الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

ترجمة العلامة : عبدالرحمن بن قاسم القحطاني .

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :

فربما كان جمع فتاوى ابن تيمية أعظم مشروع علمي شرعي في هذا العصر. 

استمر العلامة العابد عبد الرحمن بن القاسم -رحمه الله- أربعين عاماً في جمعه من أنحاء نجد والشام والعراق ومصر وأوروبا.

وإذا علمت ما كان عليه خط شيخ الإسلام من الإغلاق والإعجام لتداخل حروفه وعدم نقط أكثره عرفت مبلغ جهد وبذل العلامة ابن القاسم في جمعه.

 يقول شيخ شيوخنا المحدث حماد الأنصاري رحمه الله : " كنا نأتي الشيخ في مزرعته ( بالمغيدر ) لمساعدة الشيخ في النسخ والمقابلة فمكثنا أربعة أيام نحاول قراءة أربع ورقات من خط شيخ الإسلام - رحمة الله عليهم جميعاً - ! .

ولقد بلغ من تقصي الشيخ وتنقيبه وبحثه عن كتب ابن تيمية ما ذكره ابنه الشيخ محمد أنه ذهب مع أبيه العلامة عبد الرحمن للعلاج في بيروت قال: " فذهبت إلى المكتبة الظاهرية بدمشق ( التي نقل مخطوطاتها طواغيت الشام إلى مكتبة الأسد ) يقول: فبقيت ستة أشهر تصفحت 900 مجلدة لاستخراج ما فُقد من كتب شيخ الإسلام، قال: فكان استمرار مرض الوالد سبباً ! في استمرار التنقيب في مكتبات الدول التي زارها الشيخ للعلاج.

 ثم طبع الكتاب بعد جُهد أربعين عاماً، لم يأخذ الشيخ عليه ريالاً واحداً.

 ومن لطيف ما يذكر هنا أن الشيخُ عبد الرحمن - بعد فراغه من المجموع - رأى شيخَ الإسلام ابن تيمية في منامه يُلْبسه تاجاً ! .

 والشيخ - رحمه الله - من العباد الزاهدين، فقد كان يسكن بيتاً صغيراً في مزرعته، وكانت مكتبته التي أخرجت هذا الفضل العظيم من الموسوعات والمصنفات في غرفة طينية مساحتها أربعة أمتار. 

وكان آية في الورع والتوقي رحمه الله، ومن ورعه وتحرزه أنه كان يرفض الفتيا ويدافعها مع عظيم ما كان عليه من العلم والبحث والتحرير. 

وكان - رحمه الله - متحنناً على طلاب العلم رفيقاً بهم، ومن جميل ما جاء في هذا:

 (أن فتى من شمال بريدة أصيب بالجدري فأعقب ذلك بالعمى. 

وكان أبوه رقيق الحال قليل المال ولم يعد ذلك الفتى ذا فائدة يرجوها منه أبوه كإخوته ! 

فأشاروا على الأب أن يرسل ابنه للرياض، حيث سيجد ما يقيه العيلة ويقيم صلبه من الطعام في الجامع الكبير بالرياض !

 يقول الفتى : " وفعلاً أركبني أبي مع رجل مسافر إلى الرياض، وأنا أبكي لا أريد مفارقة أمي وأبي وإخوتي! وأنا أعمى وعمري اثنا عشر عاماً فكيف أقوم بنفسي بعيداً عن أهلي وظللت أبكي لا تقلص لي دمعة حتى نزلت الجامع الكبير وأنا على هذه الحال، وبقيت أياماً أكلَ الأسَفُ قلبي، فجاؤوا بي إلى الشيخ عبد الرحمن فسألني عن حالي وبكائي، فأخبرته فقال الشيخ:

 " أقم معنا مدة واطلب العلم فإن طاب لك المقام وإلا فأنا كفيل لك بردك لأهلك"

 وأوكل بي اثنين من الطلاب يعالجان أمري. 

يقول: فكنت ألقى من تشجيع الشيخ كلما رآني ما أذهب حزني وارتضات به نفسي للعلم وأقبلت على الحفظ والدرس وحضور حلق العلم، وكان الشيخ كلما رآني يقول لطلابه: أين أنتم من فلان؟ 

وحفظ ذلك الفتى القرآن في أقل من سنة، وبزّ أقرانه وفاقهم، ولما عاد بعد ثلاث سنين لأهله ورأوا حفظه للقرآن وتفوقه أحبوا أن يبقى معهم ! ولكنه اعتذر وعاد لطلب العلم ولم يزل في طلب العلم والحفظ والدراسة حتى أنشئت كلية الشريعة بالرياض، فكان في الدفعة الأولى التي تخرجت من الكلية. 

لم يكن ذلك الفتى إلا شيخنا العلامة الصالح الصادع بالحق: ( حمود العقلا ) - رحمه الله - .

فانظر إلى بركة ذلك الشيخ، وأثر ترفقه ولينه بطلابه وقربه منهم وتفقده لأحوالهم. 

ومآثر هذا العلامة القحطاني لا تحصيها هذه الحروف المتشعثة، ومن أراد استزادةً فليراجع كتاب حفيده الشيخ عبد الملك القاسم الذي صنفه في ترجمته .

والحمد لله ..

.انتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق