السبت، 21 أغسطس 2021

يوم عاشوراء؛ وذكريات النصر

      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

يا صباحاً ليس يُنسى

فيهِ نجّى اللهُ موسى


يوم عاشوراء..ربي

عدلَهُ في الأرض أرْسى


أهلك الباغي وأعطى

فيهِ للباقين درْسًا:


أنّ للظالمِ يومًا

أن للمظلومِ شمْسًا!

     لقد طال ليل ظلم فرعون لموسى ﷺ وقومه، وأتت عليهم عشرات السنين وهم تحت القهر والظلم والفتنة.

وكثير من الناس يستطيل البلاء، ويشتد عليه الكرب، ولقد استطال قوم موسى البلاء، (وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِیُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَیَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَـٰهِرُونَ ۝  قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ ۝  قَالُوۤا۟ أُوذِینَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِیَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ).

     فكان الفرج والنصر في مثل هذا اليوم العظيم، قال ﷻ: (فَأَتۡبَعُوهُم مُّشۡرِقِینَ ۝  فَلَمَّا تَرَ ٰ⁠ۤءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ ۝  قَالَ كَلَّاۤۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ ۝  فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقࣲ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِیمِ ۝  وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡـَٔاخَرِینَ ۝  وَأَنجَیۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤ أَجۡمَعِینَ).

     لقد ظنّ قوم موسى ﷺ أنّها نهاية الدعوة، وأنه قد آن أوان استحصاد الحق، وقطع شأفته، وما علموا أنّ الظلم يخطو إلى حتفه بظلفه، وأن هذه الهبّة الفرعونية ضد الحق وأهله ستكون قاضية الطغاة، فيا أيها المكروب، كن موسوي اليقين، مقتديًا به ﷺ حين قال: (قَالَ كَلَّاۤۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ)، ولا يستولين عليك اليأس، ولا ينغلقنّ عليك الأمر، ولو رأيت حلقاته قد ضاقت، ولو ظننت أن تسلط الباطل قد بلغ الجبال، لقد فقه موسى ﷺ الدرس، حين قال في أوّل الدعوة:  (قَالَا رَبَّنَاۤ إِنَّنَا نَخَافُ أَن یَفۡرُطَ عَلَیۡنَاۤ أَوۡ أَن یَطۡغَىٰ ۝  قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ)، لقد خاف موسى ﷺ في أول الدعوة، فعلمه ربه ﷻ، فكان مآله أن قالت لك الكلمة العظيمة: (كَلَّاۤۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ)، فاستشعر معيّة ﷲ له، وهكذا فمن استشعر معيّة ﷲ استهتر بكل باطل، وأيقن باضمحلال أمره، وفي المسند ﻋﻦ اﻟﺒﺮاء ﺑﻦ ﻋﺎﺯﺏ ﻗﺎﻝ: ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﺤﻔﺮ اﻟﺨﻨﺪﻕ، ﻗﺎﻝ: ﻭﻋﺮﺽ ﻟﻨﺎ ﺻﺨﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻣﻦ اﻟﺨﻨﺪﻕ، ﻻ ﺗﺄﺧﺬ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻤﻌﺎﻭﻝ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺸﻜﻮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ، ﻓﺠﺎء ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ فوﺿﻊ ﺛﻮﺑﻪ ﺛﻢ ﻫﺒﻂﺇﻟﻰ اﻟﺼﺨﺮﺓ، ﻓﺄﺧﺬ اﻟﻤﻌﻮﻝ ﻓﻘﺎﻝ: "ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ"، ﻓﻀﺮﺏ ﺿﺮﺑﺔ ﻓﻜﺴﺮ ﺛﻠﺚ اﻟﺤﺠﺮ، ﻭﻗﺎﻝ: "اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﺸﺎﻡ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺑﺼﺮ ﻗﺼﻮﺭﻫﺎ اﻟﺤﻤﺮ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻫﺬا"، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ"، ﻭﺿﺮﺏ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻜﺴﺮ ﺛﻠﺚ اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻘﺎﻝ: "اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ، ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻓﺎﺭﺱ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺑﺼﺮ اﻟﻤﺪاﺋﻦ، ﻭﺃﺑﺼﺮ ﻗﺼﺮﻫﺎ اﻷﺑﻴﺾ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻫﺬا" ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: "ﺑﺴﻢ اﻟﻠﻪ"، ﻭﺿﺮﺏ ﺿﺮﺑﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻘﻠﻊ ﺑﻘﻴّﺔ اﻟﺤﺠﺮ ﻓﻘﺎﻝ: "اﻟﻠﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ اﻟﻴﻤﻦ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﻷﺑﺼﺮ ﺃﺑﻮاﺏ ﺻﻨﻌﺎء ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻲ ﻫﺬا".

     وفي الصحيحين أن النَّبي ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود تصوم هذا اليوم فسألهم، فقالوا: هذا يوم صالح، نجى ﷲ فيه موسى من فرعون فنحن نصومه، فقال النبي ﷺ: نحن أحق بموسى منكم، فصامه.

     فالانتصار على القوم الظالمين، وهلاكهم، وزوال صولتهم؛ نعمة من أعظم النعم، والنعمة تستوجب شكرًا، وأعظم الشكر ما كان بالعمل، وهكذا كان النبي ﷺ يقابل نعم ﷲ عليه بالطاعات شكرًا، كما في الصحيحين عن المغيرة قال: إن ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻟﻴﻘﻮﻡ ﻟﻴﺼﻠﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﺮﻡ ﻗﺪﻣﺎﻩ - ﺃﻭ ﺳﺎﻗﺎﻩ - ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﻓﻴﻘﻮﻝ: «ﺃﻓﻼ ﺃﻛﻮﻥ ﻋﺒﺪا ﺷﻜﻮﺭا».

     يوم عاشوراء يوم يعلمنا مخالفة المشركين، والبراءة منهم، ففي صحيح مسلم أن النبي ﷺ أراد مخالفة اليهود في صيامهم، فقال: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع».

وهكذا كان النبي ﷺ يخالف المشركين في عباداتهم، فنهى عن الصلاة وقت طلوع الشنس ووقت غروبها، وكان يأمر بالسحور، ويقول: «فرق ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر»، كما في صحيح مسلم، وحين حج وأراد أن ينفر من مزدلفة نفر قبل طلوع الشمس، وخالف المشركين الذين كانوا لا ينفرون حتى تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير، كما رواه البخاري، وأمثلتها في تفاصيل الأحكام الشرعية كثيرة.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ.

هناك تعليق واحد: