكر المدائح والفضائل، فحين عتب الله على المؤمنين في صنيعهم وبين خطأهم وزللهم، أتى لذكر منقبتهم وثنى بفضلهم، وهذا من حفظ اتزان التصور، وضبط مشاعر الحب والبغض، فإنه ربما سبق إلى القلب جهامة النقص الذي وقعوا فيه؛ واستولى سلطان النقد على النفس، دون استصحاب للمدائح والمآثر وتذكر للفضائل والمناقب، فقال: " إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله" .

•• ثم تدبر معي ما جاء في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً " 
• ففيها عتاب رباني للصحابة الذين تأولوا، فقتلوا رجلاً مسلماً بعدما سلم عليهم، ظنوه كافرا .
( البخاري ٤٥٩١ - ومسلم ٣٠٢٥ )

 لكن انظر كيف عقب الله ذلك بأعظم الآيات في مدحهم : "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله .. "
وهذا ارتباط عظيم، يجلي لك منهجاً غائباً عن بعض الناقدين لأهل الفضل والعلم، فإن اقتران النقد بذكر الفضيلة مما يحمي النفس أن تتجنف عن إخوانها إذا رأت عيوبهم ولم تبصر خيرهم وفضلهم .

وهي طريق قرآنية متكررة في عتاب أصحاب الرتب الإيمانية العالية؛ من الأنبياء فمن دونهم، ففي عتاب الله لنوح : " إني أعظك أن تكون من الجاهلين" 
عُقب السياق بقوله تعالى :" يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك".
ومثله ما جاء في عتاب النبي ﷺ في سورة الأحزاب، حين قال تعالى عن نبيه ﷺ : "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" 
فلم يخلُ السياق من التنويه بشأنه ﷺ وذكر علو مقامه عند ربه، فقال الله بعد ذلك بآيات : "إن الله وملائكته يصلون على النبي "

ومثل ذلك ما جاء في عتاب الله لنبيه ﷺ في قوله تعالى: " ولا تكن للخائنين خصيماً " في قصة بني أبيرق المشهورة، فجاء بعدها ببضع آيات : "وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً "
إذا تأملت هذا بان لك عظيم شطط من تراه صاعر الخد على أهل الدين؛ ضارع الجبين على المفسدين، إن وجد فجوة على أهل الفضل والسابقة والتضحية نصّ وإن وجد حسنة غصّ .

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله وصحبه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق