الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد، ﷺ، أما بعد:
ففي سياق الآيات التي خاطب الله بها المؤمنين في حال النسك: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَیَبۡلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَیۡءࣲ مِّنَ ٱلصَّیۡدِ تَنَالُهُۥۤ أَیۡدِیكُمۡ وَرِمَاحُكُمۡ لِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ مَن یَخَافُهُۥ بِٱلۡغَیۡبِۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِیمࣱ).
فقد دلت هذه الآية الجليلة أن الفتنة والبلاء والامتحان تعرض للعبد حتى وإن كان في حال فاضل من العبادة كالتنسك بالعمرة والحج.
فلا يزال المؤمن في دنيا الامتحان، تعرض له الفتن وتحوطه في أهله وماله، كما جاء في الصحيحين:
عن ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﺟﻠﻮﺳﺎ ﻋﻨﺪ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﻳﻜﻢ ﻳﺤﻔﻆ ﻗﻮﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ الفتنة، ﻗﻠﺖ ﺃﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻟﻪ: ﻗﺎﻝ: ﺇﻧﻚ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻟﺠﺮﻱء، ﻗﻠﺖ: «ﻓﺘﻨﺔ اﻟﺮﺟﻞ ﻓﻲ ﺃﻫﻠﻪ ﻭﻣﺎﻟﻪ ﻭﻭﻟﺪﻩ ﻭﺟﺎﺭﻩ، ﺗﻜﻔﺮﻫﺎ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺼﻮﻡ ﻭاﻟﺼﺪﻗﺔ، ﻭاﻷﻣﺮ ﻭاﻟﻨﻬﻲ»، ﻗﺎﻝ: ﻟﻴﺲ ﻫﺬا ﺃﺭﻳﺪ، ﻭﻟﻜﻦ الفتنة اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻮﺝ ﻛﻤﺎ ﻳﻤﻮﺝ اﻟﺒﺤﺮ"
وفي مسلم: ﻗﺎﻝ ﺣﺬﻳﻔﺔ: ﻓﺄﺳﻜﺖ اﻟﻘﻮﻡ، ﻓﻘﻠﺖ: ﺃﻧﺎ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺖ ﻟﻠﻪ ﺃﺑﻮﻙ ﻗﺎﻝ ﺣﺬﻳﻔﺔ: ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «ﺗﻌﺮﺽ اﻟﻔﺘﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﻮﺏ ﻛﺎﻟﺤﺼﻴﺮ ﻋﻮﺩًا ﻋﻮﺩًا، ﻓﺄﻱ ﻗﻠﺐ ﺃﺷﺮﺑﻬﺎ، ﻧﻜﺖ ﻓﻴﻪ ﻧﻜﺘﺔ ﺳﻮﺩاء، ﻭﺃﻱ ﻗﻠﺐ ﺃﻧﻜﺮﻫﺎ، ﻧﻜﺖ ﻓﻴﻪ ﻧﻜﺘﺔ ﺑﻴﻀﺎء، ﺣﺘﻰ ﺗﺼﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻴﻦ، ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻴﺾ ﻣﺜﻞ اﻟﺼﻔﺎ ﻓﻼ ﺗﻀﺮﻩ ﻓﺘﻨﺔ ﻣﺎ ﺩاﻣﺖ اﻟﺴﻤﺎﻭاﺕ ﻭاﻷﺭﺽ، ﻭاﻵﺧﺮ ﺃﺳﻮﺩ ﻣﺮﺑﺎﺩا ﻛﺎﻟﻜﻮﺯ، ﻣﺠﺨﻴﺎ ﻻ ﻳﻌﺮﻑ ﻣﻌﺮﻭﻓﺎ، ﻭﻻ ﻳﻨﻜﺮ ﻣﻨﻜﺮا، ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﺷﺮﺏ ﻣﻦ ﻫﻮاﻩ».
فانظر إلى سؤال عمر، وحرصه
فتأمل إحاطة الفتن بالقلب: «على القلوب كالحصير عودا عودا»:
أرأيت نسج الحصير كيف يكون!
تحيط به من فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله، هكذا تحيط الفتن بالقلب بأنواعها (فتن الدنيا، فتنة المدائح، فتنة التضليل، فتنة الأهل والمال والولد، فتنة الأصحاب، وفتن كثيرة لا يزال المؤمن معها في صراع ومجاهدة، ولذلك إذا تبصر المؤمن في هذا الشأن كان أكثر استعداداً وحذراً وتحرزاً، وسيُعدّ للفتنة تجفافاً لأنه يعلم أنه ليس في سبيل سلامةٍ منها!
وقد ثبت في صحيح مسلم في وصفه ﷺ للفتن: "ومنها كرياح الصيف منها صغارٌ ومنها كبار".
أخي المبارك، أختي المباركة، إنَّ الغفلة عن الفتنة وعدم التنبه لأسباب المعاصي قد تكون سببا للقوع في الفتنة، قال ﷻ: {وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا}.
ثم قال بعدُ- : "إن بينك وبينها باباً مغلقاً".
فهذا عمر يخشى الفتنة ويحاذرها ويتطلب علمها ويستعلم صفاتها، فمن يأمن الفتنة لعد عمر؟!وقد دل الدليل أن قبول الفتنة يظلم القلب، قال النبي ﷺ عن أثر الفتن وعاقبة قبول القلب للفتنة: "وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء"رواه مسلم.
وليس من الذين في قلوبهم مرض ومع ذلك تعرض له الفتنة! لكن يختلف صاحب الزيغ ومن في قلبه مرض أنها تسرع إليه الفتنة ولديه قابلية وتشرّب لهذه الفتنةمن كان في قلبه زيغٌ ومرض أسرعت إليه الفتنة أكثر من غيره كما قال تعالى (يانساء النبيّ لستنّ كأحدٍ من النساء إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)
أي ؛ الذي عنده الإستعداد لأن تخمشه الفتنة بخمشاتها!
هذا في الشهوات.
وأيضاً نفس الأمر في الشبهات:
قال تعالى: ( ليجعل مايلقي الشيطانُ فتنةً للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق