الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

• أوراق فقهية - ٦ - : ( الرد على من جوّز استرقاق المسلمات ) .

‏الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد..
فإن من الكلام كلاماً - لقبيح منظره وسوء مخبره - لو كان طيراً لكان رخماً ! ولربما لشدة وهائه وعظيم سقوطه يصبح ردُه ضرباً من الوهن..
ولكن من رأى عثرات الناس في عاثور البدعة والباطل أخذه البدار لرد كل ضلالة..
ومن ذلك ما رأيته من حديث بعضهم عن جواز ابتداء الاسترقاق على المسلمات! ومشروعية ضرب ملك اليمين عليهن! وأن المسلمة يجوز أن تقول لرجل: ملكتك نفسي ملك يمين على قدر من المال ! وتأخذ حينئذ أحكام الأرقاء..
وهذا التقرير باطل بالإجماع، والعلم بفساده من العلم الضروري لكل من له أدنى معرفة بدلالات الكتاب والسنة وكلام السلف.
- وذلك لأن الرق ضعف وعجز حكمي من آثار الكفر، فهو عقوبة للكافر على كفره، كما يعرفه الفقهاء. (البحر الرائق 239/4، مغني المحتاج 45/4 ).
- ولأن مقصود الرق الامتهان بالحبس عن كمال التصرف لسابقة الكفر، كما يعبر القرافي عن هذا فيقول:"مقصوده الامتهان والاستخدام والقهر بسبب سابقة الكفر أو مقارنته زجرا عنه".(الذخيرة 341/4).
- ووجه آخر يذكره السرخسي -رحمه الله- يقول:"الاسترقاق إتلاف حكمي، ومن جاز في حقه الإتلاف الحقيقي من الكفار الأصليين يجوز الإتلاف الحكمي بطريق الأولى؛ لأن فيه تحقيق معنى العقوبة بتبديل صفة المالكية بالمملوكية، وهو الأليق بحال كل كافر" (المبسوط 118/10).
- ووجه أعظم من ذلك، وذلك أن منع ابتداء الرق لا يقتصر على المسلم، بل ذلك ممنوع حتى في حق الكافر المعاهد فلا يجوز ضرب ملك اليمين عليه مادام موفياً بعقده..
يقول ابن تيمية:"فسبب الاسترقاق هو الكفر بشرط الحرب فالحر المسلم لا يسترق بحال؛ والمعاهد لا يسترق" (مجموع الفتاوى 380/31).
- وأعظم منه أن أهل الحرب لو استولوا على أهل ذمتنا، فسبوهم وأخذوا أموالهم، ثم قدرنا على أهل ذمتنا، وجب ردهم إلى ذمتهم، ولم يجز استرقاقهم، في قول عامة أهل العلم؛ وهو مذهب الشعبي ومالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق، قال ابن قدامة:"ولا نعلم لهم مخالفا؛ وذلك لأن ذمتهم باقية، ولم يوجد منهم ما يوجب نقضها" المغني 284/9.
- ومما يدل على ذلك توافر نصوصهم على أن اللقيط في دار الإسلام حر.
قال السرخسي:"اللقيط حر وهو المذهب أنه حر مسلم إما باعتبار الدار لأن الدار حرية، وإسلام فمن كان فيها فهو حر مسلم باعتبار الظاهر أو باعتبار الغلبة لأن الغالب فيمن يسكن دار الإسلام الأحرار المسلمون، والحكم للغالب أو باعتبار الأصل فالناس أولاد آدم، وحواء - عليهما السلام -، وكانا حرين فلهذا كان اللقيط حرا" (المبسوط 210/10).
- ومما يبين ذلك أن الحرية حق لله، لا يسقطها إلا الكفر، ولا يجوز أن يتلبس المسلم بضدها، فلو أقر لقيط أنه عبد لآخر لم يقبل، قال في المنتهى:" (وإن أقر به) أي: الرق (لقيط بالغ) بأن قال: أنا ملك زيد (لم يقبل) إقراره ولو صدقه زيد، أو لم يعترف بالحرية قبل ذلك، لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها، وكما لو أقر قبل ذلك بالحرية" (منتهى الإرادات 393/2).
-وأيضاً فإن الأصل في الآدميين الحرية، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحراراً، وإنما الرق للعارض فإذا لم يعلم ذلك العارض فله حكم الأصل. ( المجموع شرح المهذب 286/15، المغني 112/6).
-وأيضاً فقد جاءت النصوص بأن استرقاق المؤمن وبيعه كبيرة، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال:" قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره" (البخاري 2227).
قال السرخسي:"ومن يفعل ذلك بحر فقد استذله والمؤمن عزيز عند الله ورسوله فرسول الله ﷺ خصم لمن يستذله وإنما يتمكن من ذلك بقوته وضعف ذلك الحر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - خصم عن كل ضعيف، وهو يظلمه باسترقاقه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذب عن كل مظلوم حتى ينتصف من ظالمه " (المبسوط 83/15).
- ولذا يذكر العلماء في الشروط الفاسدة في العقود:"كما لو صالحه على استرقاق حر، أو إحلال بضع محرم، أو صالحه بخمر أو خنزير" (المجموع 391/13، المغني 358/4)
- ومن لطيف ما يُذكر في ذلك أن من شروط الإحصان في الزنا الموجب للرجم شرط الحرية، ويعلل ذلك بعض الفقهاء بكون الرق من نتائج الكفر فينفر عنه الطبع! فيضعف عن استحقاق العقوبة لنقص اللذة.
(بدائع الصنائع 38/7).
- وأما استدلاله بحديث أنس بن مالك قال: لأحدثنكم حديثا لا يحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من أشراط الساعة: أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء ويقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد"(البخاري 81 - مسلم 2671).
فهذا من عجيب الاستدلالات، فإن النبي ﷺ يتحدث عن أشراط الساعة وما سيقع فيها بموجب الحديث الكوني القدري، لا بلسان الإقرار الشرعي، وباب الإخبار لا يلزم منه الإقرار، ولذا يقول النووي في شرح مسلم في حديثه عن علامات الساعة وأنه لا يشترط فيها الحل أو الحرمة:"والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره والله أعلم" (شرح النووي على مسلم 159/1)
ويقول ابن حجر في الحديث:"ويحتمل أن يكنى به عن اتباعهن له لطلب النكاح حلالاً أو حراماً" (الفتح 330/9).
ولهذا تأمل الحديث تجده ذكر قلة العلم وظهور الجهل والزنا فهل في ذلك إقرار بمثل هذه المذمومات ؟
ولعمر الله إن حديث صاحب تلك الفتيا من ظهور الجهل في الأمة والله المستعان
كتبه : محمد آل رميح 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق