الأحد، 27 يونيو 2021

مواعظ الحج: تواضع النبي ﷺ.

     الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

     لازلنا في مواعظ أحاديث المشاعر، والنفوس في لهفة الشوق لتلك البقاع المباركة، رزقني الله وإياكم من فضله العظيم.

أيها الأفاضل: ثبت في البخاري ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺟﺎء ﺇﻟﻰ اﻟﺴﻘﺎﻳﺔ ﻓﺎﺳﺘﺴﻘﻰ، ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻌﺒﺎﺱ: ﻳﺎ ﻓﻀﻞ، اﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﻣﻚ ﻓﺄﺕ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﺑﺸﺮاﺏ ﻣﻦ ﻋﻨﺪﻫﺎ، ﻓﻘﺎﻝ ﷺ: «اﺳﻘﻨﻲ»، ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺠﻌﻠﻮﻥ ﺃﻳﺪﻳﻬﻢ ﻓﻴﻪ، ﻗﺎﻝ ﷺ: «اﺳﻘﻨﻲ»، ﻓﺸﺮﺏ ﻣﻨﻪ، ﺛﻢ ﺃﺗﻰ ﺯﻣﺰﻡ ﻭﻫﻢ ﻳﺴﻘﻮﻥ ﻭﻳﻌﻤﻠﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﻓﻘﺎﻝ: «اﻋﻤﻠﻮا ﻓﺈﻧﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺢ» ﺛﻢ ﻗﺎﻝ: «ﻟﻮﻻ ﺃﻥ ﺗﻐﻠﺒﻮا ﻟﻨﺰﻟﺖ، ﺣﺘﻰ ﺃﺿﻊ اﻟﺤﺒﻞ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ» ﻳﻌﻨﻲ: ﻋﺎﺗﻘﻪ، ﻭﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺗﻘﻪ.

هكذا كان النبي ﷺ يعلم صحابته كيف يتعامل المؤمن مع الناس فلا يزوي بنفسه عنهم، ولا يرى له فضلا عليهم، ولا يترفع ولا ينشز!

نعم، اسقني يا عباس!

فما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد!

كما في سنن ابن ماجه ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﺴﻌﻮﺩ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺗﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺭﺟﻞ، ﻓﻜﻠﻤﻪ، ﻓﺠﻌﻞ ﺗﺮﻋﺪ ﻓﺮاﺋﺼﻪ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ: «ﻫﻮﻥ ﻋﻠﻴﻚ، ﻓﺈﻧﻲ ﻟﺴﺖ ﺑﻤﻠﻚ، ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻧﺎ اﺑﻦ اﻣﺮﺃﺓ ﺗﺄﻛﻞ اﻟﻘﺪﻳﺪ».

لم يكن النبي ﷺ يصنع ما يتميز به عن الناس في مباح من اللبس أو الموضع أو أي أمر، حتى يحتاج الداخل عليه ممن لا يعرفه أن يسأل عنه لمساواته لصحابته، كما ثبت في البخاري عن ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ، ﻳﻘﻮﻝ: ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﺟﻠﻮﺱ ﻣﻊ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ، ﺩﺧﻞ ﺭﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻞ، ﻓﺄﻧﺎﺧﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺠﺪ ﺛﻢ ﻋﻘﻠﻪ، ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ: ﺃﻳﻜﻢ ﻣﺤﻤﺪ؟ ﻭاﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﺘﻜﺊ ﺑﻴﻦ ﻇﻬﺮاﻧﻴﻬﻢ، ﻓﻘﻠﻨﺎ: ﻫﺬا اﻟﺮﺟﻞ اﻷﺑﻴﺾ اﻟﻤﺘﻜﺊ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﺮﺟﻞ: ﻳﺎ اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﻄﻠﺐ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: «ﻗﺪ ﺃﺟﺒﺘﻚ». ﻓﻘﺎﻝ اﻟﺮﺟﻞ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ﺇﻧﻲ ﺳﺎﺋﻠﻚ ﻓﻤﺸﺪﺩ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ، ﻓﻼ ﺗﺠﺪ ﻋﻠﻲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻚ؟ ﻓﻘﺎﻝ: «ﺳﻞ ﻋﻤﺎ ﺑﺪا ﻟﻚ» ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺳﺄﻟﻚ ﺑﺮﺑﻚ ﻭﺭﺏ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻚ، ﺁﻟﻠﻪ ﺃﺭﺳﻠﻚ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺎﺱ ﻛﻠﻬﻢ؟ ﻓﻘﺎﻝ: «اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻌﻢ». ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺸﺪﻙ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﺁﻟﻠﻪ ﺃﻣﺮﻙ ﺃﻥ ﻧﺼﻠﻲ اﻟﺼﻠﻮاﺕ اﻟﺨﻤﺲ ﻓﻲ اﻟﻴﻮﻡ ﻭاﻟﻠﻴﻠﺔ؟ ﻗﺎﻝ: «اﻟﻠﻬﻢ ﻧﻌﻢ»..

لما أراد النبي ﷺ أن يشرب من زمزم أراد عمه العباس أن يعطيه ماء مختصًا به، فأبى ذلك النبي ﷺ.

لقد كان النبي ﷺ قريبا من الناس، خاصّة من كان منهم مستضعفًا.

وفي الصحيحين ﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻣﺮ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﺑﺎﻣﺮﺃﺓ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮ، ﻓﻘﺎﻝ: «اﺗﻘﻲ اﻟﻠﻪ ﻭاﺻﺒﺮﻱ» ﻗﺎﻟﺖ: ﺇﻟﻴﻚ ﻋﻨﻲ، ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻢ ﺗﺼﺐ ﺑﻤﺼﻴﺒﺘﻲ، ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺮﻓﻪ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻬﺎ: ﺇﻧﻪ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﺄﺗﺖ ﺑﺎﺏ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ، ﻓﻠﻢ ﺗﺠﺪ ﻋﻨﺪﻩ ﺑﻮاﺑﻴﻦ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: ﻟﻢ ﺃﻋﺮﻓﻚ، ﻓﻘﺎﻝ: «ﺇﻧﻤﺎ اﻟﺼﺒﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﺼﺪﻣﺔ اﻷﻭﻟﻰ».

وهكذا يجب أن يكون المسلم سهلا قريبا من الناس، خاصة من كان من أهل الدعوة منهم والعلماء والمصلحين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق