الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ففي الصحيحين ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ، ﻋﻦ اﻟﺼﻌﺐ ﺑﻦ ﺟﺜﺎﻣﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ: ﺃﻧﻪ ﺃﻫﺪﻯ ﻟﺮﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺣﻤﺎﺭا ﻭﺣﺸﻴﺎ ﻭﻫﻮ ﺑﺎﻷﺑﻮاء، ﻓﺮﺩ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ، ﻗﺎﻝ: «ﺃﻣﺎ ﺇﻧﺎ ﻟﻢ ﻧﺮﺩﻩ ﻋﻠﻴﻚ ﺇﻻ ﺃﻧﺎ ﺣﺮﻡ».
ما أجلّ خلقه بأبي هو وأمي، وأطيب معاملته، لمّا رأى أنّ هذا الصحابي قد آلمه ردّ النبي ﷺ هديته أراد أن يطيّب خاطره، وأنّ يزيل ما وقع في قلبه.
إنه لم يقل: هذا أمر شرعي، فليغضب من يغضب، وليحزن من يحزن، كلا.
بل بيّن له سبب هذا الرد، ليذهب حزنه، وسلو قلبه.
ومثل ذلك ما ثبت في سنن أبي داود والترمذي ﻋﻦ ﺃﻧﺲ، ﺃﻥ ﺭﺟﻼ، ﺩﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﻋﻠﻴﻪ ﺃﺛﺮ ﺻﻔﺮﺓ، ﻭﻛﺎﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﻠﻤﺎ ﻳﻮاﺟﻪ ﺭﺟﻼ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ ﺑﺸﻲء ﻳﻜﺮﻫﻪ، ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺝ ﻗﺎﻝ: «ﻟﻮ ﺃﻣﺮﺗﻢ ﻫﺬا ﺃﻥ ﻳﻐﺴﻞ ﺫا ﻋﻨﻪ».
أي رآه قد تخلق وصبغ بالزعفران في جسده، وكان هذا مما يتزيّن به النساء، فأراد النبي ﷺ أن ينكر عليه هذا الأمر، ولكنه كره أن يجرح قلبه، فأمر من يبين له هذا.
فالكمال الإيماني أن يبين الشرع وأن يتلطف مع الخلق.
ففيه حفظ لحق الله، ورعاية لحق المخلوقين.
ألم تر أولئك الأجلاف، يخمشون قلوب الناس، ويجرحون نفوسهم؛ ثم لا يرف لهم جفن، ولا يبالون بالناس، ولا يأبهون بأحد.
إنّ من السنن النبوية والآداب الشرعيّة أن يجلّي المؤمن حزن أخيه، ويجتهد في تليين قلبه عليه، خاصة إذا كان قريبا أو ذا رحم له أو كانت زوجة للمؤمن أو كان زوجا للمؤمنة، فإن هذا من اتباع منهج محمد ﷺ.
ومما له اتصال بذلك أن يجتهد المصلحون والعلماء وأهل الدعوة أن يقرنوا الأحكام الشرعية ببيان التعليلات الفقهية أو المقاصد العقلية أو الحِكَم لتكون القلوب أكثر انقيادا للحق، واستجابة للهدى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق