الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
فمن صلى مع إمامه الوتر، وأراد أن يتنفل بعدُ، فالأفضل له أن يقوم فيشفع بركعة، ثم يصلي ما يسره ﷲ له ثم يوتر آخر صلاته، وهذا رواية عن الإمام أحمد.
• وهذه الصورة، فيها تحصيل لأجر من صلى مع الإمام حتى ينصرف، كما جاء في المسند والترمذي ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺫﺭ ﻗﺎﻝ: ﺻﻤﻨﺎ ﻣﻊ ﺭﺳﻮﻝ الله ﷺ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﻞ ﺑﻨﺎ، ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻲ ﺳﺒﻊ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ، ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺛﻠﺚ اﻟﻠﻴﻞ، ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﻢ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺩﺳﺔ، ﻭﻗﺎﻡ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ، ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺷﻄﺮ اﻟﻠﻴﻞ، ﻓﻘﻠﻨﺎ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ الله ﻟﻮ ﻧﻔﻠﺘﻨﺎ ﺑﻘﻴﺔ ﻟﻴﻠﺘﻨﺎ ﻫﺬﻩ؟ ﻓﻘﺎﻝ: «ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﻗﺎﻡ ﻣﻊ اﻹﻣﺎﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺼﺮﻑ ﻛﺘﺐ ﻟﻪ ﻗﻴﺎﻡ ﻟﻴﻠﺔ»، ﺛﻢ ﻟﻢ ﻳﺼﻞ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻘﻲ ﺛﻼﺙ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺮ، ﻭﺻﻠﻰ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻭﺩﻋﺎ ﺃﻩﻟﻪ ﻭﻧﺴﺎءﻩ، ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺨﻮﻓﻨﺎ اﻟﻔﻼﺡ، ﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻭﻣﺎ اﻟﻔﻼﺡ، ﻗﺎﻝ: اﻟﺴﺤﻮﺭ.
• وفيها أخذ بسنة ختم الصلاة الليلية بالوتر لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال ﷺ: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا».
• وفيها اتقاء لنهي النبي ﷺ من تكرار الوتر، كما في السنن والمسند عن طلق بن علي: «لا وتران في ليلة».
- ولا يقال: إنه إن قام فشفع بركعة لم يدخل في فضيلة من صلى مع إمامه حتى ينصرف، فإن من صلى مع إمامه وزاد الشفع صح أنه لم ينصرف حتى انصرف إمامه وزيادة، والقول بأن من زاد بعد إمامه ليس ممن يدخل في الحديث ظاهرية لا تلائم سياق الحديث وقصته كما سلف، وإن كان قد قال به بعض العلماء.
وإنما يخرج عن هذه الفضيلة من لم يصل مع إمامه، أو انصرف قبله، وفي ذلك قال البهوتي في كشاف القناع: (ﻓﺈﻥ ﺃﺣﺐ ﻣﻦ ﻟﻪ ﺗﻬﺠﺪ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ الإﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﻭﺗﺮﻩ؛ ﻗﺎﻡ ﺇﺫا ﺳﻠﻢ الإﻣﺎﻡ ﻓﺸﻔﻌﻬﺎ -ﺃﻱ ﺭﻛﻌﺔ اﻟﻮﺗﺮ- ﺑﺄﺧﺮﻯ، ﺛﻢ ﺇﺫا ﺗﻬﺠﺪ ﺃﻭﺗﺮ، ﻓﻴﻨﺎﻝ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ الإﻣﺎﻡ ﺣﺘﻰ ﻳﻨﺼﺮﻑ، ﻭﻓﻀﻴﻠﺔ ﺟﻌﻞ ﻭﺗﺮﻩ ﺁﺧﺮ ﺻﻼﺗﻪ).
• وفي هذا الصنيع تأخير للوتر إلى الوقت الفاضل، فإن ﺃﻛﺜﺮ اﻟﺴﻠﻒ على أن الأفضل تأخير الوتر إلى ﺁﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ، وهو قول ﻋﻤﺮ ﻭﻋﻠﻲ ﻭاﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮﺩ ﻭاﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ.
ﻭﻋﻦ اﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ، ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻳﺨﺘﻠﻔﻮﻥ ﺃﻥ اﻟﻮﺗﺮ ﻣﻦ ﺁﺧﺮ اﻟﻠﻴﻞ ﺃﻓﻀﻞ.
ﻭقد اﺳﺘﺤﺒﻪ اﻟﻨﺨﻌﻲ ﻭﻣﺎﻟﻚ ﻭاﻟﺜﻮﺭﻱ ﻭﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻭﺃﺣﻤﺪ –ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻬﻮﺭ ﻋﻨﻪ - ﻭﺇﺳﺤﺎﻕ.
ويتأكد ذلك في مثل هذه النازلة التي خففت لها صلاة التراويح في المساجد، ويطمع المؤمن بالازدياد في الصلاة والقراءة والدعاء، ويرغب ختم صلاته بالوتر.
لاسيما على القول بعدم وجوب متابعة الإمام في نيته وفعله، كما هو مذهب الشافعي وجمع من فقهاء المحدثين، وهو الذي تدل عليه الأدلة.
بل ربما كانت مستثناة من أصل المنع حتى على القول بالمنع، قال البرهان ابن مفلح في المبدع: (ﺇﺫا ﺻﻠﻰ ﻓﺮﺿًﺎ ﺭﺑﺎﻋﻴﺔ ﺧﻠﻒ ﻣﻦ ﻳﺼﻠﻲ اﻟﻈﻬﺮ ﺃﺭﺑﻌﺎ، ﻭﻗﻴﻞ: ﺃﻭ اﻟﻤﻐﺮﺏ، ﻓﺈﺫا ﺗﻢ ﻓﺮﺿﻪ ﻗﺒﻞ ﺇﻣﺎﻣﻪ، ﻫﻞ ﻳﻨﺘﻈﺮﻩ ﺃﻭ ﻳﺴﻠﻢ ﻗﺒﻠﻪ، ﺃﻭ ﻳﺨﻴﺮ؟ ﻓﻴﻪ ﺃﻭﺟﻪ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﺣﺪاﻫﻤﺎ ﺗﺨﺎﻟﻒ اﻷﺧﺮﻯ ﻛﺼﻼﺓ ﻛﺴﻮﻑ، ﻭاﺳﺘﺴﻘﺎء، ﻭﺟﻨﺎﺯﺓ، ﻭﻋﻴﺪ، ﻣﻨﻊ ﻓﺮﺿًﺎ، ﻭﻗﻴﻞ: نفلًا؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻔﻀﻲ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺨﺎﻟﻔﺔ ﻓﻲ اﻷﻓﻌﺎﻝ)، فعلّق البهوتي: (ﻓﻴﺆﺧﺬ ﻣﻨﻪ ﺻﺤﺔ ﻧﻔﻞ ﺧﻠﻒ ﻧﻔﻞ ﺁﺧﺮ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻔﻪ ﻓﻲ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻛﺸﻔﻊ ﻭﻭﺗﺮ ﺧﻠﻒ ﺗﺮاﻭﻳﺢ ﺣﺘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻮﻝ اﻟﺜﺎﻧﻲ).
ولا يقال: بأن ترك الوتر مع الإمام رأسا هو الأفضل ثم يستدل بأن أبي بن كعب ترك جماعة التراويح، فإن أبي بن كعب كان إمامًا، وإنما موضع الإشكال في المأموم.
ولا يقال: إن هذا ليس مأثورًا عن الصحابة، فإن جمهور الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يصلون منفردين، ومن صلى جماعة منهم فقد كان يطيل الصلاة.
والعلم عند رب العالمين.
بارك الله فيكم
ردحذفمفيد جدا جدا