بسم ﷲ الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ وعلى آله، أما بعد:
فللقرآن طريقة جليلة في تربية النفوس، وتزكيتها، وتطهيرها، ويظهر بعض ذلك عند ذكر شبهات المنحرفين، وأسباب توليد تلك الشبهات، وبواعث تلك الضلالات، وقد جاء في مواضع كثيرة من القرآن حديث طويل عن أسباب الانحراف وطرقه، كما تراه في سورة المؤمنون حين ذكر ﷲ أسباب معارضة الوحي، وشبهات المعرضين عن الدعوة فقال سبحانه: (أَفَلَمۡ یَدَّبَّرُوا۟ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَاۤءَهُم مَّا لَمۡ یَأۡتِ ءَابَاۤءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِینَ أَمۡ لَمۡ یَعۡرِفُوا۟ رَسُولَهُمۡ فَهُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ أَمۡ یَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةُۢۚ بَلۡ جَاۤءَهُم بِٱلۡحَقِّ وَأَكۡثَرُهُمۡ لِلۡحَقِّ كَـٰرِهُونَ وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَاۤءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِیهِنَّۚ بَلۡ أَتَیۡنَـٰهُم بِذِكۡرِهِمۡ فَهُمۡ عَن ذِكۡرِهِم مُّعۡرِضُونَ أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ خَرۡجࣰا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَیۡرࣱۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلرَّ ٰزِقِینَ وَإِنَّكَ لَتَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ)
[سورة المؤمنون 68 - 73].
وهنا ذكر ﷲ ﷻ خمسة أسباب تعطّل عن الاستجابة لأمر الله:
١ - (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ).
٢ - (أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ).
٣ - (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ..).
٤ - (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ..).
٥ - (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ..).
• فذكر في شبهاتهم مما هو من أسباب الضلالة خمسة أمور:
١ - عدم فهم المنهج والكتاب والشريعة، والبعد عن تدبر قول ﷲ، فإن من أعرض عن هذا الوحي العظيم حقيق بأن يضل! فبأي حديث وتذكير وموعظة سيهتدي؟ ولذا يقول ﷲ ﷻ بعد ذكر الآيات المرئية والمقروءة في سورة الجاثية: (تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَیۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ یُؤۡمِنُونَ) [سورة الجاثية 6]، ولعل تقدم عدم تدبر القول على البقية، لأن الحق يعرف من ذاته أكثر من الأمور الخارجة عنه، فتخلف تدبر القرآن سبب كل ضلالة.
٢ - اعتقاد ابتداع الدين، وجِدّتِه وحدوثه، فكثيرا ما يدّعي المبطلون أن الدعوة والرسالة أتت بما لم يعرفه الأولون، واستحدثت مخترعا من المخترعات، فإن النفوس مائلة إلى أخذ ما عليه الآباء، وانتحال ما مضى عليه السابقون، ولذا ذكر ﷲ في حجج المبطلين عند ركوب الفواحش والمآثم، فقال:(وَإِذَا فَعَلُوا۟ فَـٰحِشَةࣰ قَالُوا۟ وَجَدۡنَا عَلَیۡهَاۤ ءَابَاۤءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَاۗ قُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ) [سورة الأعراف 28]، فاحتجوا بما عليه الآباء والأجداد.
٣ - الجهل بصاحب الدعوة، وإنكار تاريخه وزكاء منبته، فطهارة التاريخ، ونصاعة السمعة سبب للقبول.
٤ - القدح بعقله، واتهامه بالجنون وفساد التفكير.
٥ - القدح بسلوكه ونزاهته وبعده عن الدنيا، وأنه يريد نفعا دنيويا وخراجا ماديا.
• ومن عجيب ما ذكره القرآن في سبب الضلالة: ما جاء فيما ضرب ﷲ من مثل المعترضين على الشريعة، المفرّقة بين ما ذكر اسم ﷲ عليه وما لم يذكر قال: (كَذَ ٰلِكَ زُیِّنَ لِلۡكَـٰفِرِینَ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ وَكَذَ ٰلِكَ جَعَلۡنَا فِی كُلِّ قَرۡیَةٍ أَكَـٰبِرَ مُجۡرِمِیهَا لِیَمۡكُرُوا۟ فِیهَاۖ)
فذكر للضلال سببين:
- تزيين الباطل في النفوس، فإن الباطل لا يروج حتى يطرّى بزينة.
- مكر أكابر الناس في البلاد، فالناس كثيرا ما تغلب على عقائدها وتسلب إرادتها، فتتبع مكر الأكابر.
• ومن ذلك ما عقَّب الله به قوله تعالى: (فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِینَ)، فإنه ذكر سببين من أسباب الضلالة والانحراف، وردّ الحق، والإعراض عن تذكرة الوحي، فقال: (بَلۡ یُرِیدُ كُلُّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ أَن یُؤۡتَىٰ صُحُفࣰا مُّنَشَّرَةࣰ كَلَّاۖ بَل لَّا یَخَافُونَ ٱلۡآخِرَةَ)!
فذكر للضلال سببين:
- تزيين الباطل في النفوس، فإن الباطل لا يروج حتى يطرّى بزينة.
- مكر أكابر الناس في البلاد، فالناس كثيرا ما تغلب على عقائدها وتسلب إرادتها، فتتبع مكر الأكابر.
• ومن ذلك ما عقَّب الله به قوله تعالى: (فَمَا لَهُمۡ عَنِ ٱلتَّذۡكِرَةِ مُعۡرِضِینَ)، فإنه ذكر سببين من أسباب الضلالة والانحراف، وردّ الحق، والإعراض عن تذكرة الوحي، فقال: (بَلۡ یُرِیدُ كُلُّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ أَن یُؤۡتَىٰ صُحُفࣰا مُّنَشَّرَةࣰ كَلَّاۖ بَل لَّا یَخَافُونَ ٱلۡآخِرَةَ)!
- محبة الاختصاص بالفضل، وحسد الذين أتوا بالحق، وسبقوا إليه، والرغبة في العلو، فقد أحبت نفوسهم أن يكون لها حظ في النبوة والرسالة.
- عدم الخشية والخوف والرهبة من الآخرة، فذكر ﷻ أن الأمر ليس في عدم اختصاصهم بالكتب، بل في عدم خوفهم ووجلهم.
ومن ذلك ما ذكره ﷻ في قوله: (ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّوا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا عَلَى ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ)، فإنه قال قبلها ﷻ: (مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَىِٕنُّۢ بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرࣰا فَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ)، في سورة النحل، فقد ذكر من أسباب الكفر بعد الإيمان استحباب الحياة الدنيا، والميل لها، والرغباء إلى زينتها.
• وبعد ذلك فهل كان المنحرف يدرك قبيح ما هو عليه من انحراف؟ وهل يعلم عظيم الجناية التي تلطخت بها جوارحه وهو يكفر بالله ورسله؟
إن صاحب الباطل لا يتقلب في باطله إلا على صوف من احتيال! يخاتل نفسه التي بين جنبيه بأنواع من الحيل الخداعات، وقد قصّ ﷲ في سورة (ص) من ذلك خبرا، فذكر في صدر السورة من تعلّلات المشركين لردّ الوحي صورا تكشف هذا الشأن، فقال ﷻ: (بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ مَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِی ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا ٱخۡتِلَـٰقٌ أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ).
- فذكر منها خمسة أمور أيضا:
ومن ذلك ما ذكره ﷻ في قوله: (ذَ ٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسۡتَحَبُّوا۟ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا عَلَى ٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ)، فإنه قال قبلها ﷻ: (مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ إِیمَـٰنِهِۦۤ إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَىِٕنُّۢ بِٱلۡإِیمَـٰنِ وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرࣰا فَعَلَیۡهِمۡ غَضَبࣱ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ)، في سورة النحل، فقد ذكر من أسباب الكفر بعد الإيمان استحباب الحياة الدنيا، والميل لها، والرغباء إلى زينتها.
• وبعد ذلك فهل كان المنحرف يدرك قبيح ما هو عليه من انحراف؟ وهل يعلم عظيم الجناية التي تلطخت بها جوارحه وهو يكفر بالله ورسله؟
إن صاحب الباطل لا يتقلب في باطله إلا على صوف من احتيال! يخاتل نفسه التي بين جنبيه بأنواع من الحيل الخداعات، وقد قصّ ﷲ في سورة (ص) من ذلك خبرا، فذكر في صدر السورة من تعلّلات المشركين لردّ الوحي صورا تكشف هذا الشأن، فقال ﷻ: (بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ صۤۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِی ٱلذِّكۡرِ بَلِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فِی عِزَّةࣲ وَشِقَاقࣲ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنࣲ فَنَادَوا۟ وَّلَاتَ حِینَ مَنَاصࣲ وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ مَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِی ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا ٱخۡتِلَـٰقٌ أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ بَلۡ هُمۡ فِی شَكࣲّ مِّن ذِكۡرِیۚ بَل لَّمَّا یَذُوقُوا۟ عَذَابِ).
- فذكر منها خمسة أمور أيضا:
١- قال ﷻ عنهم: (وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ):
فاتهموه بوصف يحمل شناعة يُنفّر منه الناس، فوصفوه بالسحر، وهي طريقة أهل الباطل في كل وقت مع أهل الحق في كل حين.
فاتهموه بوصف يحمل شناعة يُنفّر منه الناس، فوصفوه بالسحر، وهي طريقة أهل الباطل في كل وقت مع أهل الحق في كل حين.
٢- قلب التعليل العقلي، بجعل غير المعقول معقولا ثم الظهور بمظهر الرجيح العاقل المتعجب من الغلط، قال ﷲ: (أَجَعَلَ ٱلۡـَٔالِهَةَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدًاۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءٌ عُجَابࣱ)
وإلا فإن الدلالة العقلية تنفي تعدد الآلهة.
وإلا فإن الدلالة العقلية تنفي تعدد الآلهة.
٣- ومنه ما قاله ﷻ: (إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ)!
فاتهموا أهل الحق أن لهم مآرب ومرادات وراء دعوتهم.
فاتهموا أهل الحق أن لهم مآرب ومرادات وراء دعوتهم.
٤- ومنه اتهام أصحاب الحق بأنهم يأتون بالجديد الذي لا يعرف من قبل، قال ﷻ عن مقالتهم: (مَا سَمِعۡنَا بِهَـٰذَا فِی ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ)
٥- ومن تعللات أهل الباطل التي حكاها القرآن عنهم في مواطن كثيرة، وذكرها هنا في أول (ص) شموخ أنفسهم أن يتبعوا رجلا مثلهم، وهذا أمر يتكرر في كل وقت، يقول أحدهم: هذا مثله مثلنا فلماذا نتبعه، قال ﷻ: (أَءُنزِلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ مِنۢ بَیۡنِنَاۚ)!.
جزاكم الله خيرا ونفع بكم شيخنا
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف5- ومن تعللات أهل الباطل التي حكاها القرآن عنهم في مواطن كثيرة، وذكرها هنا في أول (ص) شموخ أنفسهم أن يتبعوا رجلا مثلهم، وهذا أمر يتكرر في كل وقت، يقول أحدهم: هذا مثلهم مثلنا فلماذانتبعه، قال جل جلاله: (آءُنزلَ عليه الذكر من بيننا)!.
ردحذف