الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول ﷲ، أما بعد:
فالثبات على دين ﷲ والاستمساك بالعروة ولزوم الاستقامة أعظم أنواع الكرامة، ولئن كان الحديث عن الثبات من كريم الحديث وحسن القول، فإنه في وقت الفتن أحرى وأولى، ولهذا وعظ ﷲ عباده المتقين من أصحاب محمد ﷺ وأمرهم به في طيّ حديثه عن غزوة أحد وأحزانها وألمها وكسرها، فقال ﷻ: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ) [سورة آل عمران ١٠٢]، وهي فترة من فترات ظهور النفاق، وزمن من أزمنة انكسار النفوس بالقرح الذي أصابها من الهزيمة.
وكثيرا ما يكون التخاذل والنكوص بسبب وهن يستولي على النفوس، وهزيمة تضعف القلب، ولذا جاءت التربية القرآنية لصيانة النفس من الوهن، وحفظها من أسباب الضعف النفسي.
ومن صور ذلك الوهن الذي تصاب به النفوس في أوقات الهزائم والمضايق، وفي أزمنة اشتداد الباطل وزهوّه؛ الظنُ بأن أهل الحق سيهزمون هزيمة لا قومة بعدها، وأن حملته سيهلكون فتهلك الدعوة معهم، وأنها النهاية للحق والتديّن والدعوة، وفي ذلك يقول ﷻ عن الأعراب الذين حكى عنهم: (سَیَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَاۤ أَمۡوَ ٰلُنَا وَأَهۡلُونَا)[ سورة الفتح ١١].
ثم قال لهم ﷻ بعد ذلك وهو يكشف حقيقة من الحقائق النفسية في أسباب تهاونهم وتخاذلهم: (بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن یَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰۤ أَهۡلِیهِمۡ أَبَدࣰا وَزُیِّنَ ذَ ٰلِكَ فِی قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورࣰا)[ سورة الفتح ١٢]
ففي أوقات المحن والزلازل يحيط مثل هذا الظن السيء بالنفوس، ويستولي عليها، فيظن بعضهم أن الدعوة ستسحق، وأن أهلها إلى زوال، وأن النور والتدين والسنة ذكريات ولّت ولن تعود!، فتأنس تلك النفوس بالتنازل، لظنها أنه طريق السلامة من المعاطب، والله المستعان.
وللحديث بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق