الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

علي الجفري ومحاكمة الشيخين

بسم الله الرحمن الرحيم 
لا أتعجب إن رأيت متصوفاً يخرج وَذَحَ صدره وَوحَر قلبه على علماء السنة كابن تيمية وابن عبد الوهاب ويرميهم بكل نقيصة ومثلبة..
فما زالت كتب هؤلاء الأعلام وفتاويهم -تتناقلها الأجيال في كلاءة السناء- تقوّض بناء الخرافة وتشرخ صرحها وتأتي على قواعدها بالهدم والردم.
فكيف نتعجب أن تُصَر قلوبهم على علماء السنة بصُرَر الأحقاد؟! فهي سوداء مظلمة.. "ويفيض من غيض النفوس عداؤها!".
لكن مهلاً ..
متى تطلبِ النّصَفَة من أنصار الطغاة؛ وتطمح منهم بالعدل مع أئمة الإسلام وفقهائه كنت كمن ابتغى رشفةً من النار، أو شربةً من السراب.
لقد كان "للحبيب علي الجفري" في مدائح الطغاة مشغلة له عن مناوشة مسائل العلم ومصاولة أهله !.
مالك -يا علي- وللتوجع على دماء المسلمين! ومصائبهم ومآسيهم.
كأن سقف بيتك لم يوكف شماتةً بالشعوب الثائرة على الظلم! حين عضها ناب الطغيان.
كأنك لم تتضعضع للسفاح الذي سفك دماء آلاف المسلمين من أبناء بلده في صبيحة واحدة!.
هل أصبح ابن تيمية وابن عبد الوهاب اليوم وليجةَ الغلو وبابَ سفْك الدم الحرام؟
أين تفجعك هذا عن أرواح المسلمين الذين حرّقهم صاحبك؟
لا بأس..
فلستُ -مع هذا- ممن يتحزب لابن تيمية ولا لابن عبد الوهاب إن خالفت أقوالهما الدلائل، ولا أبالي -والله- أن أذر قولاً قالاه؛ رأيتهما قد ناقضا فيه نصاً أو إجماعاً.
- قبل أشهر استعلن الجفري بالنكير على ابن تيمية في مسألة فقهية أثار النقيع فيها على قرنه، وغبر على رأسه، واليوم أعاد الأمر فَتيّاً؛ وجاء يتلوم على ابن عبد الوهاب ويلبسه عمامة الغلاة ويشنع على كتابه التوحيد..
فهلموا نرى ذلكم الحنق الجفري على ابن تيمية؛ الذي أذاعه وأشاعه قبل أشهر، وهو يسبب به غلو الغلاة في هذا العصر-.
- لقد أتى الجفري إلى اختيار ابن تيمية في مسألة قتل المسلم لأبيه الكافر، وعلّق عليه بتعليق حاصله:
أن اختيار ابن تيمية -في هذه المسألة- من أسباب غلو الغلاة المعاصرين!.
فهل انفرد شيخ الإسلام ابن تيمية بهذا القول حتى أصبح عند -الجفري- هو كعبة الغلو وركنه؟.
وهل جعل الفقهاءُ الخلافَ في ذي المسألة من جنس مسائل قتل المعصومين؟.
وهل سيميل الجفري بعنقه متذللاً -كتذلله للطغاة- إن رأى أن سلف ابن تيمية في ذلك هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟..
لو أن (الحبيب الجفري) حين ساق المسألة ساقها سياقاً فقهياً خلافياً .. أظهر فيه رأيه في المسألة، وخطّأ القول الآخر، ورد قول ابن تيمية، لما وضعت سوداء في بيضاء ولما انتصبت لسطر هذه الأسطر، فلاشك أن هذه مسألة خلافية بين فقهاء الإسلام، وخلافهم فيها من جنس خلافهم في مسائل الفروع والعمليات لكل فيها نظره ودليله وتعليله.
ولكن الرجل أتى يسعى ويحفد؛ يعضّ شفتيه! كأنما سقط على مقاليد الضلالة! فعرَض اختيار ابن تيمية كأنه قول خارج عن قانون الشرع وفهم الصحابة للنصوص.
ولا يخلو حال "علي الجفري" من أمرين:
- إما أن يعلم أن هذا قول قد قال به بعض السلف، وعليه أدلته وبراهينه؛ ولكنه أوهم متابعيه بأن ذلك مما انفرد به ابن تيمية وخرج به على الأمة فكان سبباً للضلالة، وهذه دلسة تخدش أمانة فاعلها وتحط منه.
- وإما أن يكون غير عالم بتفاصيل المسألة، ولا يدري يمين المسألة من شمالها، وتصدر لما تصدر له؛ فهنا غصة الحلق ! وهو قول في دين بغير علم، قادح من أعظم قوادح العدالة.
فكيف يبدي صدره في مسائل العلم مَن لم يبحث المسألة أقرب بحث وأيسره ؟.
- لقد اختلف فقهاء الإسلام في هذه المسألة:
- فمنهم من جوّز قتل القريب الكافر الحربي إلا الوالد فكرهه قتله.
- ومنهم من كره قتل كل قريب كافر.
- ومنهم من حرم ذلك.
- ومنهم من جوّزه مطلقاً.
انظر ( بدائع الصنائع 36/4)(تحفة المحتاج 240/9) ، (الفروق للكرابيسي 158/1)، (المغني 536/8)،(المحلى 349/11).
فهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف، وليس غرضي هنا استيفاء المسألة، وذكر خلاف العلماء وأدلة كل فريق، فهذا شأن غير ما نحن فيه.
ولكن الغرض معرفة قدر نزاهة المتكلم وتجرده، لا سيما أنه ساق الكلام سياقاً يتنقص فيه إماماً من أئمة الإسلام ويرميه بالذم والثلب.
ومالنا نذهب بعيداً ؟
ألم يصح عن الصحابة الأطهار بإقرار النبي -في هذا الباب- ما يجب أن نتقلده وننتحله؟!
فقد ثبت في صحيح مسلم :
"أن النبي حين أسر من المشركين في بدر سبعين مشركاً استشار صحابته في شأنهم، فأشار عليه أبو بكر بالفداء، وأشار عليه عمر بأن يمكن النبي عمر من قريبه ويمكن عليا وحمزة من أقربائهم فيضربوا أعناقهم، فأخذ النبي برأي أبي بكر ومن معه ولم يأخذ برأي عمر وأخذ الفداء، فنزل العتاب القرآني على النبي بإقرار رأي عمر"..
وثبت في مسند أحمد وأصل الحديث في البخاري:
"لما كان النبي بالحديبية وكتب كتاب الصلح مع قريش، وكاتبه عليه سهيل بن عمرو قبل أن يسلم، وفيه أن يرد للمشركين من جاءه من مكة مهاجراً، فجاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده فرده النبي وجاء عمر يقرب منه قبيعة السيف يقول:يا أبا جندل إنما دم المشرك دم كلب، يعرض له بقتل أبيه، فضن الرجل بأبيه".
أفترى أن عمر كان سبباً من أسباب الغلو وباباً من أبوابه؟!
أفٍ ثم أفٍ للهوى فإنه بئس الضجيع !.
إن خصومتنا مع غلاة التكفير لن تنفي خصومتنا مع غلاة التصوف والإرجاء وأنصار الطغاة، ولئن ركب الغلاة للتكفير كل صعب وذلول وحلوا عُقْدة الدم المعصوم؛ فإن أنصار الطغاة من المرجئة وغلاة المتصوفة ثلموا سياج الدين بتسييل مبادئه وتحريف الكلم عن مواضعه.
هذا قبل أشهر مضت..
ثم ها هو اليوم؛ جاء يصوّر كتب ابن عبد الوهاب كأنها سبيل ضلالة أهل الضلال وبابه المفتوح..
وأعود وأقول ما قلته عن كلامه في ابن تيمية:
لو أن هذا الرجل سلك مسالك العلم، فجاء يرد بالحجة والدليل والبيان؛ ثم نقَدَ ما حقه النقد، واستدل وتعقب ورد رد أهل التقوى والعلم..
لقلنا:
رجل يطلب الدلائل ويتقفر المسائل..
ولكنه جاء يزجي التهم وينشر الفِرى، بكلام مجمل مطلق يتهم علماء الإسلام، ويعيد ذكريات أجداده المتصوفة التي احترقت قلوبهم بخفق أعلام السنة المنشورة.
فالحمد لله..


قاله وكتبه / محمد آل رميح 
٣ / ٢ / ١٤٣٧ هـ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق