بسم ﷲ الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهنا ذكريات من ذكريات الدعوة، وقصة من قصص التضحية، وخبر من أخبار الصلابة في ذات ﷲ.
إنها قصة إيمان السحرة وثباتهم أمام فرعون، واستعلائهم على الوعيد، وانتضائهم أمام التهديد.
وهي قصة فريدة الشبه في تاريخ الدعوة، وأحدوثة عزيزة المثال في قافلة المصلحين، وحدث نادر في السجل الدعوي الطويل، فإنَّ انقلاب أخصّ أعوان الباطل إلى صف الدعوة والحق والإيمان في موقف واحد؛ حدث نادر في تاريخ مواجهة الحق والباطل.
ولقد حكى ﷲ مقالات فرعون للسحرة التائبين، ومخاطباته لهم، فجاء فيها ذكرٌ لبعض مسالك المنحرفين في الصدّ عن سبيل الدعوة، ومناهجهم في معارضة الوحي، وطرقهم في التحريض على حملة الرسالة.
وحكى القرآن مقالات السحرة التائبين في ذلك المقام، وذكر تفاصيل خطابهم حين ﺃﺷﺮﻗﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻧﻮاﺭ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، فتحولوا ذلك التحول العجيب ﻋﻦ ﺟﻬﺎﻟﺔ اﻟﻜﻔﺮ ﻭﻗﺴﺎﻭﺗﻪ، ﺇﻟﻰ ﺣﻜﻤﺔ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﺛﺒﺎﺗﻪ.
•• فكان مما جاء فيها من تفاصيل سبيل المجرمين:
• اعتقاد الطغاة أنهم يملكون القلوب، وأن لهم سلطانًا على الأرواح:
ولذلك ترى فرعون تعجّب من إيمانهم دون استئذان! فقال: ﴿آمَنتُم بِهِ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم﴾!
لقد تعجب فرعون من مسارعتهم للإيمان بالرسالة، ورأى في عدم استئذانهم غريبة في قانون الطاعة!
إن أصحاب الانحراف لا يدركون أثر الوحي في القلوب، ولا يدرون كيف تشرق أنواره في الروح، ولا يدركون كيف تكون النفوس حين تخالطها بشاشة الإيمان.
وأما فرعون فإنه لكثرة اعتياده استعباد الناس، وطول طغيانه عليهم، صار يعتقد أنه يملك سلطةً على العقول، ورقابة على الأفكار، وﺗﺼﺮيفًا للأرواح، فعدّ الخروج عن ذلك جريمة تستحق أشد عقوبة.
ثم انظر إلى مقالته هذه كيف ﺃﻭﻫﻢ الناس ﺃن السحرة ﻟﻮ اﺳﺘﺄﺫﻧﻮﻩ في الإيمان ﻷﺫﻥ ﻟﻬﻢ، وأن الأمر ليس يعدو أن يطلبوا الإذن في التوحيد فيأذن ليدخلوا في دين ﷲ!
كأن القضية ترتيب إداري يحتاج معه لمقدمة من المقدّمات السلطانية، وكأن شأن الإيمان والتوحيد كعبثهم في دينهم الذي يقلبونه بين أصابعهم كيف شاؤوا!
وهل يملك المؤمن قلبه إذا توقد بالإيمان! وهل يملك صاحب الهدى إذا اهتزَّت نفسه بإشراق الوحي أن يمسكها؟
وهل يملك المؤمن قلبه إذا توقد بالإيمان! وهل يملك صاحب الهدى إذا اهتزَّت نفسه بإشراق الوحي أن يمسكها؟
ثم لعلك رأيت هذا أمرًا عجبًا! فلا تعجب له، ولا تستفزك غرابته، فإنك واجد في زمانك نفس ما استنكرته متلونًا بلون آخر، ألست ترى كيف يجرّم المسلم إذا أتى عبادة تخالف ما عليه الإذن، وتستباح عقوبة المصلح بذلك، ولا تجد له منكرًا.
• إظهار الحياد والنزاهة في الإجراءات الجنائية:
فإنَّ فرعون أظهر أنه لم يغضب لإيمانهم بالحجّة واتباعهم الدليل، فقال حين سقط في باب المناظرة: ﴿آمَنتُم لَهُ قَبلَ أَن آذَنَ لَكُم﴾.
ولأهل الفجور تحايل والتفاف على هزائمهم وسقطاتهم، فإن فرعون علم أن لو أنزل العقوبة عليهم دون تعلل منه؛ لقيل: هذا نكث لأصول المناظرة، ورجوع عن الدلائل، فاختلق هذه التهمة، وزوَّر هذا التجريم.
• الاتهام بزعامة المؤامرة:
فقال: ﴿إِنَّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلَّمَكُمُ السِّحرَ﴾.
وهذه التهمة ليست تهمةً وليدة الصدمة، ألقاها فرعون حين دهشته السحرة بإيمانها، بل لقد قالها لموسى ﷺ في أول ما جاء يدعوه حين رأى الآيات، قبل لقاء السحرة: ﴿قالَ أَجِئتَنا لِتُخرِجَنا مِن أَرضِنا بِسِحرِكَ يا موسى﴾.
فلما عاد عليه الغُلب عاد يكرر مقالته، ويعيد تهمته.
ولقد كان فرعون متناقضًا في اتهاماته، فمرّة يتهم موسى بأنه زعيم السحرة، ومرة يتهمه بأنه مسحور، كما ذكر ﷲ عنه: ﴿فَقالَ لَهُ فِرعَونُ إِنّي لَأَظُنُّكَ يا موسى مَسحورًا﴾.
وهي عادة أهل الانحراف في كل وقت، يرمون أهل الإصلاح بالتهمة ثم بمقابلها، ويعيبونهم بالظنائن وبنقائضها، فإنهم في تهمتهم لأهل الدعوة لا يصدرون عن نظر صدق، وليسوا إذ كذبوا يكذبون بحذق.
ولقد كان لتزييف الوعي هذا أثره على الجماهير، فإن تراكُم دعاوى الباطل تخترق الإدراك، حتى لعل الناس لا ينفكون عن أثرها، ومن عجيب ذلك أنه ﷻ حكى مقالة قوم فرعون لموسى ﷺ فقال: ﴿وَقالوا يا أَيُّهَ السّاحِرُ ادعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنا لَمُهتَدونَ﴾! فهل رأيت أعجب من ذلك؟! يسمونه ساحرًا، مع إقرارهم بحاجتهم لدعائه وصلاحه!
ولقد كان لتزييف الوعي هذا أثره على الجماهير، فإن تراكُم دعاوى الباطل تخترق الإدراك، حتى لعل الناس لا ينفكون عن أثرها، ومن عجيب ذلك أنه ﷻ حكى مقالة قوم فرعون لموسى ﷺ فقال: ﴿وَقالوا يا أَيُّهَ السّاحِرُ ادعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنا لَمُهتَدونَ﴾! فهل رأيت أعجب من ذلك؟! يسمونه ساحرًا، مع إقرارهم بحاجتهم لدعائه وصلاحه!
• ومن أعداء الدعوة من يقع في ورطة قيام الأدلة، ونزاهة المصلحين، وسمو دعواتهم، فلا يجد له ما ينفذ عليهم به إلا أن يتهمهم بالتحزب خلف حزب له مآربه ومقاصده، فإذا فعل ذلك سهل عليه بعدُ أن يجعل كل منقبة للدعوة وفضيلة لأهلها موطن ذم ومحل عيب.
• إفراغ الدعوة من ربّانيتها، وتجريد المصلحين من براهينهم:
فإنَّ فرعون قال لما رأى الحجة: ﴿إِنَّ هذا لَمَكرٌ مَكَرتُموهُ فِي المَدينَةِ﴾.
فحرص فرعون على نفي البرهنة على الإيمان، وأن توبة السحرة ليس لقوة الدلالة والحجة، ولكن لأجل التواطئ مع موسى، وأن ما يرى الناس من البينات في كلامهم ليس كما يُظن، وأﻥ ﻣﻮﺳﻰ ﻟﻢ ﻳﺄﺕِ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﺠﺰ اﻟﺴﺤﺮﺓ، ﺇﺩﺧﺎلًا ﻟﻠﺸﻚ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻮﺱ اﻟﺬﻳﻦ ﺷﺎﻫﺪﻭا اﻵﻳﺎﺕ.
• تجييش الناس على موسى ومن معه، واستثارتهم عليهم باتهامهم في مرغوبات الناس:
فإن الله ذكر عنه أنه قال: ﴿لِتُخرِجوا مِنها أَهلَها فَسَوفَ تَعلَمونَ﴾.
لقد أراد فرعون أن يستفزّ الناس لمواجهة موسى معه، فأراد أن يشرك معه الناس في عداوة موسى، وليس أكثر نهزة من أن يتهمه بمنازعة الناس في أرضهم وأوطانهم، فإنه ليس أشد عند العقلاء من مفارقة الأوطان، ومباينة مآلف النعم، فأدار فرعون التهمة على ما عرف من طبائع الناس في ذلك.
• اللجوء للبطش، والتهديد بالعقوبة:
حكى ﷲ عن فرعون قوله: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُم وَأَرجُلَكُم مِن خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُم أَجمَعين﴾.
فإن النفس الطاغية سبعية الانتقام، تجد الراحة في القهر، وتشفى لصوت المعذبين.
وفي كلام فرعون هذا انتقال من التهديد المجمل إلى التهديد المفصل: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيدِيَكُم وَأَرجُلَكُم مِن خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُم أَجمَعينَ﴾، فإن عرض تفاصيل التنكيل والعذاب ربما أوهن العزائم، وأرخى الهمم.
ولقد بالغ في التهديد بالعقوبة حتى قال: ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُم في جُذوعِ النَّخلِ﴾، فلم يقل: على جذوع النخل، وإنما قال: ﴿في جُذوعِ النَّخلِ﴾، ليخبر ﺃﻧﻪ ﺻﻠﺐ ﻣﺘﻤﻜﻦ ﻳﺸﺒﻪ ﺣﺼﻮﻝ اﻟﻤﻈﺮﻭﻑ ﻓﻲ اﻟﻈﺮﻑ.
• التسبيب القضائي الفرعوني للعقوبة:
فإنه لما ذكر المقصد من العقوبة قال: ﴿وَلَتَعلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا وَأَبقى﴾.
والطاغية يحب أن يبقى الخوف في نفوس الناس، لعلمه أنّ الخوف يذل أعناق الأجيال، ويطامن العقول، وينمط التفكير.
•• وهناك في مقابل جبروت فرعون كان الحديث نديًا عن ثبات أهل العزيمة الإيمانية، وصلابتهم حين عرفوا الحق، واستمساكهم بالعروة حين اطلعوا على نور الحقيقة.
وستجد فيما نقل عنهم القرآن مواعظ للدعاة والمصلحين، مواعظ في الثبات، والبصيرة بالطريق، والوعي الدعوي بالعدو، وكمال العبودية لله.
وسترى في مقالات السحرة التائبين جامعًا حاضرًا وأمرًا مشهودًا في كل ما نقل القرآن عنهم، ستجد أنهم لم يلينوا القول لفرعون ليتعطّف عليهم، ولم يأتِ في مخاطبتهم له نأمة استعظام! ولا رمزوا له بحاجب استرحام! بل تصلّفوا معه في القول، ولم يبالوه بالهم!
•• ومما ذكر القرآن من تفاصيل سبيل المؤمنين:
• الوعي بالمعركة بين الحق والباطل:
لقد كان هؤلاء التائبون أهل وعي بالباطل وطرقه، فردوا عليه تهمته لهم بالمؤامرة والمكر، فقالوا: ﴿وَما تَنقِمُ مِنّا إِلّا أَن آمَنّا بِآياتِ رَبِّنا لَمّا جاءَتنا﴾.
لقد بيَّنوا أن الخلاف مع فرعون خلاف عقدي ديني، وأدركوا حقيقة المعركة، فكشفوا للناس أن الخصومة مع فرعون ليست خلافًا على السلطة كما يصوره فرعون، ولكنه صراع عقدي، ومواجهة دينية.
ويجب على أهل الدعوة أن يكونوا بالرصَد لكيد المبطلين، فيفقهوا حقيقة المواجهة، ويعرفوا وسائلها.
ولقد تجد كثيرًا من أهل الدعوة ذوي بصيرة بحقيقة الخصومة مع الباطل، لكن القصور يأتي من نقص البصيرة في أشخاص المنحرفين، ووسائل الانحراف وطرقه.
• اللجأة إلى ﷲ:
لما علموا حقيقة الموقف، وخطورة المواجهة سألوا ربهم الصبر، فقالوا: ﴿رَبَّنا أَفرِغ عَلَينا صَبرًا وَتَوَفَّنا مُسلِمينَ﴾.
فسألوه أن يفرغ عليهم كأنهم سألوا أن يصب عليهم من كل الصبر لا من بعضه، ثم انظر كيف سألوه صبرًا بصيغة التنكير، ليكون صبرًا تامًا كاملًا.
• تعظيم الوحي:
فلقد واجه المؤمنون تهديد الطاغية باستعلاء الواثق كأنما يهزؤون به: ﴿قالوا لَن نُؤثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيِّناتِ﴾!
فكانوا يرون في الرسالة من البينات والحجج ما جعلهم لا يقدمون عليها شيئًا.
- ولقد كان هؤلاء التائبون يواجهون شدة الباطل بوجه من حديد، يقمعون كبره، ويقمؤون صلفه، ولذا تراهم أكدوا مقالتهم بالقسم، فقالوا: ﴿وَالَّذي فَطَرَنا﴾.
• الاستهتار بالباطل:
ومما حكى القرآن عن أولئك التائبين استهتارهم بالوعيد، واستهانتهم بالتهديد، وعدم احتفالهم به، فقالوا: ﴿فَاقضِ ما أَنتَ قاضٍ﴾.
لقد كانوا للتو أنصارًا للكفر، أعوانًا له على الزيف، عاشوا حياتهم في خدمة الطاغوت، فصاروا إلى هذا الثبات، وتحولوا إلى هذا المقام، وهكذا يفعل اليقين إذا رسخ، والإيمان إذا تمكن حقًا، دعك من أولئك الذين إنما عرفوا التوحيد في قاعات الدراسة، وأخذوا مسائله العلمية في الحلق، ثم إذا أريد على شيء من دينه لم يتعاظم عليه أن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، ولا يبالي.
• الوعي بحدود قدرات أعداء الدعوة:
ومما حكاه القرآن عن أولئك المؤمنين معرفتهم الحقيقية لقدرات الباطل وأهله، فذكر عنهم استصغارهم لأهل الباطل، لاستصغارهم الدنيا، فقالوا: ﴿إِنَّما تَقضي هذِهِ الحَياةَ الدُّنيا﴾، فإن اﻟﻘﺼﺮ اﻟﻤﺴﺘﻔﺎﺩ ﻣﻦ (ﺇﻧﻤﺎ) قصر حقيقي، فقدرات الطاغية مقصورة على هذه الدنيا، لا تتجاوزه إلى القضاء في الآخرة، وموازين أهل الإيمان، مختلفة عن موازين الماديين، ومعاييرهم ليست كمعاييرهم.
إنه انتصار المبدأ الشريف على المادية، وخبر من أخبار الرجوع العفيف عن العمالة، فبينا كانوا يطلبون تلك اللعاعة، ويتطاولون للتقرب من السلطة، هاهم الآن يضحون بحياتهم كلها في ذات ﷲ.
إنه انتصار المبدأ الشريف على المادية، وخبر من أخبار الرجوع العفيف عن العمالة، فبينا كانوا يطلبون تلك اللعاعة، ويتطاولون للتقرب من السلطة، هاهم الآن يضحون بحياتهم كلها في ذات ﷲ.
واستشعار المصلح والداعية هذا المعنى معين على الثبات، فإنما بلاء الدعوة من محبة الدنيا وإيثارها والرضا بها، لكن حين تشرق هدايات الوحي في النفس، وتكسو الروح الطمأنينة، يغدو كل ما في الدنيا زهيدًا متصاغرًا!
• لقد انتقل اﻟﺴﺤﺮﺓ التائبون من مقام التبعية لفرعون إلى مقام اﻟﻤﻌﻠﻢ اﻟﻤﺴﺘﻌﻠﻲ، فأخذوا يوجهونه ويعلمونه: ﴿إِنَّهُ مَن يَأتِ رَبَّهُ مُجرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَموتُ فيها وَلا يَحيى • وَمَن يَأتِهِ مُؤمِنًا قَد عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ العُلى﴾.
وهكذا الإيمان والوحي والدعوة، ينتقل بها المؤمن من مقام التبعية، وعيش الهامشية، ليصبح حر التفكير، ينشر الدعوة، ويدفع الفجور، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، قوّامًا بالحق في الأرض.
وهكذا الإيمان والوحي والدعوة، ينتقل بها المؤمن من مقام التبعية، وعيش الهامشية، ليصبح حر التفكير، ينشر الدعوة، ويدفع الفجور، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، قوّامًا بالحق في الأرض.
• لقد رد هؤلاء التائبون على التهديد بردٍ تُوْقده حرارة الإيمان، فقالوا: ﴿لا ضَيرَ﴾!
﴿لا ضَيرَ﴾!
ﷲ، ما أعظم الكلمة، وأعزّ العبارة!
إنهم يعرفون مَن يخاطبون! إنهم يعلمون أنهم يكلّمون فرعون الذي كان ينتزع الأطفال من حجور أمهاتهم، وأحضان أهليهم ليذبحهم، لكنها ﺻﻮﻟﺔ اﻟﺤﻖ حين تقوم في القلوب، ﻭﻧﻮﺭ الوحي حين يشرق في الروح، ﻭبرودة اليقين حين تنزل القلوب اﻟﻤﻬﻴﺄﺓ ﻟﺘﻠﻘﻲ الهدى.
﴿لا ضَيرَ﴾!
ﷲ، ما أعظم الكلمة، وأعزّ العبارة!
إنهم يعرفون مَن يخاطبون! إنهم يعلمون أنهم يكلّمون فرعون الذي كان ينتزع الأطفال من حجور أمهاتهم، وأحضان أهليهم ليذبحهم، لكنها ﺻﻮﻟﺔ اﻟﺤﻖ حين تقوم في القلوب، ﻭﻧﻮﺭ الوحي حين يشرق في الروح، ﻭبرودة اليقين حين تنزل القلوب اﻟﻤﻬﻴﺄﺓ ﻟﺘﻠﻘﻲ الهدى.
• تذكّر الآخرة:
فإن تذكر المآب إلى الله سلوة للمؤمن، فقالوا: ﴿إِنّا إِلى رَبِّنا مُنقَلِبونَ﴾، وهذه الجملة ﺗﻌﻠﻴﻞ ﻟﻨﻔﻲ الضير.
وفيه معنى الفرح بلقاء ﷲ، ومحبة الشهادة، وكأنهم رأوا أن الحياة لا تستحق أن يحرص عليها المؤمن، وإنما يكون حرصه على النجاة في الآخرة، ولذا قابل السحرة التائبون كلمة فرعون: ﴿وَلَتَعلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا وَأَبقى﴾، بالكلمة الطيبة، فقالوا: ﴿وَاللَّهُ خَيرٌ وَأَبقى﴾، وصراع الدعوة هو صراع الكلمة! صراع بين الكلمة الخبيثة والكلمة الطيبة.
• ثم كانوا مع عظم ثباتهم، وعلو وقفتهم تلك في وجه الطاغوت؛ قائمين بعبودية التواضع لله:
- فاستعلموا الأدب مع الله فقالوا: ﴿إِنّا نَطمَعُ أَن يَغفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا﴾، فإن الطمع ﻳﻄﻠﻖ ﻭﻳﺮاﺩ ﺑﻪ اﻟﻈﻦ، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﷺ: ﴿وَالَّذي أَطمَعُ أَن يَغفِرَ لي خَطيئَتي يَومَ الدّينِ﴾، فتأدبوا ﻣﻊ اﻟﻠﻪ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪ.
- ثم ذكروا رجاءهم في المغفرة، وهو حال عظيم من أحوال المعرفة بالله، فلم يجمح بهم شموخهم على الطغيان أن يشمخوا في أنفسهم، ولم تأخذهم عزتهم تلك أن يتعاظموا فعلهم.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
خميس مشيط، ٢٦/ ٩/ ١٤٤١
اللهم احفظ شيخنا و وفقه و سدده و أسعده وانفعنا به
ردحذفجزاكم الله خيرا شيخنا وبارك فيك..
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف