الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

الغلاة : كلمة عوراء من بيان أعرج

الحمد لله..
وبعد
فإن من بركة إنكار المنكرات -مُنكرات المحدثات والأهواء- أن يكُف أهلُ الانحراف كفوفهم، فيُدفعوا في صدورهم ليرجع متوثبهم ولو قليلاً.
أما سمعتَ كلمة لسان الغلاة الملتاث، وهو يحكم بكفر من قاتله وقاتل كيانه؟
معللاً ذلك المناط البدعي المخترَع؛ بأن مقاتلتهم تفضي إلى خلو الأرض من القائمين بحكم الشريعة.
وأن كل شبر ينفلت منهم فإنه سيحكم بغير دين الإسلام!.
-لقد لقيت الأمة في تاريخها المديد من أهل البدع؛ البَرح والعنت.
يقوم جهال أهل البدع يلقي أحدهم الكلمة من كلمات الضلالة فيبيت الناس يدوكون فيها.
أما أهل العلم والسنة فيعلمون كلمة الضلالة بسيماها، فيقوم قائمهم يذودها عن حياض الأمة ذود الإبل الغريبة، ويلطم وجهها لطمة فيسمها بوسم البدعة، فلا تخفى بعدُ على طالب الحق وصاحب الاتباع.
-ويبقى هناك من يطير بكلمة صاحب الضلالة، يتشربها ويذيعها وربما ذهب يطلب لها من الأدلة المعاذير.
ولقد بات الناس بعد كلمة لسان الغلاة في شَدهَة وتعجب من عظم تلك القالة السوداء.
فأنكرها أهل الفضل والديانة والاتباع واشتد نكيرهم لها، فكان من بركة ذلك ما رأينا من تسويغاتهم التي تلت كلمة ناطقهم!
وأنه لم يقصد تكفير كل من قاتل!
ولكنه قصد تكفير من قاتل ليحكم بغير الدين.
وزعموا أن جميع من أنكر عليهم: أساء فهماً فأساء إجابة ورداً، وزعموا أن ناطقهم لم يجعل المناط المكفر هو مجرد مقاتلة كيانه، ولكنه أناط التكفير بتحكيم غير الشرع، وأن سياقه دال عليه.
ولاجرم أن القوم سيسوغون ما قال صاحبهم وإن قال هُجراً.
فهل رأيناهم يوماً أنكروا قالةً من أقوال قادتهم؟ 
وهل عهدناهم يرفعون أصواتهم برد ظلم كيانهم وبغيه ولو في حادثة واحدة؟
-والآن فهل كانت كلمة لسانهم قيداً قيّد به إطلاقه الأعور كما يزعمون؟

وهل أراد ناطقهم أن يفصل في أنواع المقاتلين، فغفل عن التصريح والتبيين، وغدره عِيُه ففات عليه التأكيد على هذا المعنى إذ أن سياقه يتحدث عن تبديل الحكم بما أنزل الله؟
-ليس يشك من يعلم دلالات الألفاظ ويدرك سياقاتها أن قوله ذلك ليس قيداً واحترازاً لمناطه المخترع البدعي ولكنه تعليل لذلك المناط فحسب.
فأما تكفيره لمن قاتله فقد فرغ منه!
ولكنه علل تكفيره لجميع من قاتله (ومن سيقاتله!) بأنكم جميعاً ستخرجون الأرض من حكم الشريعة إلى حكم الطاغوت الوضعي!.
فجمع ضغثاً وإبّالة!
وكفّر اليوم خصمه بما سيحدث في غدٍ!
-ولست أخفيكم أنه قد سرني منهم تلك ( الخطوة ) القصيرة التي خطوها للخلف، بنفيهم عن ناطقهم تلك الشنيعة، وقولهم أنه لم يقصد تكفير كل من قاتلهم مطلقاً، مع أنها خطوة غير ذات معنى!
لأنهم يكفرونهم بمناطات أخرى والله المستعان.
والمقصود هنا أن أبين للقوم أن تكفير صاحبكم لمن قاتله مبني على مقدمتين باطلتين:

المقدمة الأولى:
أن كيانهم يحكم بالشرع يقوم فيه الدين كله لله ليس يحكم غيرهم بالشرع، وهذا أمر يكذبه الواقع، وكثير من خصومهم لم يقاتلوهم لحكمهم بالشريعة، بل إن كثيراً من خصومهم إنما قاتلوهم لبغيهم وفجورهم وعتوهم وغلوهم
ولكن ناطقهم لا يرى الجذع في عين كيانه وامتلأ سَحَرُه بالعُجب فغدا يرى نفسه وكيانه من الزكاء بمكان جعل من خاصمه إنما خاصمه لحكمه بالشرع.
ووالله لو كانوا قائمين بحكم الشريعة من غير جور وبدعة لكان مقاتلهم لا يكفر بقتاله لهم ونحن نراه ينادي بالشرع.
-ولكن أصل الأمر أن القوم جعلوا ما ليس مكفراً مكفراً، كالاستعانة بكافر على كافر أو جلوس مع كافر، أو تأجيل لإقامة الحدود في أرض الغزو -بتسميته تنحية للشرع-، أو تحييد كافر بعيد غير صائل بعدم استفزازه بما يهيجه على المسلمين في وقت تشاغلهم بالكافر النصيري الصائل، وربما سمعوا كلمةً قالها قائد من القادة في لقاء أو صحيفة يحيّد فيها الغرب من صراع حاضر، فجعلوها كلمة ردة وكفر بما يلازم ذلك من اللوازم، وصاحوا بأن ذلك ترك للبراءة من الكفر، ونبذ للجهاد بتطمين الكفار، وهكذا كفروه بلازم قوله الذي ينفيه ويبرأ منه.
وغيرها من الأحداث الماضية تسنو مسناها، يكفرون بغير مكفر، ثم يركبون عليه ذلك التركيب الأعرج.
قالوا:
ما دام هؤلاء بهذا الفعل قد كفروا، فإنهم يريدون بقتال كياننا إقامة كفرهم، إذن هذا مناط آخر لكفرهم!.
وليس هذا الأمر مما أدعيه عليهم، وإلا فهل هناك ممن يقاتلهم لم يكفروه قبل بيان لسانهم؟
فانظر إلى البدعة كيف تدعو أختها وتأخذ بعنقها إليها
"قل بئسما يأمركم به إيمانكم" وأما المقدمة الثانية التي ركبوا عليها ذلك الحكم المرباد؛ فهو أن غيرهم جزماً حكم وسيحكم بغير الشرع!
وهذه نفثة من نفثات بدعتهم الأولى!

فالقوم قد فرغوا من زمن بتسمية خصومهم كلهم صحوات، وعليه فمن أكيد الرأي أن الصحوات يريدون غير الشرع وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان
فما دام أنهم قد نزوا على خصومهم فألبسوهم لبوس الصحوات، فما الذي يمنعهم أن يجعلوا خصومهم ممن لا يريد حكم الشريعة؟
وهذا الذي جعل نفوسهم واسعة رحبة بتكفير خصومهم، ضيقة حرجة في إعذارهم، فهم يزعمون أن واقع الفصائل الصحوي (في نظرهم الأعشى) أكبر شاهد على أن خصمهم لا يريد حكم الشرع المطهر.
وهكذا البدعة تبذر بذرتها في قلب صاحبها فما تزال تُسقى بماء الهوى حتى تغدو شجرة خبيثة تدعو كل قول فاسد ليستظل تحتها.


كتبه : محمد آل رميح
@mohdromih


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق