الاثنين، 27 يوليو 2020

أنواع الاشتراك في الأضحية.

بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
    فمن المسائل التي يكثر دورانها على ألسنة المتفقهين في دين ﷲ، والسائلين عن أحكامه: حكم الاشتراك في الأضحية،  والاجتماع في الثمن والنسك والأجر.
     والاشتراك فيها على أنواع:
١- أن يضحي المضحي ويشرك معه أهل بيته، فهذا قد جاء الحديث بمشروعيته، كما ثبت في الصحيحين عن ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: «ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻳﻀﺤﻲ ﺑﻜﺒﺸﻴﻦ»، وعن أبي ﺃﻳﻮﺏ اﻷﻧﺼﺎﺭﻱ قال: "ﻛﺎﻥ اﻟﺮﺟﻞ ﻳﻀﺤﻲ ﺑﺎﻟﺸﺎﺓ ﻋﻨﻪ ﻭﻋﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺘﻪ، ﻓﻴﺄﻛﻠﻮﻥ ﻭﻳﻄﻌﻤﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﺗﺒﺎﻫﻰ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺼﺎﺭﺕ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻯ" رواه الترمذي.
فيضحي الرجل عنه وعن أهل بيته، وهذا مشروع مجزئ في قول أكثر السلف.
     وهم شركاء في الإجزاء في النسك على أصح أقوال العلماء، وليست مجرد شركة في الثواب كما هو قول بعضهم، وذلك أن الاشتراك نوعان: اشتراك في إجزاء النسيكة، واشتراك في الأجر.
٢- ويدخل في ذلك لو كان للرجل زوجتان أو أكثر، فتجزئ أضحية واحدة، لأن النبي ﷺ ضحى بكبشين وكان له تسعة أبيات.

٣- ويدخل في ذلك كل من سكن مع المضحي، ممن ينفق عليه، من ابن أو أخ أو قريب، فتجزئ أضحية واحدة، عند أكثر فقهاء الأمصار.

٤- ولا يدخل فيه الخدم والعاملون عنده.

٥- ولا يدخل في ذلك الأموات، فالميت لا يدخل في شِرك الأضحية، لأنه لم يعد من أهل البيت، وإنما يضحّى عنه استقلالًا، أو يشرك في الثواب، كما سيأتي.

٦- ويجزئ اشتراك سبعة فأقل في بدنة أو بقرة، عند أكثر أهل العلم، لحديث جابر في مسلم: أﻣﺮﻧﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺃﻥ ﻧﺸﺘﺮﻙ ﻓﻲ اﻹﺑﻞ ﻭاﻟﺒﻘﺮ، ﻛﻞ سبعة ﻣﻨﺎ ﻓﻲ بدنة"، وأمر الأضحية والهدي واحد، ولذا بوّب أبو داود والترمذي على الحديث في أحكام الأضاحي، وأما ما روي ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺎ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ ﻓﺤﻀﺮ اﻷﺿﺤﻰ ﻓﺎﺷﺘﺮﻛﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻘﺮﺓ سبعة، ﻭﻓﻲ اﻟﺒﻌﻴﺮ ﻋﺸﺮﺓ"، رواه الترمذي،  فهو معلول، ولذا قال عنه الترمذي: حسن غريب، كعادته حين يريد بيان وهن الحديث، وأشار لضعفه الطبري والبيهقي وغيرهما.

٧- ولا يصح الاشتراك في النسك في التضحية بشاة من ضأن أو معز، فإن ذلك إنما يصح ذلك عن الشخص وأهل بيته، وأما تشارك اثنين فأكثر في النسك بشاة فغير مجزئ، لمفهوم التقسيم في حديث جابر السالف، فإن الشريعة لما جوزت الشركة في البدن والبقر دلّ على اختصاصها بالحكم دون الشياه، وإلا فما هو المقتضى لاختصاص البدن والبقر به.
وأيضًا: فلو قيل بجواز الاشتراك لكان لابد له من حدّ في عدده يؤوب إليه، ولم يأتِ تحديد له في الشريعة ومن حدد فقد تحكّم.
وأيضًا فلا يصح أن ينصب في المسألة أصل تقاس عليه الشياه، وقد حكي الإجماع على ذلك، قال ابن رشد: "وأجمعوا على أن الكبش لا يجزيء إلا عن واحد".
     وأما حديث ﺃبي اﻷﺷﺪ اﻟﺴﻠﻤﻲ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﺟﺪﻩ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﺳﺎﺑﻊ سبعة ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻗﺎﻝ: ﻓﺄﻣﺮﻧﺎ ﻧﺠﻤﻊ ﻟﻜﻞ ﺭﺟﻞ ﻣﻨﺎ ﺩﺭﻫﻤﺎ، ﻓﺎﺷﺘﺮﻳﻨﺎ أضحية بسبعة اﻟﺪﺭاﻫﻢ"، رواه أحمد، والسبعة دراهم ونحوها إلى الدينار، ثمن الشاة في عهدهم، لا ثمن البقر والإبل، ولكن الحديث لا يفرح به فهو ضعيف.
     فإن تشاركوا في ثمن شاة، لم تصح الأضحية إلا عن واحد، ولكن هم شركاء في الأجر دون النسك، فالنسك لا يقع في الشاة إلا عن شخص واحد وأهل بيته، فإن كانوا جماعة ليسوا أهل بيت فاشتركوا في الثمن فليهبوها لأحدهم، وينسك النسيكة وينوي التضحية.
     ومثله لو تشاركوا لشراء أضحية ليهدوها لحي أو ميت كأب وأم، جازت الشركة هنا، لأن التضحية ليست عن المجموع، بل هي عن شخص واحد.
     ومما أتعجب منه عند نظري لكلام الفقهاء وتعظيمهم لشأن الأضحية أن منهم من لا يرى الاشتراك حتى في البدن والبقر كمالك، وأن بعض من يرى الاشتراك في البدنة والبقرة يقول: هو على خلاف الأصل والقياس، ويجعل القياس أﻥ اﻹﺭاﻗﺔ ﻗﺮﺑﺔ ﻻ ﺗﺘﺠﺰﺃ، ولهذا فسترى أن كتبًا كثيرة من كتب الفقهاء لا ينوّهون بمسألة اشتراك أكثر من واحد في الشاة، فكأنها لوضوحها لا تحتاج لتنويه.

٨- ولا يصح أن يشتري من أراد التضحية سبع بدنة أو بقرة، بل لابد أن تذبح على نية التقرب منه، والأقرب أنه يجب أن ينوي جميع المشتركين القربة في الأضحية ببدنة إبل أو بقرة، خلافًا لمن قال: تجوز اختلاف نيات المشتركين، بين متقرب ومريد لحم، لأن إهراق الدم لا يتجزأ.

٩- ويصح أن يشرك المضحي من شاء في أجر الأضحية، فعن ﺟﺎﺑﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻗﺎﻝ: ﺷﻬﺪﺕ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ اﻷﺿﺤﻰ ﺑﺎﻟﻤﺼﻠﻰ، ﻓﻠﻤﺎ ﻗﻀﻰ ﺧﻄﺒﺘﻪ ﻧﺰﻝ ﻣﻦ ﻣﻨﺒﺮﻩ ﻭﺃﺗﻲ ﺑﻜﺒﺶ ﻓﺬﺑﺤﻪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﻴﺪﻩ، ﻭﻗﺎﻝ: «ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﻫﺬا ﻋﻨﻲ، ﻭﻋﻤﻦ ﻟﻢ ﻳﻀﺢ ﻣﻦ ﺃﻣﺘﻲ»، فهو محمول عند كثير من العلماء على أنه ﷺ أشركهم في الأجر، لا في النسك.

١٠- ﻭﻟﻮ اﺷﺘﺮﻙ اﺛﻨﺎﻥ ﻓﻲ ﺷﺎﺗﻴﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﻴﻮﻉ ﺃﺟﺰﺃ، نص عليه أحمد.

١١- ويجوز أن يشرك الميّت في أجر الأضحية، فيضحي هو أصالة، وينوي أن يهدي للميت من ثوابها، وإن أراد التضحية عن الميت فقد جوز كثير من السلف أن يضحي عنه استقلالًا، وهي أولى ما يدخل في إهداء القربات المالية.

١٢- أما جمع نيتين في ذبيحة كعقيقة وأضحية،  فقد جوزه بعض السلف كالحسن وابن سيرين، وقال به بعض فقهاء الأمصار، والقول بالمنع قول كثير، وهو قول قوي.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ.

هناك 4 تعليقات:

  1. جزاك الله خيرًا يا شيخنا وبارك جهدك وتقبل الله منا ومنكم

    ردحذف
  2. فتح الله عليك شيخنا ونفع الله بعلمك وقلمك

    ردحذف
  3. تقبل الله منا ومنكم
    كل عام وانت بخير شيخنا

    ردحذف
  4. بوركتم شيخنا الفاضل،وزادكم ربي فقها وفهما وحكمة

    ردحذف