بسم ﷲ الرحمـن الرحــيـم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فمن بديع نظم القرآن الذي لا تزيغ عنه عين القارئ المتدبر؛ الاقتران بين الكلمات والصيغ والجمل، وهو أسلوب نظمي ظاهر جدًا في القرآن، يؤتى به لغرض توسيع الدلالة، فيحصل لقارئ القرآن زيادة إفادة المعنى، كما سترى من أمثلته بإذن ﷲ.
فيتأمل القارئ اقتران المقترنات ويتأمل تقدم أحد المقترنين وتأخر الآخر، ويتأمل جمعه وإفراده، وتنكيره وتعريفه، على ما سترى من أمثلة بإذن ﷲ.
• وأولى ما يلفت نظر المتدبر للقرآن؛ ذلك الاقتران بين أسماء ﷲ وصفاته في مواطن كثيرة جدا في القرآن، وهو موضع أفيح وموطن رحب، فإن كل اسم وصفة يفيد معنى على حياله، فإذا اقترن اسمان أو صفتان من أسماء ﷲ وصفاته تضمن زيادة فائدة، فكل اسم له ﻛﻤﺎﻝ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ، ثم يحصل بالاقتران ﻛﻤﺎﻝ آخر، ثم يكون إفادة اقترانهما في كل آية بحسب ما تقتضيه الآية هذه.
• فبعد أن جاء الأمر بنفقة الطيّب في سبيل الله وعدم إنفاق الرديء ختمت الآية بقوله ﷻ: (وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدٌ)، ﻓﺎﻟﻐﻨﻰ ﺻﻔﺔ ﻛﻤﺎﻝ، ﻭاﻟﺤﻤﺪ ﺻﻔﺔ ﻛﻤﺎﻝ، ﻭاﻗﺘﺮاﻥ ﻏﻨﺎﻩ ﺑﺤﻤﺪﻩ ﻛﻤﺎﻝ ﺃﻳﻀًﺎ.
فإنه ليس كل غني محمود في غناه، بل كمال المدح في الغنى أن يكون محمودا في غناه.
- واقتران اسم ﷲ الواسع باسمه العليم: (وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ)، في ختام آية مَثَل الصدقة: (مَّثَلُ ٱلَّذِینَ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِی كُلِّ سُنۢبُلَةࣲ مِّا۟ئَةُ حَبَّةࣲۗ وَٱللَّهُ یُضَـٰعِفُ لِمَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمٌ)
فاسم الواسع مدح وكمال، واسم العليم مدح وكمال، واقترانهما كمال.
فإن فضل ﷲ واسع عظيم، ولكنّ هذا الفضل الواسع لا يؤتاه إلا من علم ﷲ أنه مخلص في صدقته، قد أراد بها وجه ﷲ، فالله ﷻ عليم بمن يستحق عطاءه الواسع.
ومثل ذلك ما ختمت به آية تملك طالوت على بني إسرائيل فقال نبيهم لهم: (إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰهُ عَلَیۡكُمۡ وَزَادَهُۥ بَسۡطَةࣰ فِی ٱلۡعِلۡمِ وَٱلۡجِسۡمِۖ وَٱللَّهُ یُؤۡتِی مُلۡكَهُۥ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ)، فالله واسع العطاء يعطي من يشاء المُلك الصالح، لكنه عليم بمن يستحق هذا العطاء.
- ومن ذلك اقتران اﺳﺘﻮائه ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺮﺵ باسم الرحمن ﻛﺜﻴﺮًا، ﻛﻘﻮﻟﻪ ﷻ: (ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ)، ﻓﺎﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮﺣﻤﻦ، ﻷﻥ اﻟﻌﺮﺵ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﺎﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ ﻗﺪ ﻭﺳﻌﻬﺎ، ﻭاﻟﺮﺣﻤﺔ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﺎﻟﺨﻠﻖ ﻭاﺳﻌﺔ ﻟﻬﻢ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (وَرَحۡمَتِی وَسِعَتۡ كُلَّ شَیۡءࣲۚ).
ﻓﺎﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺃﻭﺳﻊ اﻟﻤﺨﻠﻮﻗﺎﺕ بأوسع اﻟﺼﻔﺎﺕ.
- ومن عظيم الاقتران الذي جاء في ذلك، اقتران اسم الغفور بالشكور في مواطن، قال ﷻ: (لِیُوَفِّیَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ غَفُورࣱ شَكُورࣱ)، وذلك لأن العبد بين أمرين، بين ذنب وطاعة، بين ذنب يفتقر فيه للمغفرة، وطاعة يطمع من ربه فيها الشكر، فالله يغفر الذنب والتقصير، ويشكر على الطاعة.
ثم تأمل أنها جاءت في القرآن بتقدم اسم الغفور على الشكور، لأن العبد لا يزال خائفًا من شؤم ذنبه وجلًا من العقوبة.
- وعلى هذا النحو جاء أيضا اقتران المغفرة بالثواب في مواطن، منها قوله ﷻ (إِلَّا ٱلَّذِینَ صَبَرُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُم مَّغۡفِرَةࣱ وَأَجۡرࣱ كَبِیرࣱ)، فوعدهم ربهم بأمرين قرنهما في كتابه، وعدهم المغفرة والأجر، واقترانها لما ذكرتُ سابقًا من أن العبد بين معصية وحسنة، يفتقر معهما لمغفرة الذنب، وأجر الطاعة.
ثم انظر أن ذكر المغفرة تقدم على ذكر الأجر، لما سلف في نكتة تقدم اسم الغفور على اسم الشكور.
• ومنه اقتران الهدى والرحمة في أكثر من تسعة مواطن في القرآن، ومنها قوله ﷻ: (هَـٰذَا بَصَـٰۤىِٕرُ لِلنَّاسِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّقَوۡمࣲ یُوقِنُونَ)، وذلك لأن أعظم الرحمة أن يرزق العبد الهدى، ولهذا لما ذكر ﷲ دعاء الراسخين في العلم في سورة آل عمران، بعدما ذكر الآيات المتشابهات التي يتبعها من في قلبه زيغ، قال: (رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَیۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ)، فسألوا الثبات على الهدى، وعقّبوه بطلب الرحمة.
• ومنه اقتران بعض الشرائع، كاقتران العبادة بالتوكل، وقد اقترنتا في نحو سبعة مواطن في القرآن، (إِیَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِیَّاكَ نَسۡتَعِینُ)، وقوله ﷻ: (فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَیۡهِۚ)، وذلك أن تكاليف العبادة لا يقوم بها إلا ذو توكل على ﷲ، ومن تخلف عنه التوكل والاستعانة في عبادته ابتلي بالعجب والانقطاع.
والناس في ذلك بين صاحب عبادة بلا توكل، أو صاحب توكل بلا عبادة، أو من ليس له توكل ولا عبادة، والكمال أن يجتمع للعبد التعبد مع التوكل والاستعانة.
- ومن لطيف ما جاء مقترنًا في القرآن، (وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ)، فالناس ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺻﺒﺮ ﺑﻘﺴﻮﺓ، ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﺑﺠﺰﻉ، ﻭالكمال اجتماع الصبر والرحمة وهي قليل في الناس، فاﻟﻤﺆﻣﻦ اﻟﻤﺤﻤﻮﺩ اﻟﺬﻱ ﻳﺼﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺼﻴﺒﻪ ﻭﻳﺮﺣﻢ اﻟﻨﺎﺱ.
- ومنه: اقتران الصلاة بالنسك والنحر، كما في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ)، وفي قوله ﷻ: (قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)، ﻭالنحر ﺃﺟﻞ اﻟﻌﺒﺎﺩاﺕ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ، والصلاة ﺃﺟﻞ اﻟﻌﺒﺎﺩاﺕ اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ، وهاتان العبادات داﻟﺘﺎﻥ ﻋﻠﻰ قرب العبد وافتقاره وحسن ظنه بربه، ﻭاﻟﺘﻮاﺿﻊ ﻭاﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﻭﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ، قال ابن تيمية في حكمة هذا الاقتران: "ﻭﻣﺎ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ ﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻌﺒﺎﺩاﺕ ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓﻪ ﺃﺭﺑﺎﺏ اﻟﻘﻠﻮﺏ اﻟﺤﻴﺔ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﻬﻤﻢ اﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﻟﻪ ﻓﻲ ﻧﺤﺮﻩ ﻣﻦ ﺇﻳﺜﺎﺭ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﻪ ﻭﻗﻮﺓ اﻟﻴﻘﻴﻦ ﻭاﻟﻮﺛﻮﻕ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ اﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮ ﻋﺠﻴﺐ ﺇﺫا ﻗﺎﺭﻥ ﺫﻟﻚ اﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭاﻹﺧﻼﺹ، ﻭﻗﺪ اﻣﺘﺜﻞ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺃﻣﺮ ﺭﺑﻪ ﻓﻜﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺼﻼﺓ ﻟﺮﺑﻪ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﻨﺤﺮ، ﺣﺘﻰ ﻧﺤﺮ ﺑﻴﺪﻩ ﻓﻲ ﺣﺠﺔ اﻟﻮﺩاﻉ ﺛﻼﺛﺎ ﻭﺳﺘﻴﻦ ﺑﺪﻧﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻨﺤﺮ ﻓﻲ اﻷﻋﻴﺎﺩ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ".
• ومن جليل ذلك الاقتران؛ الاقتران بين الجمل، كما في قوله تعالى: (ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ ٱلسَّیِّئَةَۚ نَحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا یَصِفُونَ وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَ ٰتِ ٱلشَّیَـٰطِینِ).
ونكتة ذلك أن للعبد عدوين، عدوا من الإنس، وعدوًا من الجن، فعدو الإنس يدفع بالملاطفة ومقابلة السيئة بالحسنة، وعدو الجن يستدفع بالاستعاذة، ولذا جاء بنحوه في سورة فصلت، فإن الله أمر بدفع أذى الإنسي فقال: (ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِی بَیۡنَكَ وَبَیۡنَهُۥ عَدَ ٰوَةࣱ كَأَنَّهُۥ وَلِیٌّ حَمِیمࣱ)، ثم أمر بعده بدفع أذى الشيطان فقال: (وَإِمَّا یَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ نَزۡغࣱ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ).
• ومنه ذلك الاقتران بين إقامة الدين وتوحيد الله عبادته، وبين الاجتماع وعدم الافتراق، قال ﷻ: (إِنَّ هَـٰذِهِۦۤ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ)، وقال ﷻ: (أَنۡ أَقِیمُوا۟ ٱلدِّینَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا۟ فِیهِۚ)، فإن الشريعة لا تقوم إلا بتوحيد ﷲ والاجتماع على التوحيد، فيقام الدين في جماعة تقوم به وتدعو إليه وتجاهد عنه.
• ومنه اقتران خشية العالم لله بحفظه للدين وعدم التبديل، قال ﷻ: (وَإِنَّ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ لَمَن یُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكُمۡ وَمَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِمۡ خَـٰشِعِینَ لِلَّهِ لَا یَشۡتَرُونَ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنࣰا قَلِیلًاۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ)، فإن خشية ﷲ مانعة من تحريف الدين، وتغيير الشرائع.
• ومنه اقتران بعض الخلق ببعض، ومن لطيف ما جاء في ذلك؛ اقتران السمع بالأبصار، وقد حاء في مواطن، كقوله ﷻ: (وَهُوَ ٱلَّذِیۤ أَنشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَۚ قَلِیلࣰا مَّا تَشۡكُرُونَ)
ولا عجب في اقتران السمع والبصر في القرآن، فهما طريقا الإدراك والعلم،
ولكن اللطيف أن الأكثر أن يأتي في القرآن إفراد السمع وجمع البصر، وذلك مع كونه جار على مقتضى الفصاحة لخفة الإفراد في السمع وخفة الجمع في الأبصار، وهذه الخفة في الحروف والحركات والسكنات أمر يراعى كثيرا في القرآن، وهو مع ذلك لأن السمع يقع على شيء واحد، ولا يكاد الإنسان يصغي بانتباه إلا لشيء واحد إلا نادرا، بخلاف النظر والبصر فإنه يقع على المبصرات الكثيرة والموجودات المتعددة في المرة الواحدة واللمحة اليسيرة.
ثم قدم السمع على البصر، لعظم منفعة السمع في الدين والوحي، ولذا ترى التديّن فيمن فاته البصر أكثر من التدين فيمن فاته السمع في غالب من ترى، فإن اﻟﻌﻴﻦ ﺗﻘﺼﺮ ﻋﻦ اﻷﺫﻥ، فإن العين ﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﻯ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺑﻬﺎ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺤﺎﺿﺮﺓ ﻭاﻷﻣﻮﺭ اﻟﺠﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻮﺭ ﻭاﻷﺷﺨﺎﺹ ﻓﺄﻣﺎ اﻟﻘﻠﺐ ﻭاﻷﺫﻥ ﻓﻴﻌﻠﻢ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻬﻤﺎ ﻣﺎ ﻏﺎﺏ ﻋﻨﻪ ﻭﻣﺎ ﻻ ﻣﺠﺎﻝ ﻟﻠﺒﺼﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻭاﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ.
وأيضا فالسمع سابق في وجوده على البصر عند الطفل كما هو معلوم عند أهل التخصص.
• ومن ذلك اقتران القصص في القرآن، كاقتران قصة مريم وابنها مع قصة زكريا وآله، في سورة آل عمران، ومريم، والأنبياء، لمناسبتهما من جهة حصول الولد على غير العادة، ولذا تعجّب زكريا بمثل ما تعجبت مريم مستفهمين من حصول هذا الأمر، فقال زكريا: (رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی غُلَـٰمࣱ وَقَدۡ بَلَغَنِیَ ٱلۡكِبَرُ وَٱمۡرَأَتِی عَاقِرࣱۖ)، وقالت مريم: (رَبِّ أَنَّىٰ یَكُونُ لِی وَلَدࣱ وَلَمۡ یَمۡسَسۡنِی بَشَرࣱۖ).
- ومن اقتران القصص ما ذكره شيخ الإسلام من اقتران قصة آدم وموسى، ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺿﻊ من القرآن، فيأتي ﺫﻛﺮ ﻧﺒﻮﺓ ﺁﺩﻡ ﺛﻢ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻌﺪﻩ، كما في سورة طه فإنها ﺗﻀﻤﻨﺖ ﺫﻛﺮ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﺁﺩﻡ، ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﻣﻤﺎ ﻳﻘﺘﻀﻲ ﺫﻛﺮﻫﻤﺎ، ﻭﻟﻤﺎ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺓ، ﻓﺈﻥ ﻣﻮﺳﻰ ﻧﻈﻴﺮ ﺁﺩﻡ ﻓﻲ اﻷﻣﺮ اﻟﺬﻱ ﺻﺎﺭ ﻟﻜﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ.
والحديث يطول عن ذكر أنواع وأمثلة الاقتران في القرآن، من نحو اقتران نفي الخوف والحزن في قوله: (فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ)، واقتران التذكر والخشية في قوله: (فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلࣰا لَّیِّنࣰا لَّعَلَّهُۥ یَتَذَكَّرُ أَوۡ یَخۡشَىٰ)، واقتران في الفؤاد والقلب بالسمع في نحو قوله: (إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى ٱلسَّمۡعَ وَهُوَ شَهِیدࣱ)، واقتران الخوف والطمع كما في قوله: (وَلَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَـٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفࣰا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِیبࣱ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِینَ)، واقتران الإثم بالعدوان والبر بالتقوى، واقتران ذكر صفة الملك مع الشفاعة، واقتران الحروف المقطعة في أوائل السور مع ذكر القرآن، والهجرة والجهاد والذكر والثبات، والذكر والشكر، والصبر والصلاة، مما ينبغي أن يعكف عليها المتدبر، والله أعلم.
كتبه أبو المثنى، ٤/ ٩/ ١٤٤١ هـ
خميس مشيط
جزاك الله خير وفتح عليك وزادك من فضله
ردحذفنفع الله بكم وبارك في علمكم
ردحذفمن أبدع ما قرأت فيما يتعلق بهذا الموضوع
جزاكم الله خير الجزاء على هذا المُدوَّن الماتع