الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

استبدال المبدلين.

بسم الله الرحمن الرحيـــم     
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فمن المعاني الشريفة التي دلت عليها أدلة:
• أن هذه الأمة قد فضّلت بوراثتها للأمم وحملها العزائم من الشرائع التي تولت عنها الأمم السالفة.

• فتأمل ما ثبت في البخاري ومسلم عن أبي ﻫﺮﻳﺮﺓ ﻋﻦ النبي ﷺ ﻗﺎﻝ: "ﻧﺤﻦ اﻵﺧﺮﻭﻥ اﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺑﻴْﺪ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻭﺗﻮا اﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻭﺃﻭﺗﻴﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ، ﻭﻫﺬا ﻳﻮﻣﻬﻢ اﻟﺬﻱ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﺎﺧﺘﻠﻔﻮا ﻓﻴﻪ، ﻓﻬﺪاﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ، ﻓﻬﻢ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﺗﺒﻊ، ﻓﺎﻟﻴﻬﻮﺩ ﻏﺪا، ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺑﻌﺪ ﻏﺪ".
(البخاري ٨٧٦، ومسلم ٨٥٥)

• ﻭﻗﺪ ﺭﻭﻯ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﺎﺗﻢ ﻋﻦ اﻟﺴﺪﻱ: "ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻓﺮﺽ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻬﻮﺩ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻓﺄﺑﻮا ﻭﻗﺎﻟﻮا ﻳﺎ ﻣﻮﺳﻰ ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ ﻳﻮﻡ اﻟﺴﺒﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺎﺟﻌﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﻓﺠﻌﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ".
(ابن أبي حاتم ٧/ ٣٢٠٧ )

• قال ابن رجب: "ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺿﻠﺖ اﻟﻄﺎﺋﻔﺘﺎﻥ ﻗﺒﻠﻨﺎ ﻟﺘﻘﺪﻳﻤﻬﻢ ﺭﺃﻳﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺟﺎءﺕ ﺑﻪ ﺭﺳﻠﻬﻢ ﻭأنبياؤﻫﻢ، ﻭاﻫﺘﺪﺕ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﺑﺎﺗﺒﺎﻋﻬﻢ ﻣﺎ ﺟﺎءﻫﻢ ﺑﻪ ﺭﺳﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺭﺑﻬﻢ، ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻟﻪ ﻭﻻ ﺗﺒﺪﻳﻞ".
(فتح الباري له ٨/ ٧٢)

• وقال ابن حجر: "ﻭﻟﻴﺲ ﺫﻟﻚ ﺑﻌﺠﻴﺐ ﻣﻦ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ، ﻛﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: " اﺩﺧﻠﻮا اﻟﺒﺎﺏ ﺳﺠﺪا ﻭﻗﻮﻟﻮا ﺣﻄﺔ" ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ، ﻭﻛﻴﻒ ﻻ ﻭﻫﻢ اﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻭﻋﺼﻴﻨﺎ".
(فتح الباري ٢/ ٣٥٥ )

• فانظر كيف أورث ﷲ هذه الأمة فضيلة هذا اليوم حين تولت عن حمله وأخذه بحقه الأمم السابقة.

• ودل الحديث على أن هناك من الشرائع ما فرض على الأمم السالفة فاختلفوا فيه ثم فرض على هذه الأمة فكان لها فضيلة الاصطفاء بالتشريع، ثم فضيلة القيام به.

• وقد دل عليه أيضا ما ثبت في مسلم ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺑﺼﺮﺓ اﻟﻐﻔﺎﺭﻱ ﻗﺎﻝ: ﺻﻠﻰ ﺑﻨﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ اﻟﻌﺼﺮ بالمخمص، ﻓﻘﺎﻝ: "ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻼﺓ ﻋﺮﺿﺖ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻓﻀﻴﻌﻮﻫﺎ! ﻓﻤﻦ ﺣﺎﻓﻆ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺃﺟﺮﻩ ﻣﺮﺗﻴﻦ، ﻭﻻ ﺻﻼﺓ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﻄﻠﻊ اﻟﺸﺎﻫﺪ".
(مسلم ٨٣٠)

• وهذا الحديث العظيم فيه دلالة على فضيلة القيام بالحق حين يتخلف عنه من أوتيه.
• وأن ذلك من أسباب مضاعفة الأجر.

• ويؤخذ منه أن من يسّرت له سبل طاعة وفضل، فلم يرعها وتولى؛ فربما سلبها واستبدل به غيره.

• وقد دلّ على فضيلة مضاعفة الأجر لهذه الأمة مع قليل العمل في مقابل الأمم السالفة؛ ما ثبت في البخاري ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ قال ﷺ: "ﻣﺜﻞ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭاﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭاﻟﻨﺼﺎﺭﻯ كمثل ﺭﺟﻞ اﺳﺘﺄﺟﺮ ﻗﻮﻣﺎ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻟﻪ ﻋﻤﻼ ﻳﻮﻣﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﺟﺮ ﻣﻌﻠﻮﻡ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﻒ اﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻓﻘﺎﻟﻮا: ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺮﻙ اﻟﺬﻱ ﺷﺮﻃﺖ ﻟﻨﺎ ﻭﻣﺎ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﺑﺎﻃﻞ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﻻ ﺗﻔﻌﻠﻮا، ﺃﻛﻤﻠﻮا ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﻠﻜﻢ، ﻭﺧﺬﻭا ﺃﺟﺮﻛﻢ ﻛﺎﻣﻼ ﻓﺄﺑﻮا ﻭﺗﺮﻛﻮا!
ﻭاﺳﺘﺄﺟﺮ ﺃﺟﻴﺮﻳﻦ ﺑﻌﺪﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻤﺎ: ﺃﻛﻤﻼ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻜﻤﺎ ﻫﺬا ﻭﻟﻜﻤﺎ اﻟﺬي ﺷﺮﻃﺖ ﻟﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﺟﺮ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﺣﺘﻰ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺣﻴﻦ ﺻﻼﺓ اﻟﻌﺼﺮ ﻗﺎﻻ: ﻟﻚ ﻣﺎ ﻋﻤﻠﻨﺎ ﺑﺎﻃﻞ، ﻭﻟﻚ اﻷﺟﺮ اﻟﺬﻱ ﺟﻌﻠﺖ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ!
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﻤﺎ: ﺃﻛﻤﻼ ﺑﻘﻴﺔ ﻋﻤﻠﻜﻤﺎ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻦ اﻟﻨﻬﺎﺭ ﺷﻲء ﻳﺴﻴﺮ ﻓﺄﺑﻴﺎ!
ﻭاﺳﺘﺄﺟﺮ ﻗﻮﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻠﻮا ﻟﻪ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻬﻢ، ﻓﻌﻤﻠﻮا ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻏﺎﺑﺖ اﻟﺸﻤﺲ، ﻭاﺳﺘﻜﻤﻠﻮا ﺃﺟﺮ اﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ، ﻓﺬﻟﻚ مثلهم ﻭﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﻗﺒﻠﻮا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻨﻮﺭ ".
(البخاري ٥٥٨).

والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
٢١/ ١ / ١٤٣٩ هـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق