الجمعة، 24 مايو 2019

ختام سورة يوسف.

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
     فبماذا ختمت سورة يوسف؟
     السورة التي سماها الله أحسن القصص.
     سورة الإبتلاءات، ابتلاءات الكيد والجب والرق وكيد النساء والاتهام والسجن ثم الامتحان بالملك والسلطة والمال.
     سورة الإحسان، الإحسان في حال الاستضعاف والإحسان في حال البلاء والسجن، والإحسان في حال الملك والقوة.
     سورة الدعوة في مراحل الحياة الخافضة والرافعة.
     سورة الثبات في مواجهة الإغراء، والثبات في السجن، والثبات عند فتنة الخروج من السجن بغير تبرئة، والثبات عند حصول الملك والقوة.
     السورة التي نزلت بعد موت أبي طالب وخديجة.
     سورة الفراق المحرق، واللهفة الأبوية، والحزن الطويل على الابن الأثير والعين الباكية، وآلام السنين، ثم روعة اللقاء وفرحة الاجتماع بالأبوين والإخوة والأهل.

     •• ختمت هذه السورة بذكر بعض موانع الاستجابة للدعوة والحق، فذكرت منها:
- المانع الأول: الغرم المالي، والكلفة الدنيوية، يقول ﷻ: (وَمَا تَسۡـَٔلُهُمۡ عَلَیۡهِ مِنۡ أَجۡرٍۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرࣱ لِّلۡعَـٰلَمِینَ)، وكثيرا ما تكرر في القرآن تجريد الداعية والمصلح من الأغراض الدنيوية وراء دعوته، إغلاقا لعذر أهل الباطل، وتزكية للمصلح الصادق في دعوته ألا يرقب مكسبا دنيويا، ولا يربأ مغنما ماديا.

- المانع الثاني: الإعراض عن الحجج، والإدبار عن البراهين، يقول ﷻ: (وَكَأَیِّن مِّنۡ ءَایَةࣲ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ یَمُرُّونَ عَلَیۡهَا وَهُمۡ عَنۡهَا مُعۡرِضُونَ).

- المانع الثالث: الأمن من العقوبة والعذاب، قال ﷻ: (أَفَأَمِنُوۤا۟ أَن تَأۡتِیَهُمۡ غَـٰشِیَةࣱ مِّنۡ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوۡ تَأۡتِیَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغۡتَةࣰ وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ).

- المانع الرابع: عدم الاعتبار عند السير في الأرض، قال ﷻ: (أَفَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ وَلَدَارُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ خَیۡرࣱ لِّلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ).
فإن السير في الأرض ربما أيقظ قلب المعرض، فيرحف قلبه إذا رأى آثار السالفين، وفناء عمارتهم.

     •• وختمت بتقسيم الناس في موقفهم من الحق إلى ثلاثة أقسام:
١ - من لا يؤمن بالوحي، وهم أكثر الخلق، (وَمَاۤ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِینَ).
٢ - من يؤمن ثم يقدح في إيمانه بما يشوبه من الشرك!، بالرياء والسمعة والتفات القلب عن ﷲ في توكّله وتوجهه، ونحوها مما يشرك به، وهم أكثر أولئك القليل ممن لم يدخل في القسم الأول،  قال ﷻ: (وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ).
٣- أهل الإخلاص لله في دعوتهم وعبوديتهم، قال ﷻ: (قُلۡ هَـٰذِهِۦ سَبِیلِیۤ أَدۡعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِیرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِیۖ وَسُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَمَاۤ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ)، وتأمل كيف أكد شأن الإخلاص، فقال: (إِلَى ﷲ)، ثم كرر فقال: (وما أنا من المشركين)، وقد جاء الثناء على أهل الحق والدعوة في الآية، بأن سبيلهم واحدة، لا تفرق فيها ولا اختلاف.
وأن أهلها أهل يقين بها لا يرتابون ولا يترددون، وهم أهل تميّز عن المشركين، في كل أحوالهم، ضعفا وقوة.
وهم سلسلة طاهرة يمضون على نهج من سلف، فليسوا خارجين عن طريقة النبوة الأولى، ولا مخترعين لسبيل لم تسلك، قال ﷻ: (وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالࣰا نُّوحِیۤ إِلَیۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰۤۗ)

     •• ثم يأتي الختام الشجي، الختام بذكر سنة ﷲ في أهل الدعوات، بعد البلاء والتضحية والصبر، {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء}.
وهكذا يختم سياق قصة البلاء العظيم، العظيم في وقعه، وفي تنوعه، وفي طوله، إن العاقبة لأهل التقوى والإيمان والصدق. 

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷲ.
١٩ / ٩ / ١٤٤٠ هـ

هناك 3 تعليقات: