الاثنين، 19 يوليو 2021

التعريف بالأمصار.

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:

     فقد اختلف العلماء من سلف هذه الأمة وفقهائها، في حكم التعريف بالأمصار، ولزوم المساجد عشية عرفة، والإكثار من الدعاء فيه والذكر، على ثلاثة أقوال:

     • القول الأول: أنه مستحب ينبغي فعله، وقد جاء ذلك عن ابن عباس وعمرو بن حريث وسعيد بن المسيب، والحسن وابن سيرين وثابت البناني ومحمد بن واسع وبكر المزني وفعله يحيى بن معين، وهو مذهب الشافعية، ورواية عن أحمد.

    - وقالوا: قد فعله الصحابة في عهد علي رضي الله عنه، وما فُعل في زمن الخلفاء الراشدين فهو خير، ولا يصح أن يبدع وأن يوصف بالحدَث.

     • القول الثاني: أنه سائغ غير مستحب، من فعله فلا بأس عليه، ولا ينكر على فاعله، ﻗﺎﻝ اﻷﺛﺮﻡ ﺳﺄﻟﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﻓﻲ اﻷﻣﺼﺎﺭ ﻳﺠﺘﻤﻌﻮﻥ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ ﻗﺎﻝ: ﺃﺭﺟﻮ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻪ ﺑﺄﺱ ﻓﻌﻠﻪ ﻏﻴﺮ ﻭاﺣﺪ، وقال: هو دعاء، دعهم يكثر الناس، قيل له: فترى أن ينهوا؟ قال: لا، دعهم، لا ينهون.

     وهذا ظاهر تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو قول حسن.

     • القول الثالث: المنع والكراهة، فكرهه أبو حنيفة ومالك وهو مذهب نافع مولى ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز واﻟﺤﻜﻢ ﺑﻦ ﻋﺘﻴﺒﺔ ﻭﺣﻤﺎﺩ ﻭﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﻨﺨﻌﻲ، والثوري والليث، وهو قولٌ منسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية، وذهب كثير من هؤلاء إلى أنه بدعة محدثة، لكن قال النووي: (ﻣﻦ ﺟﻌﻠﻪ ﺑﺪﻋﺔ ﻻ ﻳﻠﺤﻘﻪ ﺑﻔﺎﺣﺸﺎﺕ اﻟﺒﺪﻉ ﺑﻞ ﻳﺨﻔﻒ ﺃﻣﺮﻫﺎ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ).

     - وقالوا: اﻟﻮﻗﻮﻑ بعرفة ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﻤﻜﺎﻥ ﻣﺨﺼﻮﺹ، ﻓﻼ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺩﻭﻧﻪ ﻛﺴﺎﺋﺮ اﻟﻤﻨﺎﺳﻚ.

    - وأيضًا: فمثل ذلك لم يفعله النبي ﷺ ولا كبار صحابته، وما جاء عن الصحابة والتابعين فمحمول على أنه وقع اتفاقًا دون قصد للاجتماع، فمن أين لأولئك الذين نقلوا عن السلف هذا أنهم فعلوه بقصد التشبه بأهل الموقف؟

     •• والذي يظهر أن التعريف يُطلق ويقصد به معاني منها: لزوم المسجد بنيّة التشبه بأهل موقف عرفة، ويضاف إليه زوائد من التشبه ككشف الرأس، والخطبة، واعتقاده عبادة مستقلة مضاهية لوقوف الحجاج بعرفة، فهذا الذي ينبغي أن يحمل عليه نكير أكثر من جاء عنهم النكير.

     ويُطلق ويقصد به: لزوم المسجد مجردًا عن تلك النية والزوائد، فهذا الذي يُحمل عليه كلام أحمد، وما جاء عن أكثر المستحبين له.

    •  والقدر الذي ينبغي ألا يختلف فيه: أنه يوم عظيم، من أفضل أيام الله، حريٌ أن يعمر بالدعاء والذكر والتكبير، وأن يجتهد فيه باللجأة إلى ﷲ، وكذا من لزم المسجد لجامعيّة قلبه، دون اعتقاد خصوص هذا اللزوم للمسجد عبادة لها وصف معين،  فمثل ذلك لا ينبغي أن يدخل في كلام المانعين، وأعوذ بالله من كثرة الكلام وقلّة العمل، والعلم عند رب العالمين.

هناك تعليقان (2):

  1. تقبل الله منا ومنكم
    اسعدكم الله و وفقكم

    ردحذف
  2. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف