الأحد، 5 فبراير 2017

أوراق فقهية -١٠- (الفروق والتقاسيم في المناسك)

            بسم الله الرحمن الرحيم

   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذه مقالة جمعت فيها بعض الفروق والتقاسيم الفقهية في كتاب المناسك، أسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها من ذخر العمل.

•النسك قسمان؛ الحج والعمرة:
-فأما الحج فهو ركن من أركان الإسلام يجب بشروطه بالإجماع.
-وأما العمرة فاختلف السلف في وجوبها على قولين:
*فجاء الوجوب عن عمر وابن عباس وزيد وابن عمر وابن المسيب والشافعي وأحمد وإسحاق.
*وقال أبو حنيفة ومالك وهو رواية عن أحمد بعدم الوجوب.

•ومن الفروق الفقهية في حكم العمرة: التفريق بين حكمها على الآفاقي وغير ساكن مكة، وحكمها على أهل مكة:
-فهي مشروعة بالإجماع لغير ساكن مكة.
-وأما أهل مكة فلا عمرة عليهم عند ابن عباس وأصحابه من علماء مكة كطاوس وعطاء ونص عليه أحمد.

•وتنقسم شروط الحج والعمرة إلى ثلاثة أقسام:
-شروط وجوب وصحة وهي الإسلام والعقل، فلا تجب ولا تصح من كافر ولا مجنون.
-شروط وجوب وإجزاء، وهي البلوغ والحرية، فلا تجب على صغير وعبد ويصح منهما ولكن لا يجزئ عن حجة الإسلام.
-شروط وجوب فقط وهو الاستطاعة، فلا تجب على غير مستطيع فإن حج وقع صحيحا مجزئا.
*وهناك شروط مترددة بين شروط الوجوب وبين أن تسمى (شروط لزوم السعي) وهي:
-تخلية الطريق وإمكان المسير.
-والمحرم للمرأة.
فإن قيل بأنها من شروط الوجوب، فلا يتوجه الخطاب للمكلف بالوجوب إلا بتحققها، وهي داخلة ضمن شرط الاستطاعة.
وإن قيل بأنها من شروط لزوم السعي؛ فلو كملت الشروط الخمسة ثم مات قبل شرطي لزوم السعي حُج عنه بعد موته، وكذا لو أعسر قبل وجودهما بقي الحج في ذمته.

•ومن الفروق في شرط الاستطاعة: أن من بُذل له ما يحج به لم يصر مستطيعا بذلك إلا إن بذله ولده، فقد قال الشافعي: إن بذله له ولده صار مستطيعا.

•ومن الفروق في شرط الاستطاعة؛ الفرق بين الزاد والراحلة -إذا قلنا بأن الاستطاعة ملك زاد وراحلة- :
فيختص اشتراط الراحلة بالبعيد دون القريب الذي يمكنه المشي، بخلاف الزاد فيشترط وجوده بكل حال.

• إذا عتق العبد وبلغ الصبي بعرفة أو بعد خروجه لمزدلفة -قبل خروج الوقت- فهو قسمان:
- أن يكون لم يسع سعي الحج من قبل -ورجع لعرفة إن كان قد دفع منها- ما دام في وقت الوقوف فيجزئ حجه عن حجة الإسلام.
-أن يكون قد قدّم سعي الحج مع طواف القدوم -إن أحرم مفردا أو قارنا- فلا يجزئ عن حجة الإسلام، لأن السعي لا يشرع تكراره ولا الزيادة على عدده، بخلاف الوقوف فاستدامته مشروعة ولا قدر له محدود.

•والدين المانع للاستطاعة قسمان:
-حقوق الله تعالى كزكاة في ذمته، أو كفّارات.
-ديون الآدميين.

•ومن لم يكن له مال إلا دين على آخر فهو على قسمين:
-أن يكون على مليء باذل فيلزمه الحج لأنه قادر.
-أن يكون على معسر أو مماطل فلا يلزمه.

•المكلف -الذي وجدت فيه شرائط وجوب الحج قسمان:
-إما أن يكون قادرا على الحج.
-وإما أن يكون عاجزا عنه.
*والقادر قسمان أيضا:
-أن يكون قد حج حج الفريضة.
-أو يكون ممن لم يحج حج الفريضة:
فإن كان لم يحج حجة الإسلام فلا يجوز له أن يستنيب غيره بالإجماع.
وإن كان قد حج حج الفريضة ففي استنابته لغيره في التطوع قولان لأهل العلم، هما روايتان عن أحمد، وبجوازه قال أبو حنيفة ومنع من ذلك الشافعي.

*وأما العاجز عن الحج فهو قسمان:
- فإما أنه لم يحج حجة الإسلام من قبل
- أو أن يكون قد حج حج الفريضة .
*فإن كان لم يحج فرضه فهو قسمان:
 -إما أن يكون يائسا من زوال عجزه، كالشيخ الفاني ومن له مرض لا يرجى برؤه وكذلك الزمن.
-وإما أن يكون ممن يرجى زوال عجزه.

*والميؤوس من زوال عجزه على ثلاثة أقسام:
-أن يجد مالا ويجد من ينوب عنه فيجب عليه أن يستنيب عنه من يحج عند الجماهير.
-أن يجد مالا ولا يجد من ينوب عنه؛ فهو مبني على مسألة إمكان المسير هل هو من شرائط الوجوب أو من شرائط لزوم السعي.
-أن لا يجد مالا فلا حج عليه بغير خلاف.

*وإن كان غير ميؤوس من زوال عجزه:
- فإن لم يحج حجة الإسلام فليس له الاستنابة فإن النص إنما ورد في الشيخ الكبير وهو ممن لا يرجو زوال عجزه .
وإن كان قد حج فتجوز الاستنابة في التطوع لمثله عند كثير.
والفرق بينه وبين الفرض أن الفرض عبادة العمر، فلا يفوت بتأخيره حتى يبرأ، والتطوع مشروع كل عام فيفوت حج هذا العام بتأخيره.
وفرق ثانٍ: أن حج الفرض إذا مات قبل فِعله فُعل بعد موته، وأما حج التطوع فلا يفعل بعد الموت فيفوت.

•والدماء الواجبة على النائب قسمان:
-ما لزمه بفعل محظور فهي عليه في خاصّة ماله لأنها جنايته فهي عليه.
-وأما دم المتعة والقران فهي على المستنيب إذا أذن له في هذا النسك، ومثله دم الإحصار لأنه للتخلص من مشقة السفر فهو كنفقة الرجوع.

•ومن الفروق الصحيحة الفرق بين الاستنابة عن الحي والاستنابة عن الميت، فلا تجوز الاستنابة عن الحي إلا بإذنه فرضا كان أو تطوعا، بخلاف الميت فلا يتصور ذلك وقد أمر النبي ﷺ بالحج عن الميت وقد علم أنه لا إذن له.

•من الفروق المستقيمة: الفرق بين منع الزوج لزوجته في حج الفرض وحج التطوع، فلا يجوز للزوج منع امرأته من حجة الإسلام عند كثير من أهل العلم، وأما التطوّع فقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن له منعها من الخروج إلى الحج التطوع.

•ومن الفروق في أحكام المستنيب في مذهب أحمد ونص عليه، أن من مات وقد وجب عليه الحج أخرج عنه ويحج عنه من حيث وجب عليه، بخلاف من أوصى بحج تطوع فقال أحمد: التطوع ما يبالي من أين كان.

•ومن الفروق الصحيحة في النيابة في الحج:
أن الصبي والعبد لا يجوز لهما النيابة عن أحد في فرض حجه، فإنهما لم يسقطا الحج عن نفسيهما، بخلاف نيابتهم عن غيرهما في حجة تطوع فيحتمل أن لهما ذلك.

•والصبي في باب الإحرام على قسمين في مذهب أحمد وغيره:
-أن يكون مميزا فيحرم بإذن وليه، فإن أحرم بغير إذنه لم يصح، لأنها عبادة تؤدي إلى لزوم مال فلا ينعقد من الصبي بنفسه.
- وإن كان غير مميز فيحرم عنه (ولي المال) كالأب والوصي.

•من الفروق في مذهب أحمد: أن من ناب عن الصبي في الرمي فلا يرمي عنه حتى يرمي عن نفسه، بخلاف الطواف فيصح أن يطوف به محمولا من يطوف لنفسه .

•المحظورات في حق الصبي قسمان:
-ما لا يختلف عمده وسهوه فيجب فيه الضمان بكل حال كالصيد وحلق الشعر وتقليم الأظفار.
- ما يختلف عمده وسهوه كلبس المخيط والطيب فلا فدية فيه على الصبي لأن عمده خطأ.

• المواقيت قسمان:
-زمانية وهي أشهر الحج للحج، وأما العمرة فلا تأقيت لها في الزمن.
-ومكانية وهي قسمان:
-ما أجمع عليها أهل العلم واتفق أهل النقل على صحة حديثها مرفوعا إلى النبي ﷺ وهي:
ذو الحليفة لأهل المدينة ، والجحفة لأهل الشام ومصر، ويلملم لأهل اليمن وقرن لأهل نجد، وحديثها ثابت في الصحيحين عن ابن عباس.
-ما اختلف العلماء في صحة حديثه مرفوعا؛ وهو ميقات ذات عرق لأهل العراق، وقد صح من اجتهاد عمر كما في البخاري، لمحاذاته لقرن المنازل، والحديث المرفوع مختلف في صحته وقد تردد الرواي فيه عن جابر المخرج في مسلم، وأما حديث عائشة فضعيف.

•ومن الفروق الصحيحة الفرق بين إحرام المكي بالعمرة وإحرامه بالحج:
-فيحرم بالحج من مكة.
-ويحرم بالعمرة من الحل، ليجمع في عمرته بين حل وحرم، لأن أفعال العمرة كلها في الحرم، بخلاف الحج فإنه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحل والحرم.

•ومن الفروق بين الآفاقي والمكي:
- أن العمرة مشروعة للآفاقي بالإجماع، بخلاف المكي فاختلف فيه على قولين، ومذهب ابن عباس وعطاء ورواية عن أحمد أنه ليس لهم عمرة كما سبق .
-أن المكي لا رمل في حقه ولا اضطباع.
-أن المكي لا وداع عليه.

•ومن الفروق بين تمتع المكي وتمتع غيره -إذا قلنا بجواز العمرة له- أنه لا يجب عليه دم متعة لقول الله: "ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام".

•من تجاوز الميقات -مريدا للنسك- ولم يحرم قسمان:
-أن يرجع دون أن يحرم ثم يحرم من الميقات، فهذا هو الواجب عليه ولا شيء عليه بلا خلاف.
-أن يحرم بعد الميقات وهذا على قسمين:
-أن يرجع بعد إحرامه إلى الميقات فقد ذهب بعضهم إلى سقوط الدم وهو مذهب الشافعي.
-أن لا يرجع وهذا عليه دم عند أكثر العلماء.

•والمسلم المكلف إذا جاوز الميقات غير مريد النسك على قسمين:
-أن لا يريد دخول الحرم بل له حاجة دون ذلك؛ فهذا لا يلزمه الإحرام بالإجماع.
-أن يريد دخول الحرم لغير حاجة متكررة، فيجب عليه الإحرام ولا يجوز له مجاوزة الميقات من غير إحرام عند أحمد وغيره، وفيه عن الصحابة اختلاف.

•ومن الفروق في المذهب؛ الفرق بين التطيب في البدن لمريد الإحرام فيستحب، والتطيب في الثوب فيكره.
وإن لبس قبل الإحرام مطيبا فله استدامة لبسه، فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه بعدُ، وفي مذهب أحمد قول بتحريم ذلك ابتداء.

•ومن الفروق في مذهب أحمد الفرق بين تلبية المحرم في الأمصار فلا تشرع، ولكنها تشرع إذا برز من الأمصار.


•محظورات الإحرام ثلاثة أقسام:
١) ما تجب فيه الفدية في حق غير المعذور دون المعذور بنسيان أو جهل أو إكراه فليس عليهم فدية، ونحوه وهي ثلاثة:
-لبس المخيط للرجل
-تغطية الرأس له
-مس الطيب

٢) ما تجب فيه الفدية دون فرق بين معذور وغيره وهي أربعة:
-قص الشعر
-وتقليم الأظفار
-وقتل الصيد
-والوطء في الفرج قبل التحلل الأول.

٣) ما لا فدية فيه بحال وهو:
عقد النكاح، ولكن يفسد هذا النكاح عند جماهير العلماء.

•ومن الفروق الصحيحة الفرق بين دلالة الحلال المحرم على الصيد فلا يضمن الحلال، إلا إن كان في الحرم، وبين دلالة المحرم الحلال فعلى المحرم الضمان، لحديث أبي قتادة قال ﷺ لرفقته: "هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليه".

•ومن الفروق التي جاء ما يدل عليها في النصوص؛ الفرق بين المحرم الذي صِيْد من أجله الصيد فلا يحل له، وبين من لم يصد من أجله فله الأكل منه، وقد دل على ذلك: أن النبي ﷺ أكل من صيد أبي قتادة، ولم يأخذ صيد الصعب بن جثامة وهما مخرجان في الصحيحين، وهذا التفريق من وجوه الجمع بين النصين، ويقويه ما ثبت في الموطأ عن عثمان: أنه أهدي إليه صيد وهو محرم، فقال لأصحابه: "كلوا ولم يأكل هو، وقال : إنما صيد من أجلي".

•ومن الفروق الفرق بين أكل المحرم من صيده الذي صاده، وأكله من الصيد الذي صيد لأجله، فيضمن في الأول للقتل بمثله من النعم لأنه صاده وليس لأنه أكل، وأما في الحال الثانية فيضمن مثل ما أكل من اللحم، لا كله.

•والنبات الذي تستطاب رائحته قسمان:
-ما لا ينبت للطيب، ولا يتخذ منه، كالتفاح والخزامى، فهذا يباح شمه ولا فدية فيه عند عامة أهل العلم.
-ما ينبته الآدميون للطيب سواء اتخذ منه الطيب كالورد والياسمين، أو لم يتخذ كالحبق والنرجس ففيه خلاف بين الصحابة فمن بعدهم من فقهاء الأمة.

•وشعر البدن على قسمين: منصوص وغير منصوص:
-شعر الرأس فقد جاء النص بحظر أخذه على المحرم.
-شعر سائر البدن، وهو مقيس على شعر الرأس، وليس فيه نص.

•وما يؤكل من أنواع الطيب أو يوضع مع مأكول ومشروب كالزعفران قسمان:
-أن تبقى رائحته فلا يباح للمحرم تناوله، لأن الاستمتاع والترفه حاصل به.
-أن تذهب رائحته وطعمه فهو مباح في قول عامة أهل العلم.

•ومن الفروق الفرق بين مس الطيب وشمه، فمسه محرم مطلقا بدلالة النص والإجماع، بخلاف شم الطيب -مما لم يضعه على بدنه قبل الإحرام- فإنه إنما يحرم إذا كان بقصد شمه، فإن وجده دون قصد شمه فلا جناح.

•والمرأة كالرجل في جميع مناسك حجهما، ولكن تفارقه في أمور:
-لا ترفع صوتها بالتلبية بالاتفاق.
-ولا تصعد الصفا.
-ولا ترمل ولا تسعى في بطن الوادي بين الصفا والمروة.
-ولا حِلاق في حقها، ولكن تقصر قليلا من أطراف شعرها.
-وهي مثله فيما يجتنبه المحرم فتجتنب كل ما يجتنبه الرجل، وتفارقه في:
-اللباس بالإجماع، قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما منع منه الرجال، إلا بعض اللباس"، ولذا لا يشرع لها اضطباع، لكونها عورة فأبيح لها اللباس للستر ، كما أبيح للرجل عقد إزاره كيلا يسقط فتنكشف عورته.
-وفي الاستظلال بالمحمل عند بعض أهل العلم.

• ومن الفروق في مذهب أحمد الفرق بين تزوج المحرم فلا يصح عقده بلا خلاف في مذهب أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم، بخلاف إذا زوّج المحرم غيره فقد جاء عن أحمد صحة النكاح، والمذهب عدم الفرق بينهما.

•ومن الفروق الصحيحة الفرق بين ابتداء عقد النكاح فلا يجوز، وبين إرجاع الزوجة المطلقة؛ فالمشهور عن أحمد إباحتها وهو قول أكثر أهل العلم.

•ومن الفروق الصحيحة؛ الفرق بين عقد النكاح وبين شراء الإماء، فإن شراء الإماء يباح للمحرم بلا خلاف.

•والوطء والمباشرة في الإحرام عند الحنابلة أقسام:
-أن يطأ في الفرج قبل التحلل الأول ولو لم ينزل، أو يطأ دون الفرج وينزل؛ فيفسد نسكه وعليه إتمامه وقضاؤه وفدية بدنة.
-أن يطأ دون الفرج بغير إنزال، أو يقبل وينزل قبل التحلل الأول ففيه بدنة ولا يفسد نسكه.
-أن يكرر النظر فينزل ففيه دم.
-أن يكرر النظر فلا ينزل فليس فيه شيء.

•ومن الفروق الفرق بين ما يحرم ويضمن في الحرم وما يحرم ويضمن في الإحرام؛ فهما متفقان إلا في مسألتين:
- القمل فمباح في الحرم بلا خلاف، وأما في الإحرام فعلى قولين.
- وصيد البحر، فهو مباح في الإحرام بغير خلاف، وأما في الحرم فعن أحمد روايتان.

•ومن الفروق الفرق بين حرم مكة وحرم المدينة، فهما يفترقان في أمور:
-أن حرم مكة مجمع على تحريم صيده وقطع شجره، بخلاف تحريم المدينة فقد خالف فيه أهل الكوفة .

-جواز أخذ ما تدعو له الحاجة من شجر المدينة، بخلاف مكة.
-من صاد صيدا خارج المدينة ثم أدخله إليها لم يلزمه إرساله، نص عليه أحمد، لحديث النغر، فإن النبي ﷺ قال لأخي أنس: "يا أبا عمير ما فعل النغير" كما في الصحيحين.
-اتفاق أهل العلم على أصل الجزاء في حرم مكة، بخلاف حرم المدينة فأكثرهم على عدم مشروعية الجزاء فيه.

•والفرق بين الفوات والإحصار، أن الفوات مُتعلقُه الوقت، وذلك بفوات ما لا يتم الحج إلا به، وهو الوقوف بعرفة، وأما الإحصار فمتعلقه المكان وذلك بالحبس عن مكان النسك.
فمن أحصر عن الحج فتحلل فلا قضاء عليه على أصح قولي العلماء، لأن النبي ﷺ ومن معه بالحديبية لما صدهم كفار قريش لم ينقل أنه ﷺ أمر أحدا بالقضاء.
وأما من فاته الوقوف بعرفة فإنه يتحلل بعمرة ويذبح ويحج من قابل عند أكثر أهل العلم.
والفرق أن المحصر غير منسوب إلى تفريط، بخلاف من فاته الحج فمثله قد يكون وقع له ذلك لنوع تفريط.

•ومن الفروق بين الإحصار والفوات -في صيام البدل عن الهدي إذا قلنا بأن على المحصر بدل صيام- أن المحصر لا يتحلل حتى يقضي صيامه، وأما من فاته الحج فبخلافه.

•ومن الفروق بين المحصر وبين من أتم نسكه في باب نية التحلل؛ أنها واجبة على المحصر بخلاف غير المحصر ممن أكمل نسكه فلا يحتاج إلى نية.

•ومن حبس عن البيت قسمان:
 -أن يحصره عدو (مسلم أو كافر) فهذا يأخذ أحكام الإحصار بلا خلاف.
-ومن حبس بمرض أو عرج أو ذهاب نفقة أو حبس بحق؛ فقد اختلف في اعتباره من أهل الإحصار على قولين:
-فجاء عن عمر وابن عباس أنه لا يجوز له التحلل بل هو على إحرامه حتى يقدر على البيت، لأنه لا يستفيد بالإحلال انتقالا من حاله وخروجا من سبب حصره الذي آذاه، وهذا قول كثير من الفقهاء.

-وعن أحمد رواية أخرى أن له التحلل بذلك، وهذا قول ابن مسعود، لأنه داخل في عموم الإحصار، وقد روى أهل السنن أن النبي ﷺ قال: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى".

•ورفض العبادة قسمان:
رفض لا يخرج به المكلف من العبادة ولا يفسدها؛ وهو رفض الإحرام، فإنه لا يتحلل منه بذلك، بل إحرامه باق.
ورفض يخرج به المكلف من العبادة وهذا جار في سائر العبادات.

•والاضطباع والرَمَل سُنتان في الطواف الأول للمتنسك غير المكي ، بدلالة الخطاب النبوي ولكن بينهما فرق:
-فالرمل مجمع عليه، بخلاف الاضطباع فهو سنة عند جماهير العلماء وخالف مالك في ذلك فلم يره سنة.
-والرمَل سنة في الأشواط الثلاثة الأوَل وأما الاضطباع فهو سنة في كل أشواط الطواف الأول للمتنسك.

•والطواف والسعي نسكان من المناسك بالإجماع، ولكن يفارق الطواف السعي في أمور:
-أن الطواف مجمع على أنه ركن من أركان الحج والعمرة، بخلاف السعي فمختلف في ركنيته.
-أن الطواف عبادة على حياله ولو في غير نسك، بخلاف السعي فليس يُشرع إلا في نسك من حج أو عمرة.
-الطواف مشروع في النسك ولو لم يسعَ عقبه، بخلاف السعي فلا يشرع إلا عقب طواف.
-يشترط في الطواف الطهارة (من الحدث والنجس) والستارة، بخلاف السعي فلا يشترط فيه ذلك.
-تجب الموالاة بين أشواط الطواف، بخلاف السعي فهو أوسع، ولذا قال أحمد، لما سئل عن ذلك قال: "أمر الصفا سهل".

•والمحدِث في الطواف قسمان:
-من أحدث عمدا في طوافه فيتطهر ويبتدئ طوافه عند أكثر العلماء.
-وأما إذا سبقه الحدث ففيه قولان:
يبتدئ وهو مذهب مالك ورواية عن أحمد، لأن الطهارة شرط للطواف.
يتطهر ويبني على ما سلف من أشواط، وهو مذهب الشافعي وإسحاق ورواية عن أحمد، لأن الموالاة تسقط للعذر.

•ومن الفروق الصحيحة الفرق بين جمع الصلاة وقصرها للمتنسك؛ فالجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة لكل الحاج عند عامة السلف، وهو جمع حاجة يجوز ولو بغير عذر سفر، وأما القصر فلا يجوز لأهل مكة على أصح قولي أهل العلم، لأنهم مقيمون، والقصر للسفر لا للنسك.

• ومن الفروق الصحيحة الفرق بين أن يخطئ الناس العدد فيقفوا في غير يوم عرفة فإنه يجزئهم، وبين أن يخطئ بعضهم فإنه لا يجزئهم، لأنهم غير معذورين في ذلك.

• ومن الفروق التي دلت عليها الأدلة، الفرق بين رمي يوم النحر، ورمي أيام التشريق الأخرى:
-فقد رمى النبي ﷺ جمرة العقبة في يوم النحر راكبا، ورمى أيام التشريق ماشيا.
-ووقت الرمي يوم العقبة بعد طلوع الشمس على سبيل الأفضلية وهذا وقت لها بالإجماع، ويجوز قبل ذلك عند أكثر أهل العلم، ويمتد وقت الرمي إلى فجر اليوم الثاني، لحديث اﺑﻦ ﺳﺎﺑﻂ ﻗﺎﻝ: "ﻛﺎﻥ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺭﺳﻮﻝ ﷺ ﻳﻘﺪﻣﻮﻥ ﺣﺠﺎﺟﺎ، ﻓﻴﺪﻋﻮﻥ ﻇﻬﺮﻫﻢ ﻓﻴﺠﻴﺌﻮﻥ ﻓﻴﺮﻣﻮﻥ ﺑﺎليل" رواه ابن أبي شيبة.
وأما باقي أيام التشريق فيبتدئ وقتها بعد الزوال وينتهي بطلوع فجر اليوم التالي للحديث السابق.

•الأطوفة المشروعة في النسك ثلاثة أقسام:
-طواف القدوم وهو سنة، ويختص بالرمَل والاضطباع.
-طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة وهو ركن الحج، لا يتم إلا به بالإجماع.
-وطواف الوداع وهو واجب من تركه لغير عذر ففيه الدم.
وما عدا ذلك فهو من النفل المطلق.

•ومن الفروق الفرق بين من تعمد مخالفة ترتيب أعمال يوم النحر، ومن فعل ذلك ناسيا:
-فمن فعل ذلك ناسيا فلا شيء عليه في قول كثير من أهل العلم .
-ومن فعله عامدا عالما بمخالفة السنة فعن أحمد روايتان، والقول بوجوب الدم مذهب سعيد بن جبير وقتادة وغيرهما، قالوا: لأن النبي ﷺ سئل فقال من سأل: "لم أشعر.." .

•وللهدي وقتان:
-وقت وجوب، فيجب إذا أحرم بالحج.
-ووقت ذبح، وهو يوم النحر، فلا يجوز ذبحه قبل ذلك.

•والسقاة والرعاة قد جاء النص بإعذارهم في ترك المبيت بمنى، ولكن افترقا:
أن الرعاء إذا بقوا بمنى حتى غابت الشمس لزمهم البيتوتة بخلاف السقاة، لأن الليل ليس وقتا للرعي بخلاف السقاية، وكذا كل مَن عذِر بعذر يترك به واجب مبيت منى فاختلاف شغله في الليل والنهار مراعى.

•والصيد للمحرم قسمان:
١ - صيد مباح وهو ثلاثة أنواع:
- المضطر فيصيد ليدفع الهلكة عن نفسه وهو مباح بلا خلاف، ولكنه مضمون يجب فيه الجزاء.
-دفع الصائل إذا لم يندفع إلا بقتله، ولا ضمان عليه.
والفرق بينه وبين ما قبله: أنه قتل لدفع شره، فهو ملتحق بالمؤذيات طبعا، ولذا لا ضمان على من دفع آدميا صائلا فلم يندفع إلا بقتله، بخلاف ما قبله فقد قتل لجلب مصلحة المحرم.
-إذا خلّص صيدا من شبكة أو سبع فتلف، لأنه فعل فعلا مأذونا له فيه، وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون.

٢ - صيدٌ محرم وهو صيد الحيوان البري -بطبعه- المأكول من غير سبب يبيح قتله، وفيه الجزاء.

•من أحرم وتحت ملكه صيد فهو قسمان:
-أن يكون الصيد تحت يده المشاهدة، كأن يكون في قبضته أو رحله أو في قفص له معه، فهنا يلزمه إرساله في مذهب أحمد وغيره.
-أن يكون الصيد تحت يده الحكمية، كأن يكون في بلده، فلا يلزمه إرساله.
والفرق بين المسألتين:
أنه في حال يده الحكمية لم يحصل منه صيد بعد إحرامه ولا فعل مباشر، بخلاف يده المشاهدة فإنه حصل منه فعل الإمساك، إمساك الصيد، فكان ممنوعا منه كحالة الابتداء.

•ومن الفروق الصحيحة الفرق بين الهدي والإطعام وبين الصيام، فكل هدي وإطعام فهو لمساكين الحرم؛ إلا من أصابه أذى من رأسه، فيفرقه على المساكين في الموضع الذي حلق فيه.
وأما الصيام فيجزئه بكل مكان.

وأسأله سبحانه أن يرزقني وإياكم القبول، وأسأله أن يوفقنا لطاعته، آمين.
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
-أبو المثنى محمد آل رميح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق