الأحد، 27 يونيو 2021

مواعظ الحج: ذكريات البلاء والانتصار!

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

     فلقد كان في حجّ النبي ﷺ من المواعظ الإيمانية ما تخشع له نفوس المؤمنين، وتزكوا به أفئدتهم.

     وقد ثبت في وصف جابر لحج النبي ﷺ الذي يسميه أهل العلم: منسك جابر، أنه ﷺ صعد الصفا ﺣﺘﻰ ﺭﺃﻯ اﻟﺒﻴﺖ ﻓﺎﺳﺘﻘﺒﻞ اﻟﻘﺒﻠﺔ، ﻓﻮﺣّﺪ اﻟﻠﻪ ﻭﻛﺒﺮﻩ، وﻗﺎﻝ: «ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﻻ ﺷﺮﻳﻚ ﻟﻪ ﻟﻪ اﻟﻤﻠﻚ ﻭﻟﻪ اﻟﺤﻤﺪ ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲء ﻗﺪﻳﺮ، ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﺃﻧﺠﺰ ﻭﻋﺪﻩ، ﻭﻧﺼﺮ ﻋﺒﺪﻩ، ﻭﻫﺰﻡ اﻷﺣﺰاﺏ ﻭﺣﺪﻩ» ﺛﻢ ﺩﻋﺎ ﺑﻴﻦ ﺫﻟﻚ، ﻗﺎﻝ: ﻣﺜﻞ ﻫﺬا ﺛﻼﺙ ﻣﺮاﺕ.

     اليوم بعد عذابات السنين، بعد الهجرة وترك الوطن، بعد مفارقة الأهل ومرابع الطفولة، ومعاهد الصبا، بعد الخوف والتشريد، يعود ﷺ إلى مكة، فيثني على ﷲ ﷻ ويقول: أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده!

     لقد صعد ﷺ على الصفا ورقى عليه وألقى ببصره إلى الكعبة، حيث كان يؤذى ﷺ هو وصحابته.

     هناك هناك عند الكعبة كان يلقى السلا على ظهر النبي ﷺ وهو ساجد، كما في الصحيحين ﻋﻦ اﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻗﺎﻝ: ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﺼﻠﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻴﺖ، ﻭﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﻟﻪ ﺟﻠﻮﺱ، ﻭﻗﺪ ﻧﺤﺮﺕ ﺟﺰﻭﺭ ﺑﺎﻷﻣﺲ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ: ﺃﻳﻜﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﺳﻼ ﺟﺰﻭﺭ ﺑﻨﻲ ﻓﻼﻥ، ﻓﻴﺄﺧﺬﻩ ﻓﻴﻀﻌﻪ ﻓﻲ ﻛﺘﻔﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺇﺫا ﺳﺠﺪ؟ فاﻧﺒﻌﺚ ﺃﺷﻘﻰ اﻟﻘﻮﻡ ﻓﺄﺧﺬﻩ، ﻓﻠﻤﺎ ﺳﺠﺪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻭﺿﻌﻪ ﺑﻴﻦ ﻛﺘﻔﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺎﺳﺘﻀﺤﻜﻮا، ﻭﺟﻌﻞ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻳﻤﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﻭﺃﻧﺎ ﻗﺎﺋﻢ ﺃﻧﻈﺮ، ﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﻣﻨﻌﺔ ﻃﺮﺣﺘﻪ ﻋﻦ ﻇﻬﺮ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﻭاﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺳﺎﺟﺪ ﻣﺎ ﻳﺮﻓﻊ ﺭﺃﺳﻪ ﺣﺘﻰ اﻧﻄﻠﻖ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻓﺄﺧﺒﺮ ﻓﺎﻃﻤﺔ، ﻓﺠﺎءﺕ ﻭﻫﻲ ﺟﻮﻳﺮﻳﺔ، ﻓﻄﺮﺣﺘﻪ ﻋﻨﻪ، ﺛﻢ ﺃﻗﺒﻠﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺗﺸﺘﻤﻬﻢ“.

     ها هو اليوم بأبي هو وأمي، يردد كلمات النصر، ويثني على ربه ويمدحه بمنته بانتصار جند الحق على جند الباطل: (وهزم الأحزاب وحده).

     أين أبو ﺟﻬﻞ ﺑﻦ ﻫﺸﺎﻡ، أين ﻋﺘﺒﺔ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ، أين ﺷﻴﺒﺔ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ، ﻭاﻟﻮﻟﻴﺪ ﺑﻦ ﻋﻘﺒﺔ، ﻭﺃﻣﻴﺔ ﺑﻦ ﺧﻠﻒ، ﻭﻋﻘﺒﺔ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ معيط؟ أين كلّ أولئك الذين عارضوا دين ﷲ وحادوا شرعه؟

لقد أفلوا، وبقي دين ﷲ وبقيت شريعته.

     أيها المبتئسون من أحزان الطريق!

     أيّها المكروبون!

     يا من طال عليهم سبيل البلاء، لا تيأسوا، فإن نصر ﷲ آت، ودينه عزيز، وسنة نبيه ﷺ باقية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق