السبت، 11 أبريل 2020

أوراق فقهية (٢١): حكم صلاة الجمعة في البيوت للحظر في أوقات الأوبئة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمع نزول حادثة حظر كورونا، وتعطّل الجُمَع في المساجد، وتعذر التجميع فيها، فعسى أن تجدّ من يظن أن الجُمعات تقام في البيوت، وتجمّع في المنازل، كشأن الجماعات في المفروضات، وهذا قول خارج عن قانون فقهاء الإسلام، وعلماء السلف، وقد دل على ذلك دلائل من تصرفاتهم، وليس الحديث عن تحقيق شرط العدد، أو البناء، أو الاستيطان، فكل ذلك ليس منا في شيء في هذه التوّه، وإنما الشأن عن إقامتها على غير ما شرعت عليه من هيئة الاستعلان وجمع الجماعات، ومن دلائل ذلك في تصرفات الفقهاء:
١- أن عامة فقهاء المذاهب ينصّون على أن الجمعات لا تصلى في البيوت، ولا تكاد تجد من ينصّ على أنها تقام في البيوت والمنازل، ومن ادّعى ذلك فليأتِ بمن قال ذلك سوى ابن حزم رحمه الله ومن جرى في مسعاه من الظاهرية، فإنه مخالف في أصل هذا الباب في مسائل كثيرة.

٢ - وأيضًا: فعامة السلف ينصّون على أن من فاتته الجمعة صلى في بيته ظهرًا، ولا تجد فيهم من يقول: إن من فاتته الجمعة لعذر أو لغير عذر يصليها جمعة في بيته، ولو جاز أصل إقامتها في البيوت لجاز قضاؤها على من فاتته الجمعة في المساجد أسوة بأصل هذه المسألة.

٣ - وصلاة الجمعة شرعت لتصلى على حال من ظهور الشعار، وقد صح أن فرض الجمعة نزل بمكة، ولم يصلها النبي ﷺ سرًا ثَمّّ، ولا يقال: إنما لم يصلها هناك لأن مكة كانت دار الحرب، فإن التعليل ليس لوصف الدار، ولكن التعليل بأن الجمعة لا تصلى إلا على هيئة من ظهور الشعار، وهو لا يكون في دار الحرب، فالوصف بدار الحرب مثال لتخلف هيئة الظهور في شعار الجمعة.
وليس الإشكال في عدم التجميع في البيوت من أجل اشتراط (البناء)، فالبناء وصف طردي لا يعلق على مثله الحكم، وإنما انعقد الإشكال لتخلف الظهور في هيئة الجمعة، حتى أنها لا تقام في المسجد (الذي لا يجمع فيه في حال ظهور وشعار) كما في المعتكفين في غير مساجد الجمعات، كما سيأتي.
ثم يقال: قد كان النبي ﷺ يصلي الجماعة سرا، كما جاء عنه هو وعلي رضي الله عنه، ولم يكن يصلي الجمعة، فدل على التفريق بين الجمعة والجماعة.

٤ - وأيضًا فقد ثبت في الصحيحين: ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻗﺎﻟﺖ: ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻨﺘﺎﺑﻮﻥ اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻟﻲ" أي ﻳﺤﻀﺮﻭﻧﻬﺎ ﻧُﻮﺑًﺎ، ﻭاﻻﻧﺘﻴﺎﺏ اﻓﺘﻌﺎﻝ ﻣﻦ اﻟﻨﻮﺑﺔ، فلو كانت تقام في الحوائط والبساتين لأقاموها ولنقل ذلك.
٥ - وأيضًا: فقد تواتر النقل عن السلف الطيبين أن من صلى منهم جمعة خلف من لا تصح خلفه كمن كان لا يراها خلف الحجّاج بن يوسف؛ كان يصليها ظهرًا، ولم يأتِ أنّ منهم من كان يرجع فيصليها جمعة، وهذا مشهور جدًا عندهم رضوان الله عليهم.

٦ - بل أشدّ من ذلك أن جمهور الفقهاء ينصّون في الاعتكاف على اشتراط أن يكون في مسجد تقام فيه الجمعة، ومن رخّص في الاعتكاف في أي مسجد رخّص على أن يخرج للجمعة، ولم يرخص للمعتكفين أن يصلوا في مساجد اعتكافهم جمعة، فحصل من هذا التركيب أن قول عامتهم عدم صحة الجمعات للمعتكفين في المساجد التي لا تقام فيها الجمعات.

٧ - وأيضًا: فهم ينصّون على أن من لزم مكانه من النساء والمرضى والمحبوسين لا يصح أن يجمعوا في محالّهم، وحكوا فيه الإجماع، بخلاف لو جمّعوا مع من تصح منهم الجمعة، وهذا التفريق بين التجميع في البيوت والحبوس وبين التجميع حيث يجمّع المسلمون دليل على ما ذكرت.

٨ - وأيضا: فهم ينصون على أن المسافرين لا يجوز أن يجمّعوا بأنفسهم، بخلاف لو صلوا مع غيرهم ممن يصح أن يجمّع بها، فتصح تبعا لا استقلالا.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

هناك تعليقان (2):

  1. لله درك وعلى الله أجرك وفتح الله عليك وعلى قلمك... محبك أبو حمزه الراشد

    ردحذف
  2. شيخنا الفاضل اذا منع السلطان الجمعة ان تقام بالجوامع ولا يرجد الا البيت هل نقيمها فيه؟
    أو هل نقيمها في البر؟

    ردحذف