الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فمن أفاعيل المنحرفين توهين الوعظ ولصق النقيصة بالواعظين، تراهم يغمزون أهل العلم والدعوة والتضحية (بالوعّاظ) تنقّصا ولمزا، وما درى المسيكين أن الوعظ وظيفة الأنبياء وأتباعهم، يقول الله لنبيه: "قل إنما أعظكم بواحدة..".ومن شريف مقام الوعظ أن الله سمى كتابه موعظة، فقال: "قد جاءتكم موعظة من ربكم"، بل إن الله وعظ عباده! فقال في عتابه لنوح: "إني أعظك أن تكون من الجاهلين " .
ومن أهل الانحراف من يحول ويصول لذم الشرع ولا يطيق جهرا بذلك ويجبن عن الصدع به، ثم لا يجد إلا أن يخرج ذمه في ألوان من الألفاظ، فيذم الوعظ حينا والصحوة تارة والتشدد تارات .
ثم إن الوعظ لا يقتصر على تزكية القلوب وتطهيرها والتذكير بالتعبدات والنوافل والتحذير من غضب الجبار ونحوه، بل إن القرآن والسنة والشريعة كلها موعظة للمؤمنين، هذا وإن الوعظ بالتذكير وتزكية القلوب من أعظم ما تحتاجه النفوس، وليس من أحد في غنى عن الوعظ والتذكير بطهرة القلب وحياة الأفئدة، ومهما نال المكلف من العلم وبلغ من الاجتهاد في النسك فإنه مفتقر إلى من يذكره ويعظه، وهذا أمر أجمع عليه أرباب السلوك والتنسك والكلام يأخذ بأعناق بعضه، فما دام أني ذكرت الوعظ والموعظة فيحسن أن أذكر أن الوعظ لا يقتصر على درس يلقى أو كلمة تقال، بل إن المؤمن ينوّع على قلبه أنواع المواعظ، وأحب أن أختم بذكر مواعظ وعظني بها مستفتون، لم يخطر ببالهم أن يعظوا، ولكن كان في أسئلتهم أعظم الوعظ وأزكاه.
فمن ذلك أن مستفتيا فاضلا -لا أعرفه- راسلني يسأل يقول: إني أدهن رجل أمي بما يدهن به (فازلين)، وأجد في نفسي حرجا أن أغسله من يدي!
أن لا يكون تقذرا! فيكون من الجفاء للوالدة!.
غفر الله له ولوالدته.
- وآخر اتصل يسأل يقول: ما حكم الزواج من امرأة (ليست تدرك كامل الإدراك)، ولمّا آنس مني تعجبا من سؤاله قال: أما إني متزوج وذو مال وشباب وخير، ولكن هذه فتاة ليس لها عائل يقوم عليها إلا أم تهوّر بها العمر وكبرت وأود أن لو رزقها الله مني بولد أو بنت تقوم عليها وتؤنس وحشتها إن فقدت يوما من يقوم عليها!.
وإذ قد بدأت بذكر الجفاة قذى العيون، فقد ختمت بذكر أحوال من أحوال أناس من عرض هذه الأمة المباركة، أخبارهم تروى فتخشع لها القلوب ، والحمد لله رب العالمين.