بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فللفقهاء المعاصرين خلاف عريض في حد النظرية الفقهية، وتعريفها، وعلامَ تطلق، وهذه ورقة مختصرة حاولت فيها أن أستخلص معنى النظرية الفقهية في استعمال الفقهاء المعاصرين وتعريفها، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ أسأله سبحانه التسديد والتوفيق.
• النظرية الفقهية:
(هي ترتيب فقهي يجمع القضايا الكلية والأركان والشروط والضوابط والتقاسيم التي تبين موضوعًا واحدًا، يضم تحته جملة من جزئياته الفقهية من أبواب مختلفة).
• فقولي: (ترتيب فقهي): أراه أقرب في تعريف النظرية الفقهية من قولنا: (مفهوم فقهي، أو موضوع فقهي أو نحوه).
والقارئ لكتب النظريات الفقهية، يجد أن استعمالهم لها عبارة عن طريقة جديدة لجمع المسائل الفقهية في نسيج مبتدأ، يجمعها المؤلف من عدة فنون فقهية، ويمازج بينها ليبني تلك النظرية.
• وقولي: (يجمع القضايا الكلية): يدخل فيه الموضوعات العامة للقضية الفقهية التي نصبت عليها النظرية، ويأتي على القواعد الأصولية والفقهية والضوابط المتعلقة بتلك القضيّة، و بهذا يتبين أن النظرية الفقهية عن موضوع معين؛ ليست مجرد قاعدة فقهية خادمة لذلك الموضوع فحسب، ولكنها أشمل من ذلك، فهي تطوي تحت جناحها مجموعة من القواعد الفقهية ومن غيرها من الأصول والكليات.
ويتبيّن بهذا أن فن النظريات الفقهية ليس فنًا من فنون علم الأصول، أو علم الفروع أو القواعد الفقهية، ولكنه طريقة مبتكرة لجمع مباحث متفرقة من عدة فنون تتعلق بموضوع واحد، ثم إعادة ترتيبها في سياق جديد يشمل هذا وهذا.
• قولي: (والأركان والشروط): قد اتضح فيما سبق أن النظرية الفقهية تتحدث عن قضية فقهية معينة، فلا جرم ستضم تحتها الحديث عن أركانها وشروطها.
• قولي: (والتقاسيم): فإن التقاسيم الفقهية مما يعتني به المؤلفون في النظريات الفقهية نظرياتهم، وترى حفاوتهم بإبداع التقسيم المتعلق بتلك القضية إلى الغاية.
• قولي: (تبيّن موضوعًا واحدًا): فإنَّ شأن النظرية الفقهية العناية بموضوع فقهي واحد، تكشف أحكامه وأصوله وحدود قضاياه، وهي في هذا تتفق مع طريقة الفقهاء في تأليفهم للفقه على الأبواب، ولكنها تفارق طريقتهم بأن التأليف الفقهي في باب واحد يتتبع جزئيات موضوع فقهي عملي لا يضع معه غيره مما يناظره من أبواب أخرى إلا عرضًا.
هذا وقد ذكر عدد من أهل العلم أن موضوعات النظريات الفقهية منحصرة في الموضوعات الحقوقية دون غيرها من مباحث الفقه، وربما صح هذا في أول التأليف في هذا الفن، لاسيما وأنه فن جارى فيه الفقهاءُ القانونيين الذين من شأنهم العناية بالجوانب الحقوقية ليس يعدونها إلى غيرها، ولكن هذا لا يعني أن النظريات لابد أن تكون على هذا المنوال فلا تخرج عنه، بل قد رأينا تآليف المختصين في النظريات لم تقتصر على هذا الباب، كما ترى تأليفهم في نظرية الإكراه، ونظرية الشروط، ونظرية الأهلية وهكذا، ولذلك فيمكن للباحث توليد النظريات بحسب موضوعات الفقه ولو لم تكن في أبواب الحقوق.
• قولي: (يندرج تحته جزئيات فقهية) : فإن النظريات الفقهية وضعت خادمة للفروع الجزئية ولكن من منظور شامل، ولذا تجد أن المرجع الأساسي في النظريات هي كتب الفروع، وبهذا تتفق مع القواعد الفقهية في هذا الجانب، إلا أن القاعدة الفقهية تفارق النظرية بأن القاعدة الفقهية صيغة فقهية في ذاتها تضم جزئيات فقهية من جنسها، وأما النظرية فليست هكذا، فإنها ليست وحدة لفظية مصوغة في جملة كلية أو أغلبية، ولكنها تأليف متكامل يضم القاعدة وغيرها وتندرج تحتها الجزئيات تبعًا لذلك.
• قولي: (من أبواب مختلفة): فالنظريات الفقهية في دراستها لمواضيعها لا تتقفر سبيل الفقهاء في ترتيب موضوعاتهم الفقهية، ولكن سبيلها جمع المسائل -التي يجمعها معنى واحد- من أبواب مختلفة ثم نظمه في بناء تأليفي واحد.
وهذا الأمر مما تميز به التأليف في النظرية الفقهية عن تأليف الفقهاء في الأبواب الفقهية، فإن الترتيب التأليفي للفقهاء على الأبواب هو جمع المسائل المتناظرة المندرجة تحت باب واحد، كمسائل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام وسائر أبواب الفقه، فتجمع في موضع واحد، وإن أتوا بغيرها فهو جار على خلاف الأصل، وأما النظرية الفقهية فهي بخلاف ذلك؛ بل إن جمع المتفرق في أبواب الفقه -مما يتفق في نفس المعنى- للخلوص بنظرة شاملة هو مقصود النظرية الأول.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
ماشاء الله
ردحذفحفظكم الله شيخنا أبا المثنى
لله دركم
رفع الله قدركم ونفعنا بكم