بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد:
• فقد انتشر كلام لأحد الفضلاء في: صفة السجود، والقدر المجزئ للسجود على الأعضاء السبعة.
وقرر أنه يجب استيعاب السجود على كل أجزاء العضو في السجود، فإنه ألحق الوعيد الوارد في ترك غسل بعض عضو الوضوء؛ بمن ترك بعض عضو السجود، فقال: ويل للأصبع الصغيرة من النار إذا لم تسجد وتمس الأرض.
• فلو أن هذا الفاضل أبقاه على السنة والكمال المستخب فلربما كان له مساغ، ولكن أن يجعله مما يعلق عليه الوعيد والذم فهذا خلل بيّن، يظهر لك بمعرفة ترتيب المسألة على النحو هذا:
قد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين (البخاري ٨١٢ ، ومسلم ٤٩٠)
• وقد اختلف أهل العلم في القدر الواجب في السجود من جهتين:
١) الواجب من الأعضاء في السجود:
- فقالت طائفة: يجب السجود على جميعها، وهو أحد القولين للشافعي، ومذهب أحمد، وأكثر أصحابه لم يحك عنه فيه خلافا، وهذا قول عند المالكية وإسحاق.
ويدل على هذا القول: هذه الأحاديث الصحيحة بالأمر بالسجود على هذه الأعضاء كلها، والأمر للوجوب.
-وقالت طائفة: إنما يجب بالجبهة فقط لا يجب بغيرها، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه والقول الثاني للشافعي، وحكي رواية عن أحمد.
وقالوا: فإن السجود في كلام العرب وضع الجبين.
والأعضاء الأخرى أتت على سبيل التبع فتحمل على السنية.
(حاشية الطحطاوي ٢٣٤ ، منح الجليل ١/٢٥٠، نهاية المحتاج ١/٥١٢، حاشية البجيرمي ٢/٣٥، شرح الزركشي على الخرقي ١/٥٦٨)
واختلفوا بعد ذلك هل يجزئ الأنف عن الجبهة أم لا؟ على قولين، ليس من شأننا في هذه التوة ذكر تفصيل ذلك.
٢) ثم اختلف القائلون بوجوب السجود على كل الأعضاء في القدر المجزئ من كل عضو:
وعامة أهل العلم أنه يجزئ في السجود بعض العضو لا كله، فمن سجد على بعض جبهته أو بعض أنفه أو بعض يديه ورجليه أجزأ عندهم ذلك. (حاشية الطحطاوي ٢٣٤ ، منح الجليل ١/٢٥٠، المجموع شرح المهذب ٣/٤٢٨)
-قالوا: لأن الحديث لم يقيد ذلك. (شرح منتهى الإرادات ١/١٩٨)
-ولأنه لا يمكن استيعاب كل الجبهة ضرورة، فإن حد الجبهة إلى ما انحنى من الجبينين ولا يسجد عليها بلا إشكال.
-ولأن من صلى بالخف فلا يمكن أن يسجد على جميع أصابع قدمه.
-وقد حكي الإجماع على ذلك. (فتح الباري لابن رجب ٧/ ٢٥٤)
-وقد جاء عن بعض أهل العلم إيجاب استيعاب الكفين كما حكي عن بعض الحنابلة: أنه يجب استيعاب الكفين بالسجود عليهما، وهو قول أبي خيثمة بن حرب والطبري ونص على عدم بطلان الصلاة بذلك. (تهذيب الآثار ١/ ٢٠٩، فتح الباري لابن رجب ٧ / ٢٥٤)
وأما استيعاب السجود على أصابع الأقدام فلا تكاد تجد من يشير لذلك.
• فإذا نظرت لمختصر كلام أهل العلم في ذلك؛ تبين لك الإشكال في كلام ذلك الفاضل.
وأما إلحاقه الوعيد -في ترك بعض أجزاء العضو في الوضوء- بترك بعض العضو في السجود؛ فذاك مما لا يجري على منوال القياس الصحيح، وتصوره كاف في رده، وليس مما يستحق أن يتكلف نقضه لخروجه عن قانون الفقه، وقائل ذلك مطالب بذكر العلة الجامعة بين الصورتين، ونفي الفارق بينهما وتنقيح مناط الحكم.
وأما تعضيد رأيه وتقويته بذكر الرؤيا التي رآها، وأن رؤيا الأولياء والصالحين من الوحي؛ فهو يحتاج لمقدمتين:
-المقدمة الأولى: أن يجزم بأنها من الرؤى وليست من حديث النفس أو إلقاء الشيطان.
-والمقدمة الثانية: أن يثبت أن الرؤى مما يعتمد عليها في أصل إثبات الأحكام، فإن الرؤى مرجح خارج عن المرجحات الشرعية.
ولئن جاز الاطمئنان إليها بعد تقرير الحكم بالدلائل الشرعية فإنه لا يجوز أن تنفرد بتقرير أصل الحكم الذي ذكره الشيخ الفاضل، ولقد وددت لو لم يأت الشيخ بمثل ذلك الأمر الذي سيدخل أهل الأهواء بجنسه لتقويض الشريعة.
والله المستعان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق