الأحد، 27 يونيو 2021

مواعظ الحج: عبوديّة المراغمة.

     الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

     فمن المواقف الأخاذة في السيرة النبوية في المناسك، ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر، وهو بمنى: «نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر» يعني ذلك المحصب، وذلك أن قريشا وكنانة، تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب، أو بني المطلب: أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم!

غدا سينزل الصحابة في المكان الذي أئتمر الكافرون فيه على الإسلام!

غدا سيقيم الصحابة الذين لقيهم البلاء والضر واللأواء؛ سيقيمون عبادتهم ومناسكهم بعد العز والتمكين في نفس المكان الذي أراد أهل الباطل أن يكون موضعا من مواضع حرب الإسلام وقهر المؤمنين.

الله

الله

ما أعظمه من موقف!

أي ذكريات كانت تحملها صدور الصحابة وهم ينزلون نفس المكان الذي كان حربا على الحق!

لقد ذهب الباطل وأهل الباطل، وبقي الحق وأهله!

لقد ذهب الضيم والحزن والقهر، وأتى الله بنصره وفتحه!

وأيضا ففيه تذكير بالنعمة الربانية والمنة الإلهية.

لقد كنتم ضعفاء مقهورين يمكر بكم الناس، واليوم ها قد من الله عليكم، وكثركم ونصركم وآواكم، وأورثكم الأرض.

أي جلال هذا الجلال، أن يربط المؤمن بين مكان محاربة الإسلام، وذكرياته، وبين نصر الدين وذكرياته، حتى يأتي لنفس محل الباطل فيجعله محلا للحق ولنصرته.

لابد أن تمتلأ نفوس المؤمنين بالثقة بنصر الله، والوثوق بأن العاقبة للإسلام.

لابد أن يربط المؤمن دائما أوقات النصر والكرامة بالفتح بما كان عليه من قبل، وأن يستعيد تلك الذكريات، فهو أحرى أن يشكر نعمة الله، وأن يزداد ثقة بنصر الله،  وقد كان النبي ﷺ يفعل ذلك، ففي سنن أبي داود عن أﻭﺱ ﺑﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﻗﺎﻝ: ﻗﺪﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻲ ﻭﻓﺪ ﺛﻘﻴﻒ، ﻗﺎﻝ: ﻛﺎﻥ النبي ﷺ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﻳﺄﺗﻴﻨﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺸﺎء ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ، ﻗﺎﺋﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺟﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺮاﻭﺡ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻃﻮﻝ اﻟﻘﻴﺎﻡ - ﻭﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﻣﺎ ﻟﻘﻲ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺶ، ﻭﻳﺸﺘﻜﻲ ﻗﺮﻳﺸﺎ، ﻭﻳﺸﺘﻜﻲ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ، ﺛﻢ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻻ ﺳﻮاء ﻛﻨﺎ ﻣﺴﺘﻀﻌﻔﻴﻦ ﻣﺴﺘﺬﻟﻴﻦ»، ﻓﻠﻤﺎ ﺧﺮﺟﻨﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺠﺎﻝ اﻟﺤﺮﺏ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻬﻢ، ﻧﺪاﻝ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻭﻳﺪاﻟﻮﻥ ﻋﻠﻴﻨﺎ»

ولعل هذا الأمر أحد مقاصد ما كان النبي ﷺ يصنعه إذا فتح أرضا، كما ثبت في البخاري ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﻠﺤﺔ ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ «ﺃﻧّﻪ ﻛﺎﻥ ﺇﺫا ﻇﻬﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻮﻡ ﺃﻗﺎﻡ ﺑﺎﻟﻌﺮﺻﺔ ﺛﻼﺙ ﻟﻴﺎﻝ».

نعم، هنا سيقام الحق والطاعة والإيمان.

كما أقيم هنا الباطل والمعصية.

ومن اللطيف أنه كان ﷺ يأمر أن يهدم محل عبادة الأوثان ليقام فيه المسجد!

وفي المسند وغيره أن ﻃﻠﻖ بن علي ﻭﻓﺪ ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻮﻩ، ﻓﺄﺧﺒﺮﻭﻩ ﺃﻥ ﺑﺄﺭﺿﻬﻢ ﺑﻴﻌﺔ، ﻭاﺳﺘﻮﻫﺒﻮﻩ ﻣﻦ ﻃﻬﻮﺭﻩ ﻓﻀﻠﻪ، ﻓﺪﻋﺎ ﺑﻤﺎء ﻓﺘﻮﺿﺄ ﻭﺗﻤﻀﻤﺾ، ﺛﻢ ﺻﺒﻪ ﻓﻲ ﺇﺩاﻭﺓ، ﻭﻗﺎﻝ: " اﺫﻫﺒﻮا ﺑﻬﺬا اﻟﻤﺎء، ﻓﺈﺫا ﻗﺪﻣﺘﻢ ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﻓﺎﻛﺴﺮﻭا ﺑﻴﻌﺘﻜﻢ ﻭاﻧﻀﺤﻮا ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺎء، ﻭاﺗﺨﺬﻭﻫﺎ ﻣﺴﺠﺪا " ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﻨﺎ: ﻳﺎ ﻧﺒﻲ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﺎ ﻧﺨﺮﺝ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ اﻟﺴﻤﻮﻡ ﻭاﻟﺤﺮ، ﻭاﻟﻤﺎء ﻳﻨﺸﻒ ﻗﺎﻝ: " ﻓﻤﺪﻭﻩ ﻣﻦ اﻟﻤﺎء، ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻨﻪ ﺷﺪﻳﺪ ﻛﺜﻴﺮ ﺭﻃﺐ " ﻗﺎﻝ: ﻓﺨﺮﺟﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﺑﻠﻐﻨﺎ ﺑﻠﺪﻧﺎ، ﻓﻜﺴﺮﻧﺎ ﺑﻴﻌﺘﻨﺎ، ﻭﻧﻀﺤﻨﺎ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻤﺎء، ﻭاﺗﺨﺬﻧﺎﻫﺎ ﻣﺴﺠﺪا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق