الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

(ولاية الرجل على المرأة.. بين إحكام الدين وتأويل المبطلين)

             بسم الله الرحمن الرحيم
              
     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أسمعتم ذلكم الضجيج؟
أسمعتم أولئك الذين يريدون أن تلقى الحبال على الغوارب؟
أرأيتم دعوات المطالبين بإسقاط ولاية الرجل عن المرأة؟
أرأيتم هجنة قولهم؟ وشناعة مطالبهم؟ كيف يميلون بأعناقهم ويروغون، حتى زعم زاعمهم أن ولاية الرجل عادة ما أنزل الله بها من أثارة من علم؟!
• وهذه مقالة مختصرة في بيان بعض حكم هذه المسألة، وسرد بعض أدلتها، ليعلم القوم أن ولاية الرجل على المرأة شريعة مُحْكمة، جاءت النصوص بحفظها وتقريرها، وتكاثرت أدلتها، وأجمعت على جنسها الأمة.
وفيها رد على زعم المبطلين حين زعموا أنها أعراف وعادات فرضها الرجال على النساء بغير بينة، وتسلط ذكوري كما يريد أن يصَوّرها المبطلون.
وستجد أنها ليست مسألة اجتهادية؛ اجتهدها علماء المسلمين في عصر من العصور وقلدهم فيها المقلدون، كما يكيد المبدلون أن ينشروه ليهون على الناس ردها بعد ذلك.
وسأختمها بخاتمة أنبّه فيها أنه قد أُلصق بالولاية ما ليس منها، وضم إليها ما ليس يثبته دليل، وجعلها بعض الظلمة سبيلا يظلم بها المرأة، ويعسفها عن حقها.
- والولاية هنا جنس يدخل تحتها فروع من الأحكام:
كوجوب طاعة الزوج في غير ما معصية ﷲ ولا مضارّة على الزوجة، وولاية النكاح، وولاية التأديب التي جاءت بها الآية، وولاية حل عقدة النكاح بالطلاق، ووجوب المحرم في سفرها، وغيرها.
ولما كانت مسألة (طاعة الزوج على الزوجة) من أوضح ما ردّه هؤلاء المبطلون من مسائل الولاية وناكدوا فيه، وأرادوه على التبديل والتغيير؛ فسأنصب الحديث في شأنها، وسأذكر من الأدلة ما يظهر زيف دعوى القوم، ويهتك حُجُب قولهم، ويعري زعمهم، ليصبح نِضوا بغير ستارة.

• اقرأ قول ﷲ تعالى: "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن (فإن أطعنكم) فلا تبغوا عليهن سبيلا".
وتأمل قوله تعالى: (فإن أطعنكم)
ثم انظر كيف جعله الله غايةً يقف عندها التأديب، وحدا ينتهي إليه، فإنك إذا تأملت ذلك علمت دلالة هذه الآية على وجوب طاعة الزوج على زوجته، حتى اقتضى التأديب إن تخلّفت الطاعة، وفرّطت المرأة فيها.

• وتأمل أيها المؤمن ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال النبي ﷺ: "ﺇﺫا اﺳﺘﺄﺫﻧﻜﻢ ﻧﺴﺎﺅﻛﻢ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻓﺄﺫﻧﻮا ﻟﻬﻦ".
ففيه دليل بيّن على أن أمر الاستئذان للخروج من البيت بيد الرجل، حتى وجب ذلك على المرأة إذا أرادت الخروج إلى أشرف الأماكن، وفي هذا دلالة على وجوبه فيما دون ذلك من الخروج للأمر المباح.

• وانظر أيضا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي ﷺ: "ﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻠﻤﺮﺃﺓ ﺃﻥ تصوم ﻭﺯﻭجها ﺷﺎﻫﺪ ﺇﻻ ﺑﺈﺫﻧﻪ".
فانظر كيف أُمِرت المرأة أن تستأذن زوجها في عبادة من عبادات التطوع، ونافلة من النوافل، فإنه لعظيم حق زوجها عليها أُمِرت أن لا تكون على حال قد تمتنع عن فراشه ولو بمانع شرعي كالصوم إلا بإذنه، وفي هذا دلالة على ما دون ذلك من أمور المباحات كالخروج من البيت والسفر ونحوه.

• ومما يزيد هذا الأمر وضوحا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي ﷺ: "وﻻ ﻳﺤﻞ للمرأة أن ﺗﺄﺫﻥ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﺇﻻ ﺑﺈﺫﻧﻪ".
وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة النبي ﷺ في حجة الوداع في ذكر حق الزوج قال: "ﻭﻟﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻦ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻮﻃﺌﻦ ﻓﺮﺷﻜﻢ ﺃﺣﺪا ﺗﻜﺮﻫﻮﻧﻪ".
وهذا يدل على أن طاعة الزوج تعظم على الزوجة حتى لا يحل لها أن تأذن لأحد يدخل عليها، ولو من أقاربها ممن يكرههم الزوج، وإذا حرم على الزوجة أن تدخل أحدا في بيت زوجها بغير إذنه، فكيف بخروجها هي بغير إذنه؟
• وفي الصحيحين قال النبي ﷺ: "ﺇﺫا ﺩﻋﺎ اﻟﺮﺟﻞ اﻣﺮﺃﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻓﺮاﺷﻪ ﻓﺄﺑﺖ، ﻓﺒﺎﺕ ﻏﻀﺒﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻟﻌﻨﺘﻬﺎ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺒﺢ".
وأنت إذا علمت أن حق الفراش مشترك بين الزوج والزوجة، علمت عظيم حق الزوج، حين جاء هذا التغليظ الشديد لامتناعها عن أمر من مقتضى عقد النكاح، مع أن الزوج لو فرّط في حق زوجته في الفراش كان آثما أيضا، وإنما جاء ترتيب تغليظ التقصير بحسب رتبة الفضل.

• وقد كان زوجات النبي ﷺ على هذا الأمر الرشيد، فتأمل ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة وهي تحكي قصة الإفك، حين أخبرتها أم مسطح بما يخوض به أهل الإفك، ﻓﻘﻠﺖ للنبي ﷺ: ﺃﺗﺄﺫﻥ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺁﺗﻲ ﺃﺑﻮﻱ؟
ﻗﺎﻟﺖ: ﻭﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺳﺘﻴﻘﻦ اﻟﺨﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻬﻤﺎ، ﻗﺎﻟﺖ: ﻓﺄﺫﻥ ﻟﻲ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ".

يا الله!
فمع عظم ما أصاب الصديقة بنت الصديق، وكبر ما سمعته عائشة رضي الله عنها، وشدته على نفسها، وكان مقصدها التثبت مما سمعت، ومع هذا لم تخرج من بيتها إلا بإذن النبي ﷺ.

• وقد كانت زوجات النبي ﷺ يحافظن على ذلك حتى في أمر عبادتهن كالاعتكاف، فقد ثبت في البخاري ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ: "ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺫﻛﺮ ﺃﻥ ﻳﻌﺘﻜﻒ اﻟﻌﺸﺮ اﻷﻭاﺧﺮ ﻣﻦ ﺭﻣﻀﺎﻥ فاﺳﺘﺄذنته ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﺄﺫﻥ ﻟﻬﺎ".

• وأما استئذان زوجاته في الأمر من أمور دنيانهن؛ فقد ثبت في صحيح مسلم عن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺃﻥ ﺃﻡ ﺳﻠﻤﺔ اﺳﺘﺄﺫﻧﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ، ﻓﺄﻣﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﺑﺎ ﻃﻴﺒﺔ ﺃﻥ ﻳﺤﺠﻤﻬﺎ"، قال: حسبت أنه كان أخوها، أو غلاما لم يحتلم".

• وأمر الولاية ليس خاصا بمن تحرم على الولي فحسب، فثبت في الصحيحين عن عروة أنه سأل عائشة عن قوله تعالى :" وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء "، قالت: "هي اليتيمة في حجر وليها فيرغب في مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها، فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، ثم استفتى الناس رسول الله ﷺ بعد، فأنزل الله :"ويستفتونك في النساء".

• والولاية ليست تختص بولاية النكاح كما يريد أن يموه به المبطلون، بل ثبت في مسلم عن عمران بن الحصين في قصة الجهنية التي زنت وحملت وأرادت أن يقام عليها الحد، قال: "فدعا النبي ﷺ وليها، فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها"، ففعل.
فهذا حديث يظهر لك وظيفة من وظائف الولي في الشريعة، وأنها مرتبة إحسان ورعاية وقيام على المرأة.

فإذا نظرت في وجوه هذه الأدلة وتصفحت مآخذها ودلالاتها، رأيت موقعها من هذه الشريعة المطهرة.
وعلمت أن هؤلاء المنادين بإسقاط ولاية الرجل عن المرأة قد أتوا أمرا منكرا بردهم للأدلة الظاهرة في هذا.
وأنهم -في دعوتهم هذه- ليسوا يعارضون اجتهاد عالم أو قول فقيه! ولكنهم يعارضون قول رب العالمين، ويخالفون سنة نبيهم ﷺ.
ولكن أصحاب الهوى لا يأتون كفاحا فيردون دلالات الكتاب والسنة بواضحات الألفاظ، فهم يعلمون أن ذلك مجلبة لشناعة الناس عليهم، ونفرتهم منهم، ولكنهم يريْمون بين ذلك، وسبيلهم أن يدّعي مدعيهم: ما أردنا إلا ترك العادات المعارضة للحقوق!، ويقول قائلهم: إنما نبغي تنقية الدين من التقاليد!، ويأتي بعضهم يتكايس يقول: إنما نريد أن ندفع ظلم المرأة وأن نحفظ حقها، ليسهل بعد ذلك نقبهم لسياج الأمة وثلمهم لتدين المسلمين.
• هذا من جهة أصل حكم القوامة والولاية، فمن أخذها بحدودها في نصوص الوحي فقد استمسك بالميثاق، ومن اتخذها سبيلا لظلم موليته، والبغي عليها، وبسط الكف على حقها، فتلك كبيرة من كبائر الذنوب، ومعصية من عظائم المعاصي، ويكفي وازعا للمؤمن عن ظلم موليته ختام آية: "الرجال قوامون على النساء" فقد وعظ الله المؤمنين بقوله: "إن الله كان عليا كبيرا"!!، فما من أحد بغى على المرأة بولايته، وتسلط عليها بالظلم والتعنيف إلا لنقص استشعار علو الله وكبره في نفسه، وما هم بخيار هذه الأمة والله.
ولذا فليس من الولاية أن يتصرف الولي بما فيه مضرة بيّنة على موليته، وليس من الولاية أن يقبض على مالها بغير مقتضى من الشريعة، وليس من الولاية أن لا تخرج الفتاة من السجن إلا بإذن وليها، وليس من الولاية أن يمنعها مما جرى عرف مثيلاتها أنه من حق المولي، وليس من ولاية الأخ أن يطالب بما هو من حقوق الأب بما هو قدر زائد على الولاية، والتفاصيل التي تتبين ما يدخل في الولاية وما لا يدخل فيها منشور مذكور في كتب الفقه، وليس من شأن مقالة مختصرة كهذه أن تحيط بأطرافها، ولكن المقصود التنبيه أن ولاية الرجل كغيرها من الولايات لها حد وضبط، وربما بغى الولي بما لم تأذن له فيه الشريعة، فيأتي من يرى خطأه فيرد أصل الحكمالحكم، وذاك حنَف عن الطريقة وميل عن الجادة.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
كتبه/ أبو المثنى محمد آل رميح.
الرياض 
1437/11/17

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق